Site icon IMLebanon

أصحاب الأفران يبتزّون الناس والدولة: ثرواتنا أهمّ من لقمة عيشكم

كتبت رلى إبراهيم في “الاخبار”:

بدأ أصحاب المخابز والأفران إضراباً مفتوحاً سيعمدون خلاله الى التوقف عن بيع الخبز للمواطن، في موازاة رفضهم التفاوض مع وزير الاقتصاد راوول نعمة حول آلية تستند الى الأرقام للبحث في خيار رفع سعر الربطة أو إبقائه على ما هو عليه. الوزير يرى في سلوك الأفران ابتزازاً، وهؤلاء يشكون من هدر الدولة للوقت وتكبيدهم خسائر إضافية.

منذ منتصف ليل أمس، بدأت المخابز والأفران إضراباً مفتوحاً الى حين «الاستجابة لمطالب أصحاب المخابز والأفران بدعم القمح والإبقاء على وزن ربطة الخبز وسعرها كما هو اليوم»، على ما أعلنت الجمعية العمومية لنقابة المخابز والأفران الجمعة الماضي. فمنذ مدّة، عمد بعض الأفران الى خفض وزن ربطة الخبز الى 900 غرام وبيعها بسعر الربطة العادية أي 1500 ليرة، في حين رفع البعض الآخر سعر ربطة الـ 1000 غرام الى 1750 ليرة من دون أي قرار رسمي من وزارة الاقتصاد. هذه الفوضى دفعت الوزارة الى تحرير محاضر ضبط بحقّ المتلاعبين بالوزن والأسعار. تداعت النقابة على عجل لاتخاذ الإجراءات اللازمة حيال الأمر، وكان نتاجها ابتزاز وزارة الاقتصاد بخبز المواطن اليومي: إما رفع سعر الربطة وإما قطعها من السوق، وما بينهما ترفض النقابة أي حوار مع المعنيين أو إيداع الوزير الأرقام الدقيقة لأسعار شراء المواد من مازوت ونايلون وطحين وخميرة وسكر ليتسنى له وضع آلية عادلة تنصف التاجر والمستهلك. وزير الاقتصاد راوول نعمة قال لـ«الأخبار» إنه غير مطّلع على مطالب النقابة، إذ كان من المقرر أن يجتمع بهم يوم الجمعة الماضي، لكنّ أحداً لم يأت في الموعد المحدّد. برأيه، «لو أنهم مهتمون بوضعهم لكانوا حضروا». قبيل ذلك، «عُقد اجتماع بيننا»، يضيف نعمة، «عرضت خلاله العمل معاً على آلية تحددها لجنة مؤلفة منهم ومن الوزارة، إلا أنهم رفضوا. ومنذ يومين تغيّبوا عن جلستنا من دون أيّ عذر رغم إبدائي إيجابية في التفاوض والوصول الى حلّ. لم يطلعوني على مطلبهم، ثم أعلنوا الإضراب المفتوح».

خلافاً لنقابة الأفران، توصل الوزير الى معادلة مع نقابة المطاحن ترضي الطرفين عبر المشاركة في وضع آلية شبيهة بآلية الكهرباء لتفنيد أسعار القمح وكل المواد الأخرى، وعلى ضوئها تغيير الأسعار: «المطاحن تعاونوا معنا، أما الأفران فرفضوا. لذلك وحتى إشعار آخر، السعر المحدد بالقانون هو 1500 ليرة للكيلو، وإذا كان سعر المبيع في المتاجر مختلفاً فسيواجهون مشكلة. نحن تكنوقراط ونتحاور بالأرقام. رفع السعر من دون تعليله لا ينفع، وأنا لا أخضع للابتزاز». أبلغ نعمة النقابة بموعد آخر الثالثة من بعد ظهر غد، و«أنا حاضر للتفاوض. الأولوية لدراسة علمية تعلّل سبب رفع السعر. ربما تعاملوا مع طرحي بسلبية لخوفهم من أن تثبت النتائج أن لا خسارة عليهم بالمبلغ الرسمي المعتمد حالياً. لن يكونوا سعداء بذلك».

