كل الدروب المؤدية الى ضم تركيا الى الاتحاد الاوروبي، سلكها الرئيس رجب طيب اردوغان، من دون ان يبلغ الهدف. اوراقه التي لعبها في الميدان، ترغيباً وترهيباً، استُنفدت، وضاقت فسحة الامل بتحقيق المبتغى الى الحد الاقصى خلال الاشهر الاخيرة، حتى ان العلاقات انتقلت من التحالف الاستراتيجي الى التوتر والتأزم، وتبادل الاتهامات في العلن. اخذت باريس على انقرة انتهاكها لحقوق الانسان مستبعدة انضمامها الى الاتحاد، ثم اعترفت بالابادة الجماعية للأرمن وانتقدت العدوان التركي على سوريا، وتضاربت وجهات النظر مع تركيا ازاء ملفات مكافحة الإرهاب وعضوية حلف شمال الأطلسي الـ”ناتو”، حتى ان قضية المدارس التركية في فرنسا تحولت الى ازمة.
فما الذي تبدّل في مسار هذه العلاقات لتنقلب رأسا على عقب ويصبح الممكن مستحيلا؟ تقول اوساط دبلوماسية غربية لـ”المركزية” ان السياسات المثيرة للجدل التي اعتمدها اردوغان افقدت انقرة الامل بدخول الاتحاد الاوروبي. فاستغلاله ورقة اللاجئين السوريين لتهديد اوروبا به من خلال السماح لنحو مليون لاجئ سوري في تركيا بالتوجه إلى أوروبا، كلما دعت الحاجة التركية، لم يلق اصداء ايجابية اوروبياً وتحديدا لدى فرنسا التي تعتبره ابتزازا للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية، وهي المغتاظة من خطة الرئيس التركي بفتح مراكز ثقافية تركية في فرنسا، خوفا من نشر التطرف.
وفي السياق، يندرج موقف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ان بلاده لن تسمح بتطبيق القوانين التركية على الاراضي الفرنسية، وذلك على خلفية تمويل انقرة عملية تشييد مسجد في تولوز. اذ تكشف الاوساط ان تحقيقات تجري في تمويل مسجد النور والمشاريع المحيطة به، وهو اكبر مسجد قيد الانشاء في فرنسا، حيث انه ليس مخصصا للصلاة فقط، وفق ما تعتبر فرنسا، بل فيه مساحة للانشطة الثقافية السياسية ، المرفوضة من السلطات كونها تشكل موئلا لنشر العصبيات المتطرّفة وتعميمها.
وتوضح الاوساط ان الانزعاج لا يقتصر على فرنسا وحدها. فدول اوروبية عدة عانت وما تزال من التدخل التركي في شؤونها من خلال رعاية الحالات الاسلامية وتشييد المساجد والمراكز الثقافية التي تحولت الى مقار لبث الافكار المتطرفة وتعزيز العصبيات الدينية، وهو ما يحول عمليا دون ضمها الى الاتحاد الاوروبي، الى جانب اسباب اخرى كثيرة.
ولم تفلح ايضا محاولات اردوغان تصوير بلاده ضابطة ايقاع الحالات السنية المتطرفة في باريس والممسكة بأداة التحكم بأحد محاورها عن بعد، ذلك ان فرنسا كما معظم دول اوروبا لا تنظر بعين الرضى الى التورط التركي في الازمة الليبية وتعتبره تدخلا في شؤون الدول، وقد يشكل وجود تركيا في مياه المتوسط قبالة الشواطئ الاوروبية تهديدا للقارة العجوز لن ترضى به، لا بل ستسعى لمواجهته وهي للغاية تنسق مع بعض الدول العربية وتحديدا مصر لمنع تمدد النفوذ التركي في طرابلس الغرب. وتتحدث الاوساط ايضا عن تعاون اوروبي روسي لابقاء منطقة المتوسط بعيدة من الصراعات السياسية التي من شأنها ان تعيد شبح التوتر او الحرب الى المغرب الغربي الذي كان واقعاً تحت الوصاية الفرنسية لحقبة طويلة.
ازاء هذا الواقع، تشير الاوساط الى ان اوروبا التي تحرص على نوعية الدول المنخرطة ضمن اتحادها لن تسمح لتركيا “المزعجة” ان تصبح عنصر عدم استقرار في الجسم الاوروبي، وليست في وارد ضمها اليه في المدى المنظور.