المشاكل الموجودة في لبنان ليست وليدة الساعة بل هي نتاج سنوات طويلة، وحكماً لا يُمكن معالجتها بكبسة زر، فزمن السحر والسحرة ولّى منذ عدّة قرون، ونقول هذا ليس دفاعاً عن الحكومة، وليس لتبرئتها ابداً من تحمل المسؤوليات، إنما لوضع الأمور في نصابها.
إن من يتابع المواقف السياسية من القضايا المطروحة يُدرك بأن من يصوّب على الحكومة أو ينتقدها، هو نفسه عايش مثل هذه المشاكل وكان يقدم التبريرات تلو التبريرات ويحمّل غيره المسؤوليات في عدم معالجة أي من الأزمات، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على وجود نكد سياسي وتهرب من المسؤوليات ورميها على الآخرين.
الظاهر من أداء الحكومة أنها عازمة فعلاً على العمل وجادة لكنها تشكو من بطء الإنجازات إذ لم يسجل لها حتى الساعة شيء
من السذاجة رمي كل المشاكل وتبعاتها على حكومة لها «في القصر من مبارح العصر»، حيث كاد البعض من أهل السياسة ان يحملها مسؤولية الثقب في طبقة «الاوزون»، ووزر المليارات من الدولارات التي يرزح تحتها لبنان ويعجز عن سداد ولو جزء يسير من ارقامها، ناهيك عن مسائل الكهرباء والاتصالات، والخدمات، وصولاً إلى أزمة الرغيف، فحبذا لو تُعطى هذه الحكومة ثلاثة أو أربعة أشهر على الأقل للبدء بالحكم على ادائها علماً بأن الظاهر من الأداء حتى الساعة يوحي بأنها عازمة على العمل، حيث ينكب رئيس الحكومة ومعه كل الوزراء على مقاربة أكثرية الملفات بشكل تقني وعلمي بعيداً عن أية مهاترات سياسية، وتُلاحظ الجدية في دراسة الملفات على طاولة مجلس الوزراء حيث لا تستغرق الجلسات لأكثر من ثلاث ساعات، بينما في السابق كانت الجلسات تستغرق ساعات وساعات بسبب الجدال السياسي والعمل بالنكايات في معظم الملفات التي كانت تتم مقاربتها مهما كانت صغيرة أم كبيرة، وهذا النهج المتبع حالياً يؤشر إلى اننا سنكون مع الوقت مع حكومة انتاجية بكل معنى الكلمة في حال سمحت لها الظروف الداخلية والخارجية بذلك.
في هذا السياق، يُؤكّد مصدر سياسي مطلع بأن الحكومة الحالية ليس عليها أي مسؤولية في ما يتعلق بأزمة سداد الدين، وكان على الحكومة السابقة التنبه لهذا الأمر منذ فترة، وأقله منذ أن بدأت الأزمة النقدية بالتفاقم، الا ان هذا الأمر لا يُعفي هذه الحكومة من الإسراع في التفتيش عن المخارج الملائمة التي لا تحمّل لبنان أي تبعات دولية حيال طريقة التعاطي مع هذا الملف، خصوصاً وان غالبية الوزراء الموجودين حالياً هم وزراء اختصاص ولديهم أفكار مسبقة في كيفية التعاطي مع هكذا أزمات، ومن هذا المنطلق يتوجّب على الحكومة مجتمعة وضع خارطة طريق طارئة وسريعة وتقديمها للمجتمع الدولي تبين ما يُمكن ان يفعله لبنان لاستعادة الثقة الدولية به وخصوصاً بقطاعه النقدي.
ويتوقع المصدر ان يكون هناك أفكار واضحة من الآن وحتى مطلع آذار حول ما يُمكن ان يفعله لبنان حيال مستحقات الدين، ويتوقع ان يتجاوز هذا المطب ولو بصعوبة، خصوصاً وانه برزت مؤشرات أوروبية عن طريق فرنسا، وعربية عن طريق المملكة العربية السعودية تظهر استعداداً واضحاً لمساعدة لبنان وإن بشروط مشروعة تتعلق بالولوج في إحداث إصلاحات ووقف الهدر ومحاربة الفساد، وهنا ينبغي على القضاء ان يسارع إلى أخذ دوره متخطياً كل الحواجز السياسية بغية محاسبة المرتكبين واستعادة الأموال المنهوبة لأن هذه الخطوة إن تمت ستكون منطلقاً اساسياً لاستعادة الثقة الدولية بلبنان، ويجعل الدول المانحة ان تعود وتفكر جدياً بمساعدة لبنان طالما انه بدأ يفي بالتزاماته، لأنه من غير الممكن ان نطلب من العالم مساعدتنا، ونحن لا نساعد انفسنا، وهي عبارة سمعها أكثر من مسؤول لبناني من أكثر من جهة دولية تمت مفاتحتها بأمر المساعدة، حتى ان وفد بعثة صندوق النقد الدولي قال هذا الكلام لكل مسؤول اجتمع معه، علماً ان هذا الوفد جاء مستمعاً وحاثاً على العمل، وبالتالي لم يحمل معه أي خطة عملية تُظهر كيف يُمكن مساعدة لبنان للخروج من مأزقه المالي، وفي المقابل فإن المسؤولين اللبنانيين لم يقدموا في المقابل أي خطة للمساعدة، لا بل انهم لم يطلبوا المساعدة في الأساس، وهو ما يعني ان أزمة سداد الدين ما تزال على حالها بانتظار ما ستحمله الأيام الفاصلة عن التاسع من آذار موعد إيفاء الدولة اللبنانية بالتزاماتها، حيث ان هناك من يقول بأن ما كتب قد كتب لجهة تسليم لبنان بمطلب جدولة الدين وهو أمر ممكن حصوله مترافقاً مع تعهدات حاسمة.