كتبت ميسم رزق في “الاخبار”:
بعد سحب ملف تشريع «القنب» من التداول لفترة، عادَ اقتراح القانون الى الواجهة إثر إقراره في اللجان النيابية يومَ أمس بإجماع الكتل النيابية، ما عدا كتلة «الوفاء للمقاومة» التي «لم تجِد أي جدوى إقتصادية منه».
لبنان خامس مُنتِج للحشيش في العالم، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات. هو اليوم بصدَد فتح الطُرق القانونية أمام زراعة القنب «لأغراض علاجية» بعدما أقرت اللجان النيابية المشتركة برئاسة نائب رئيس مجلس النواب ايلي فرزلي أمس إقتراح القانون الرامي إلى تنظيم هذه الزراعة، لتحويله الى الهيئة العامة.
التوجه نحو قوننة هذه الزراعة أتى بتوصية صدرت عن شركة «ماكينزي» للإستشارات الإقتصادية، بعدَ إشارتها إلى أهمية الإستفادة من الحشيش لتحقيق أرباح إقتصادية لدعم الموازنة. يومَها، فتحت هذه التوصية «شهية» كُثر للإستفادة من قطاع جديد، خمّن البعض بأنه سيدرّ أموالاً بالملايين. لكن بالمُقابِل، أبدى كثر مخاوفهم من عواقِب هذه الخطوة، والمُرتبطة بالدرجة الأولى بانعدام الثقة بقدرة الدولة على حصر التشريع بالغايات الطبية، ومن ثمّ استفادة فئة صغيرة ونافذة من التشريع، بدلاً من تعميم الفائدة على البلد بأكمله، وتحديداً منطقة البقاع. ناهيك عن أن ثمة من يعتقد بأن البلاد قبل تشريع «القنب» تحتاج الى تنمية زراعية متطورة ومدروسة، وهو ما تقوم به الدول التي «نحاول استنساخ تجربتها في زراعة القنب»، حيث تدخل هذه الزراعة من ضمن سياسة زراعية متكاملة، وليسَ كاقتراح مرتجل.
لم يكُن عبور الإقتراح سهلاً في اللجنة الفرعية المُكلفة دراسة زراعة القنب، والتي انبثقت عن جلسة اللجان النيابية المشتركة في تشرين الأول 2018. وقد عقدت هذه اللجنة أكثر من سبع عشرة جلسة، إضافة إلى قيامها بورشة عمل حضرها مُعظم النواب والمختصين. وقد خلُصت اللجنة إلى صياغة نهائية بعدَ تعديلات أجرتها وهي كثيرة أبرزها: عدم إنشاء مؤسسة أخرى على غرار «الريجي»، بل تشكيل «الهيئة الناظمة لزراعة نبتة القنب» التي ستنشأ بموجب القانون وتخضع لوصاية رئاسة مجلس الوزراء، بعدَ أن كان فريق يريد جعلها خاضعة لوصاية وزارة الزراعة وآخر لوزارة الصحة.
وتكون الهيئة مسؤولة عن إعطاء الرخص والمراقبة (استيراد البذور والشتول، انشاء مشاتِل القنب، الزرع والحصاد، التصنيع، إنشاء مراكز الأبحاث والمختبرات، التصدير، النقل والتخزين والبيع والتوزيع واستيراد المواد الكيميائية). وهذه التراخيص يُمكن أن تطلبها شركات لبنانية مجازة لصناعة الأدوية من قبل وزارة الصحة العامة، وشركات صناعية مجازة من وزارة الصناعة لصناعة الألياف للإستعمال الصناعي، والتعاونيات الزراعية المُنشأة أصولاً في لبنان، وأي مزارع أو مالك أو مُستأجر لبناني «تتوافر فيه الشروط»، وشركات اجنبية متخصصة بهذا المجال زراعة وصناعة او تخزينا او تصديراً او تسويقاً».
وخضعت مواد اقتراح القانون المتعلقة بالترخيص الى تعديلات كثيرة، إذ باتَ يحقّ للهيئة قبول طلب الترخيص أو رفضه، ويعتبر الطلب مقبولاً في حال عدم البت به خلال ستين يوماً من تاريخ تقديمه. وينتهي العمل بالترخيص بانتهاء مدته المحددة، ويعود للهيئة أن تأذن للورثة بمتابعة النشاط. وعلى الهيئة اتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع الإحتكار والإغراق في السوق. ولحظت اللجنة دعم الجمعيات الأهلية التي تعنى بقضايا المخدرات وتأهيل المدمنين ومساعدتهم على اعادة دمجهم في المجتمع، على أن تضع الشركات المعنية المساهمة المالية السنوية المحددة في صندوق ينشأ خصيصاً للهيئة.