على مقلب النقابة، «لا صحة لكلام الوزير»، بحسب رئيس اتحاد نقابة المخابز والأفران كاظم إبراهيم. إذ إن «الجمعية العمومية حالت دون تلبيتنا دعوة نعمة الى الاجتماع. قلنا لمن تواصل معنا أن يعيد تحديد موعد آخر ولو بعد منتصف الليل من دون أي جدوى». أصلاً تجربة إبراهيم مع وزير الاقتصاد الجديد غير مشجعة: «رحنا نهنّيه فاستقبلنا كمدير بنك وكأننا جئنا لنستدين أموالاً منه». ستحضر النقابة الى اجتماع الغد في الوزارة، لكنها مصرّة على رفض تأليف لجنة وتحديد آلية. فالحكومة السابقة، وفقاً للنقيب، عقدت جمعية عمومية «ناقشت أوضاعنا؛ وحكمتنا إعدام ونحن قاعدين بالأفران». لا يحتاج الأمر الى ذكاء خارق هنا: «ربطة الخبز التي تزن ألف غرام سعرها 1500 ليرة لبنانية. كان الدولار بألف وخمسمئة ليرة، ارتفع الى 2400 ليرة لبنانية. يريدون تحميلنا وزر هذه التغيرات، وتكبيدنا خسائر مالية كبيرة عبر الإبقاء على السعر القديم». يشير إبراهيم في هذا السياق الى أن تسديد فاتورة الخميرة والنايلون والسكر وغيره «كاش» وبالدولار في ظل شح هذه العملة أصلاً. ويقول إنه كان في السابق يشتري «طناً من السكر أو اثنين، أما اليوم فلا يمكن إلا شراء 300 كلغ، بسبب انقطاع السيولة بالدولار من المصارف. بات الوضع لا يطاق». ما زاد النكبة سوءاً أن «الدولة تخلّت عن دعم القمح المستورد كما جرت العادة، وهو ما كان يؤمن استقراراً لسعر الرغيف. عليها تحمّل مسؤولياتها لا رميها على القطاع بسبب افتقادها الأموال. ما ذنبنا نحن كأفران لنتحمل هذا العبء؟».

لكن وزير الاقتصاد دعاكم الى الانضمام الى اللجنة التي ألّفها لدراسة كلفة الرغيف ورفضتم ذلك بشكل يوحي وكأنكم تطمحون إلى إرساء أمر واقع من دون دراسة؟ يجيب النقيب: «اللجنة مقبرة، وأي دراسة جديدة تحتاج الى شهرين أو ثلاثة، ما معناه مرمغة جديدة فينا. لن نسمح بإضاعة الوقت بعد الآن». وبالمناسبة، يعقّب إبراهيم، «كل هذه الضجة كرمال 150 ليرة ووقيّة». برأيه، الأفران مستهدفة إذ يريدون افتعال ثورة من أجل 150 ليرة، بينما كل الأسعار ارتفعت بشكل جنوني من كيلو لحم الغنم الذي كان بـ 27 ألفاً وأصبح بـ 38 ألفاً، الى غيره من المواد الغذائية: «تاركين كل شي وعم يتطلّعوا بالـ 150 ليرة»! علماً بأن وزير الاقتصاد السابق منصور بطيش كان قد رفض طلب الأفران رفع السعر، متسلحاً بدراسة أجريت بالتعاون مع وزارة التنمية الإدارية، تبيّن فيها أن الكلفة الصافية لربطة الخبز هي 740 ليرة. وإذا ما افترضنا وجود أكلاف إضافية، يبقى ربح أصحاب الأفران ما بين 10 إلى 12% في ربطة الخبز.

يعتقد أصحاب الأفران أن دراسة بطيش لم تعد صالحة لتطبيقها على الوضع الحالي. ويوم أمس، بدأ التداول على مواقع التواصل الاجتماعي برسالة تهدّد بتكسير الأفران التي ستتجاوب مع الدعوة إلى الإضراب في الضاحية الجنوبية لبيروت، على اعتبار أن أصحابها يشاركون في تجويع المواطنين. تزامن ذلك مع التهافت على شراء كل أنواع الخبز خوفاً من انقطاعه، وهو أمر يتكرر مع كل قرار بالإضراب.

ومساء، أعلنت قناة «أن بي أن» أنه «تجاوبا مع مساعي دولة الرئيس نبيه بري» يعود أصحاب الافران اليوم عن قرارهم بالاضراب.