IMLebanon

المحامون والحراك اللبناني…

كتب خالد العزي في صحيفة “نداء الوطن”:

شكل إنتخاب ملحم خلف مفاجأة الانتفاضة اللبنانية التي أعطت أملا كبيراً في الأوساط اللبنانية بعد 17 تشرين الأول 2019، وكان مؤشراً الى أن امكانية وصول الرجل المناسب إلى المكان المناسب كبيرة في لبنان، هو نقيب خرج من ساحات التظاهر ليخوض المعركة على المستوى النقابي ويحدث التغيير الفعلي في العقلية اللبنانية التي يمكنها أن تتغيّر.

وفي ظل تصاعد الانتفاضة في لبنان والحراك المتصاعد من قبل الثوار والتصعيد الكبير الذي كان في الساحات، صدق ملحم خلف في برنامجه الذي خاض على اساسه الانتخابات ونجح وحضر إلى ساحة الشهداء مخاطباً المتظاهرين وقال للجميع: “منذ اليوم اصبح للحراك وكلاء دفاع واذا اعتقل أحد منكم قولوا إن وكيلي شخصياً ملحم خلف”.

هذه الروح الثورية والوطنية لخلف ليست جديدة بل هي قديمة منذ نشأته عندما كان مسعفاً في الصليب الاحمر وكان ينقل القتلى في مجزرة صبرا وشاتيلا ورفض نقل الشهداء الى المقابر، من دون تكفينهم، حيث رفع صوته: كانوا أحياء مثلنا منذ ساعات ولن اقبل بدفن أي جثة قبل إجراء ما يلزم.

لم يتخلف خلف عن وعوده ومنذ وصوله كانت له جولات وصولات مع السلطة والوقوف الى جانب الثورة ومعتقليها والذهاب بنفسه من سجن الى سجن لإخلاء سبيل المعتقلين. كانت الإخلاءات انتصارا للثورة بوجه السلطة السياسية كما وقف بوجه بعض القضاة الذين لا يزالون بعيدين عن جوهر العدل والعدالة.

استطاع الى جانب نقابة المحامين والكثير من المحامين الكشف عن كل الحالات الموجودة في السجون والعمل على تحرير السجون من الظلم السياسي كما ساهم بإطلالة جديدة لنقابة المحامين في بيروت وكذلك النقابة في الشمال، لتكونا منبراً للتوجه نحو استقلالية المحاماة والعمل لتحرير النقابات من سلطة الامر الواقع. استطاع خلف بواسطة قدرته وهيبته الوطنية إعادة الاعتبار الى المحامي الحر غير الخاضع لسلطة القصور بالتعاون مع نادي المحامين ونقابة محامي الشمال، وتكوين توجه جديد يقف الى جانب المحتاجين والمظلومين، مما دفع إلى إطلاق تغريده للقاضية حياة عاكوم شاهين، عن حلم يراودها، كلما شاهدت التلفاز، ومشاهد الثورة، وهو بأن “يَتنادى القُضاة جميعاً، لإعلانِ البلاغ رقم واحد، ومختصرهُ، إعلان ثورةِ القضاءِ على الفاسدينَ فوراً، واقتيادهم على حين غرّة، وذلك بمعاونةِ القوى الأمنية، وزجهم في السجون”.

وبالنسبة الى “التهمة” قالت القاضية ، انها “مبررة ومعللة، وهي سرقة مال الشعب، إقتسام الوطن بثرواته، خداع الشعب بالكذب المتعمَّد، التهرّب من المسؤولية، سن القوانين في إطار مصالحهم، إستغلال حماة الوطن لحمايتهم مع عائلاتهم، إستغلال النفوذ، وتقاسم الصفقات”.

والأهم بحسب القاضية اللبنانية، هو “الاستهتار بصيحات البشر الجياع أو المرميين على أبواب المستشفيات من دون ضمان”.

فهل كلام القاضية يكون قريباً لما قام به القاضي الايطالي أنطونيو دي بييترو الذي اعلن الحرب على الفساد بعد اكتشافه في التسعينات من القرن الماضي تورط بعض السياسيين في قضايا رشوة وفساد، إذ كانت شبكة كبيرة وضخمة على مستوى الدولة وشخصيات كبيرة من مختلف الوظائف من وزراء ومدراء عامين وشرطة ومدنيين ورجال اعمال، تعبث بالفساد وحياة الدولة المالية.

اتخذ القرار حينها واعتبر القاضي الايطالي انتحارياً، وعندما تمت ملاحقة المتورطين طالت الملاحقات رئيس الوزراء نفسه والوزراء والنواب، فكان على القاضي ان يحارب دولة عصابات المافيا بكاملها والجماعات الماسونية والمهربين والتجار الفاسدين، فاطلق على العملية “الأيادي النظيفة”، وذلك بمساعدة العديد من القضاة والمحامين ورجال الشرطة الإيطاليين. لقد صُدمت ايطاليا كلها بحجم الفساد وطبيعة التورط مما دفع الناس إلى الخروج بمسيرات لمساندة القاضي بييترو، ورفع الشعب وقتها الشعار التاريخي لإيطاليا “شكرا بييترو جعلتنا نحلم”.

انتهى القاضي بأنه أعاد لإيطاليا مجدها، فسقطت الجمهورية الاولى وتأسست الجمهورية الثانية. لقد انتزع القاضي الخوف من قلوب المحاربين بقوله الجنوني: “ان الفساد يدمّر الدولة من الداخل، لذلك يجب تدميره من الداخل باختراق شبكات الفساد”.

وبحسب المثل الايطالي: “الفساد كزواج المصلحة، اذا افسدت المصلحة أبطل الزواج”، لان الفساد من صناعة جماعات الضغط المحمية من السياسيين ويصلحه العدل إن وجد.

فهل تجربة ملحم خلف ووقفاته ستؤدي إلى انتفاضة في الجسم القضائي اللبناني. هذه الثورة القضائية من المطالب الاساسية للحراك اللبناني في الصراع مع السلطة حول استقلالية القضاء واعادة الاعتبار للسلطة القضائية في بلد يوصف بـ”أم الشرائع”.

ومع صعود نجم المحامي المقاتل والمناضل ملحم خلف الى العلن أصبح لدى اللبناني الرد بأن في لبنان الآلاف من أمثال ملحم خلف، كما أن العديد من المتواجدين في الساحات ضمن الانتفاضة لديهم القدرة على العطاء من أجل هذا البلد المجروح، من دون النظر إلى العوائد والفوائد التي قد يجنونها من تلك المواقع. بات الرد جاهزاً على كل الذين تخولهم انفسهم بالقول: من أين نأتي بهؤلاء التكنوقراط الاختصاصيين. لبنان غني جداً بشباب قادرين على مساعدة لبنان، لكن الشرط الأساسي هو استقلالية هؤلاء من أجل العطاء كما حال تجربة نقيب المحامين، فلتعمم تجربته على كل الكوادر اللبنانية الطامحة بالتغيير والتأثير في مجرى الاحداث في تقديم الشخصيات المناسبة والكفوءة في مواجهة السلطة السياسية .