Site icon IMLebanon

… وماذا عن كورونا الفساد؟ (بقلم رولا حداد)

ظهر فيروس كورونا ليعطي المسؤولين والسياسيين في لبنان فرصة لا تُقدّر بثمن ليتلهّى الشعب اللبناني بأخبار الفيروس وتطوراته وابتداع النكات المرتبطة به، في حين يغفلون عن حجم الانهيار المالي والمصائب التي تلمّ بهم ولا علاقة للطبيعة بها، بل هي من صنع أيدي من حكموهم طوال السنوات والعقود الماضية.

صحيح أن فيروس كورونا يفرض على كل دول العالم، وليس فقط لبنان، اتخاذ الإجراءات المناسبة للوقاية منه. وحتى على هذا المستوى تبدو الدولة عاجزة عن اتخاذ أي إجراء فعلي، باستثناء الاستعراضات الدعائية. فلا قرار جدياً بوقف الرحلات الجوية من وإلى كل الدول التي ينتشر فيها كورونا بشكل سريع مثل الصين وإيران وكوريا الجنوبية وحتى إيطاليا، كما أن كل الترويج للإجراءات في مطار رفيق الحريري لا يبدو أكثر من مزحة سمجة في ظل كل الفيديوهات التي تصوّر داخل حرم المطار ويبدو فيها موظفو وزراة الصحة يمضون أوقاتهم كموظفي دولة لبنانيين بامتياز يمررون الدوام لا أكثر ولا أقل!

دعونا من فيروس كورونا رجاءً، فما يفتك بنا في لبنان أخطر بكثير!

فيروس الفساد الذي يفتك بنا سبب اهتراءً في كل مفاصل الدولة وأوصلنا إلى الانحلال والانهيار الكبير مالياً واقتصادياً. قد يكون القاسم المشترك الوحيد بين فيروسي كورونا والفساد أن اللبنانيين تعاطوا معها بالطريقة نفسها: اعتماد النكت والسخرية السخيفة في مواجهة حجم المأساة.

أنا على يقين أنه بالنسبة إلى “كورونا” لا داعي للهلع على الإطلاق، فهو فيروس كعشرات الفيروسات التي ظهرت في الأعوام الأخيرة، كما أن اللبنانيين ونظراً لتأقلمهم مع ظروف حياة درامية من النواحي الصحية، مثل النفايات وتلوث الهواء والمياه والبحر وتزايد نسبة السرطان وغيرها، فإن فيروس كورونا لا يمكن أن يضيف جديداً يُذكر. أما بالنسبة إلى فيروس الفساد المستشري، فإنه لا يزال يتفاقم من دون أي نية لمواجهته ووضع حد لاستشرائه!

رغم كل ما وصلنا إليه، لا يزال الصراع حول ملف الكهرباء حيث هو ولم يتزحزح أي طرف عن مواقفه في شد الحبال، فلم يتعيّن مجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان ولا هيئة ناظمة، ولم يفكّر أحد في كيفية ملاقاة المطالب الدولية بإصلاح القطاع ووقف النزيف. ولم يبادر أي مسؤول إلى اتخاذ قرار بإلقاء التوظيفات خلالفاً للقانون، أقله ما حصل اعتباراً منذ ما بعد موازنة الـ2017. ولم تكلف وزارة المالية نفسها عناء الطلب تركيب سكانر على المرفأ، ولم يسعَ أحد لضبط المعابر الحدودية الشرعية وغير الشرعية، لا بل زاد الفلتان في التهريب إلى داخل الأسواق اللبنانية!

“كورونا” الفساد في لبنان عوارضه مخيفة: إقفال مئات المؤسسات وإفلاسها، عشرات آلاف اللبنانيين العاطلين عن العمل، انهيار سعر العملة الوطنية وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين بما لا يقل عن 50%، حجز أموالنا في المصارف وانعدام قدرتنا على التحويل الى الخارج أو حتى على الإنفاق من أموالنا في الخارج إن أردنا السفر… وتستمر العوارض!

فيروس الفساد يتفاقم وسط تقاعس المسؤولين أو تورطهم لا فرق، وكأنهم ينتظرون من صندوق النقد الدولي أن يقوم بالمطلوب عنهم!

في اختصار، يصبح فيروس كورونا أقل من رشح عادي بالنسبة إلينا مقارنة بفيروس فساد أهل السلطة الذين لا يمانعون أن نتلهّى قليلاً عنهم وعن فسادهم!