لم يكن مُفاجئاً في لبنان، الذي يَرْتَعِدُ على وقْع الأزمةِ المالية – الاقتصادية الأعتى التي تضربه منذ نشوئه، أن «يَرْتَعِبَ» أمام اختراقِ فيروس «كورونا» المستجد البلاد الفاقدة لـ «المناعة» السياسية – المالية والتي تقف على حافة الدول الفاشلة، تفصل بين سلطتها والشارع هوّة عميقة اسمها «ثورة 17 تشرين الأول» التي انفجرتْ بوجه طبقة حاكمة حوّلت المؤسسات «هيكلاً عظمياً».
ولم يكد أن يطلّ «كورونا» برأسه مع الإعلان الجمعة، عن أول إصابةٍ مؤكَّدة لمواطنةٍ كانت على متن طائرةٍ آتيةٍ من قم الإيرانية، حتى تفشّت «عوارِضُه» سياسياً بعد الإرباك الكبير في مقاربة هذا التحدي الصحّي الخطير الذي تَرافَقَ بروزُه مع مواصلة الوكالات الدولية خفْض تصنيف لبنان الائتماني وصولاً إلى الدرجة ما قبل الأخيرة لإعلان الإفلاس.
وحَجَبَ كابوسُ «كورونا»، الذي اقتَحَمَ المشهدَ اللبناني في غمرة الثقة المعدومة بين الشارع والسلطة، محاولاتِ الحكومة الجديدة تَلَمُّسَ طريق الخروج من الفواجع عبر خطةِ إنقاذ يشكّل أول مؤشرٍ لمسارها القرارُ الذي سيُتّخذ في ما خص دفْع أو عدم سداد استحقاق اليوروبوندز في 9 اذار المقبل وقيمته 1.2 مليار دولار.
وفيما كان وفدُ صندوقِ النقد الدولي يكمل مهمته الاستشارية في لبنان بناء على طلب سلطاته في محاولةٍ لتحديدِ خريطة الطريق الأكثر «أماناً» للسير في «حقل الأشواك» المالي الذي يشي بممرٍّ يبدو أن لا مفرّ منه وعنوانه إعادة هيكلة الدين التي تتحصّن بيروت بإزائها قانونياً، لم يتأخّر «كورونا المستجد» بأن يصاب بـ «فيروس» السياسة الذي «يلبْنن» حتى الأوبئة.
وفي هذا الإطار، انبرتْ أصواتٌ تأخذ على الحكومة إدارتَها الظهر لإعلان طهران نفسها أن الفيروس المستجد قد يكون انتشر في كل البلاد، والامتناع عن تعليق الرحلات من إيران وإليها على غرار ما فعلتْ دولٌ عدة، واكتفت بإعلان «منْع اللبنانيين والمقيمين من السفر الى المناطق التي سجّلت إصابات (وليس إلى الدول)» و«وقْف الحملات والرحلات إلى المناطق المعزولة في الصين، كوريا الجنوبية وإيران ودول أخرى»، بعدما كان وزير الصحة حمد حسن ربط وقف الرحلات مع طهران بقرارٍ تتخذه الحكومة.
كما استوقف الأوساط عدم اتخاذِ أي قرار بإجلاء اللبنانيين من إيران (كما فعلتْ دولٌ مع رعاياها) بل الاكتفاء بموعد الرحلات المجدْولة وبينها واحدة يوم غد، في حين كان سياسيون وناشطون يطالبون وبإلحاح بوقف الرحلات فوراً.
وبدا واضحاً أن «كورونا» سيتقاسم المشهد اللبناني في الفترة المقبلة مع المأزق المالي الذي يسابق استحقاق اليوروبوندز في 9 اذار والذي تتهيّأ الحكومة لحسم قرارها في شأن دفْعه أو عدمه عبر «حماية ظهرها» قانونياً باللجوء إلى شركة استشارات مالية وقانونية دولية لتولي التفاوض في شأن هيكلة الديون الخارجية ورسم مسارات آليات التوقف عن السداد والسيناريوات التي تترتب على كل منها.
وإذ كانت المعلومات عن اللقاءات التي يواصلها صندوق النقد تشير إلى أن المناقشات تدور حول عرض الأرقام عن الواقع المالي للدولة وإمكاناتها من دون أن تتبلور بعد ملامح أي خطة محدّدة سيكون القرارُ في شأنها من مسؤولية الحكومة، نقلت «وكالة الأنباء المركزية» عن رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود ان «الاجتماع مع بعثة صندوق النقد خلص الى دراسة الصندوق لآلية خفض نسبة الدين العام الى الناتج المحلي وإعادة تكوين رساميل المصارف وإمكان تحرير سعر صرف الليرة وإعادة تنشيط الاقتصاد».
وتابع: «لفتنا الانتباه إلى أن أي مساس بالودائع لخدمة الدين العام يخالف كل المعايير، وان المصارف في رسملتها ستعتمد على مساهميها وعلى مساهمين جدد وربما من المودعين، لكن يبقى الهمّ الأساسي أمام القطاع المصرفي الحفاظ على أموال المودعين كبيرة أو صغيرة، وإذا كان متعذّراً الآن السحوبات والتحاويل فيجب أن يبقى موقتًا ويعمل على تحرير الودائع قبل سعر الصرف».
وترافقت مهمة صندوق النقد مع إعلان وكالة «موديز» خفْض تصنيف لبنان الى CA من CAA2 مع «النظرة المستقبلية إلى مستقرة»، متحدثة عن أن «توقّعات لبنان تتماشى مع آفاق توافر تمويل خارجي بدعم من مشاركة صندوق النقد التي يقوّضها السجلّ الضعيف لبيروت على صعيد تطبيق السياسات»، لافتة إلى ان «تفاقم الانكماش الاقتصادي والمالي بما يُقوّض ربط الليرة اللبنانية يُشير إلى إعادة هيكلة الدين الحكومي في المدى القريب».
ولاقت «ستاندر اند بورز» هذا المناخ، بإعلان خفضها تصنيف لبنان إلى cc/c من CCC/C مع نظرة مستقبلية سلبية، عازية ذلك إلى توقّع أن يتكبد الدائنون من القطاع الخاص خسائر كبيرة في حالة إعادة هيكلة الدين الحكومي، معربة عن اعتقادها «بان إعادة الهيكلة أو عدم سداد الدين شبه مؤكد بصرف النظر عن التوقيت»، ومعتبرة «أن الانقسامات الطائفية العميقة في النظام السياسي والمخاطر الأمنية في المنطقة سيواصلان إعاقة صناعة السياسات».