فورَ بدء الجلسة أمس، طلب النائب عن كتلة «الوفاء للمقاومة» حسين الحاج حسن الكلام بالنظام، وأبدى ملاحظاته على الاقتراح، قبل انسحاب الكتلة «لارتباط نوابها بنشاط خارج المجلس» كما قالت مصادر الجلسة. الحاج حسن الذي كانَ مكلفاً من قبل الكتلة بمتابعة مسار هذا الملف في اللجنة الفرعية، طرحَ عدداً من الأسئلة التي ركّزت على «الجدوى الإقتصادية»، لا سيما أنه «لم يسمع أجوبة واضحة من اللجنة الفرعية في ما يتعلّق بمساحة الأرض التي ستزرع وحجم المحصول وكلفة الإنتاج ومبيعه»، والأهم «كوتا» لبنان من هذه الزراعة، خصوصاً أن هناك نسبة محددة لكل بلد شرّع هذه الزراعة. موقِف حزب الله من تشريع زراعة «القنب» كانَ واضحاً منذ بداية طرحه، وقد خرج أمس ليعلن تحفظه على التشريع لأي دواعٍ، فوجهة نظره تختلف عن وجهات نظر الآخرين إذ يعتبر نوابه أن «لا جدوى إقتصادية من هذا التشريع»، خاصة أن «أحداً من النواب المشاركين خلال جلسات اللجنة الفرعية لم يقدم أرقاماً محددة»، كما أن «اقتراح القانون لم يأتِ مرفقاً بأي دراسة».
يُقر النائب عن كتلة «الجمهورية القوية» أنطوان حبشي الذي كانَ قد تقدّم باقتراح قانون معجل «لوضع ضوابط قانونية لتشريع زراعة الحشيشة» بعدم وجود «دراسة محددة بالمعنى الضيق»، لكنه «ينطلق من الواقِع الحالي للتأكيد على جدوى هذا التشريع». ويقول في اتصال مع «الأخبار» إن «المزارعين اليوم هم من يخسرون لأن تصريف بضاعتهم محدود بعدد من التجار الذين يشترون منهم بأسعار بخسة. وفيما يجني المزارع من دونم الحشيشة ما بين 600 أو 700 دولار أميركي، فالأكيد أنه سيجني أكثر من ذلك حين تكون هناك زراعة طبّية وتنوجد شركات خاصة تشتري منه الإنتاج». ويتحدث حبشي عن «دافعَين أساسيين سيجعلان من لبنان وجهة للشركات الكبيرة، يتعلقان بالكلفة والنوعية. ففي كندا على سبيل المثال تصل كلفة إنتاج الغرام الى دولار واحد، وفي دول أوروبا أكثر من نصف دولار، بينما ستكون التكلفة في لبنان ما بين 18 و20 سنتاً. بالإضافة إلى العوامل الطبيعية. فطبيعة المناخ والأرض والتربة في بعلبك – الهرمل تناسب هذا النوع من الإنتاج وتزيد من مستوى جودته، وهذا ما سيجعل لبنان واحداً من الدول المنافسة في الكلفة والإنتاج». وأشار حبشي إلى أنه «منذ بدء التداول بهذا الملف تلقى عدد من نواب اللجنة اتصالات من شركات أميركية وكندية وصينية أبدت اهتمامها بهذا القطاع».
وأبدت مصادر مطلعة على الملف ملاحظات عدة، أشارت من خلالها إلى أن «التشريع لا يلبي حاجة التنمية في منطقة البقاع، لأن حصر الإستعمال بالحاجات الطبية سيؤدي إلى خفض السعر، إذا لم تعُد هناك من قيود على هذه الزراعة». ولفتت المصادر إلى «مشكلتين أساسيتين: الأولى تتعلق بحجم الإستهلاك، إذ إن تشريع الإنتاج يعني تشريع صناعات طبية لن تكون لها سوق كبيرة، وهي ستكون محصورة بجهات محددة تحصل على رخصة مسبقة، أي أنها لن تشمل جميع المزارعين، وبالتالي فإن هذه الزراعة هي حلّ جزئي وليس حلاً متكاملاً. والثانية أن الإستخدام الطبي يعني إنتاج كميات محددة للأدوية المخففة للآلام»، وهذا يقود الى الإستفسار عما إذا كانت هذه الزراعة ستجِد شركات أجنبية تتهافت لاستيرادها، خاصة أن مثل هذه الشركات تضع شروطاً صعبة. فبالإضافة إلى أنها لا تستورد الا الكميات التي تحتاجها، تتأكد قبلَ أي شيء من خلوّها من أي مواد ملوثة. أما في ما يتعلّق باقتراح القانون، وعلى الرغم من «إيجابية» انشاء هيئة ناظمة، لفتت المصادر إلى أن المهم «هو التأكد من آلية التعيين التي يجب أن تخضع لمعايير الكفاءة والمهنية لا المحاصصة السياسية كما جرت العادة». وتجدر الإشارة إلى أن القنّب المستخدم لاغراض طبية يختلف جذرياً عن «الحشيشة» التي تُزرع بهدف الاستهلاك الترفيهي، والتي يحظر القانون زراعتها وتعاطيها كونها من المواد المخدّرة.