كتب عمر البردان في صحيفة “اللواء”:
لا يحتاج المرء إلى كثير عناء، ليدرك بالواقع الملموس أن الهوة بين لبنان والدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، آخذة في الاتساع أكثر فأكثر دون بروز أي معطيات، من شأنها أن تفتح ولو كوة صغيرة في الجدار المسدود مع دول مجلس التعاون التي ما كانت يوماً على هذه الدرجة من الاستياء من سياسة المسؤولين اللبنانيين كما هي اليوم . فللمرة الأولى في تاريخ لبنان يتجنب السفراء الخليجيون زيارة رئيس حكومة لبنان الجديد، أو الوزراء الجدد للتهنئة، في مفارقة لافتة، طرحت الكثير من التساؤلات عن طبيعة المرحلة التي ستتحكم في علاقات لبنان مع أشقائه العرب والخليجيين.
وقد برز هذا الاستياء الخليجي واضحاً بشكل جلي، في الحضور الدبلوماسي إلى جانب التمثيل الأجنبي الرفيع، في ذكرى الرابع عشر من شباط في «بيت الوسط»، مقابل الإحجام عن زيارة كبار المسؤولين بعد تأليف الحكومة، في رسالة بالغة الدلالات على أن مدى السوء الذي وصلت إليه علاقات لبنان، بالدول الخليجية والأجنبية، نتيجة تشكيل حكومة اللون الواحد، والتي كان يفترض أن تكون ممثلة لأوسع شريحة من اللبنانيين، وسط مخاوف من أن يترك هذا التردي في العلاقات، انعكاسات بالغة على لبنان، وتحديداً على الصعيد الاقتصادي، وهو ما أشارت إليه افتتاحية «اللواء»، أمس بقلم رئيس التحرير الأستاذ صلاح سلام، والتي أثارت اهتمامًا في الأوساط السياسية والدبلوماسية.
ولا تخفي أوساط سياسية ودبلوماسية قلقها من مغبة أن يدفع لبنان الثمن غالياً، جراء تفرد «حزب الله» تشكيل حكومة وفق أجندته، ولا تحظى بالتغطية السياسية والشعبية المطلوبة، في حين كان المطلوب تأليف حكومة جامعة تأخذ على عاتقها مواجهة التحديات التي ينتظرها لبنان، في ظل الأزمة المالية الخانقة التي أرهقت كاهله، وأسقطته في الهاوية، فيما لا يبدو أن هناك إمكانية للخروج من هذا الواقع المؤلم الذي ينذر بمضاعفات بالغة الخطورة، في حال لم يبادر لبنان إلى القيام بما هو مطلوب منه على صعيد الاصلاحات، وإلى تصحيح علاقاته مع الدول الخليجية والعربية، مشددة على أن المقاطعة العربية للحكومة، ستشكل ضربة موجعة للحكومة، لا يمكن التكهن بمدى الأضرار التي ستلحقها بالبلد، إذا لم يقرأ المسؤولون اللبنانيون جيداً، أبعاد رسائل الاحتجاج الخليجية التي عبر عنها سفراء مجلس التعاون في لبنان، بامتناعهم حتى الان عن زيارة الرئيس دياب، ولو بروتوكولياً للتهنئة، وبالتالي القيام بما ينبغي عليهم القيام به، لإصلاح مكامن الخلل في العلاقات.
واستناداً إلى المعلومات المتوافرة لـ«اللواء»، فإن هناك خشية لدى الأوساط السياسية والاقتصادية، وفي ظل الوضع المأساوي الذي يعنيه لبنان، أن يواجه البلد عزلة خارجية غير مسبوقة، ستغرقه أكثر وتجعله محاصراً بشروط الدول المانحة، وبالتالي غير قادر على الالتزام بتنفيذ ما هو مطلوب منه. إذا أن هناك اقتناعاً راسخاً وأساسياً لدى هذه الأوساط بأن لا قيامة للبلد من محنته، إلا إذا جاءته مساعدات من الدول الخليجية الشقيقة التي لم تقصر يوماً في مد يد العون له، ما يحتم على أهل السلطة الذين وقفوا متفرجين، أمام تحول لبنان إلى منصة للتهجم على دول مجلس التعاون، أن يعيدوا حساباتهم، ويتخذوا الموقف الذي ينسجم مع مصلحة لبنان، قبل مصلحة الآخرين، في الداخل والخارج.
وليس مستغرباً في ظل هذه الأجواء، وكما تشير المعلومات أن لا تحصل استجابة خليجية، لما سبق وتعهدت به دول مجلس التعاون في مؤتمر «سيدر»، إذا لم يحصل تغيير جدي وملموس في الأداء من جانب المسؤولين اللبنانيين. وصحيح أن وزير المال السعودي محمد الجدعان أبدى استعداد بلاده لمساعدة لبنان، إلا أن الصحيح أيضاً، هو أن المملكة العربية السعودية، كما هي حال بقية الدول الخليجية ليست مستعدة لتقديم شيك على بياض للبنان، طالما استمر «حزب الله» وحلفاؤه بالتصويب على هذه الدول، والإساءة إليها خدمة للأجندة الإيرانية العدائية ضد دول الخليج العربي.