كتبت هديل فرفور في “الاخبار”:
سُجّلت، أمس، ثاني إصابة بفيروس «كورونا» في لبنان. هذا الإعلان كان «مُتوقّعاً» في ظلّ «إمكانات» الفيروس الكبيرة على الانتشار، فيما يرى معنيّون أنّ الأسوأ لم يأتِ بعد، وأنّ الخوف الفعلي قد يبدأ بعد أسبوعين، التاريخ المفترض لظهور العوارض بعد انتهاء «حضانة» الفيروس. هذه الخشية يُعزّزها أداء الرقابة والحجر وآلية التعامل مع ركاب الطائرات العائدين من مناطق مصابة، كما يُعزّزها عدم إعلان السلطات، حتى اليوم، إجراءات حاسمة ترتقي الى مستوى الوقاية المطلوبة لتجنّب انتشار الوباء، بدءاً من مساعي تغيير الثقافة المجتمعية عبر التحذير من الاختلاط في المصاعد و«المولات» ودور العبادة، وصولاً إلى تفعيل عمل الطواقم الطبية وتعزيزها.
«نقول للناس لا داعي للهلع، لكننا لا نقول لهم لماذا عليهم ألّا يخافوا. هل عليهم فعلاً ألّا يرتعبوا؟». السؤال طرحه أحد الأطباء الذين شاركوا في ورشة العمل التي نظّمتها نقابة الأطباء في بيروت، أمس، «للبحث في احتمال ازدياد حالات الإصابة بفيروس كورونا ونشر وتبادل المعلومات العلمية المتعلّقة بها»، مُفتتحاً النقاش «الجدّي» المرتبط بجاهزيّة البلاد للتعامل مع الوباء.
النقاشات عكست «الوجه» الخفيّ الذي تحاول السلطات المعنية طمسه وتجاوزه، والذي قد يدعو، فعلياً، إلى الهلع.
فعلى رغم التوافق على المعطيات العلمية التي تؤكّد عدم «خطورة» الفيروس بحدّ ذاته، أي أنه لا يُعدّ وباءً «قاتلاً» أو «فتاكاً»، ذلك أنه «لا يختلف كثيراً عن أي نوع إنفلونزا آخر، ونسبة الشفاء منه تصل إلى 80%»، بحسب نقيب الأطباء في بيروت شرف أبو شرف، إلا أن نسب انتشاره مرتفعة جدّاً، وهنا التحدّي الكبير، وفق المُشاركين. ولأنّ «الوقاية هي السبيل الوحيد لتجنّب الوباء»، وفق ما يجزم هؤلاء، فإنّ مكمن التحدّي يبدأ من هنا.
أمس، أعلنت وزارة الصحة العامة تسجيل «حالة ثانية مُثبتة مخبرياً (…) وهي حالة مرتبطة وبائياً بالحالة الأولى، وكانت في زيارة دينية لإيران دامت سبعة أيام وعادت إلى لبنان بتاريخ 20 شباط 2020 على متن الطائرة نفسها التي كانت على متنها الحالة الأولى». وأضافت الوزارة: «ظهرت الأعراض بتاريخ 24 شباط 2020 وخضعت المريضة للعزل في مستشفى رفيق الحريري الجامعي منذ تاريخه، ووضعها الصحي مستقر حالياً. وسيتم تتبع أفراد عائلتها والمقربين منها يومياً من قبل فريق الوزارة».
الخوف يبدأ بعد أسبوعين؟
الإعلان عن إصابة ثانية يُعدّ «طبيعياً»، ذلك أنّ «الخوف الفعلي سيبدأ بعد أسبوعين حُكماً»، بحسب إحدى الطبيبات التي طرحت تساؤلات حول «مصير» الأشخاص الذين احتكّت بهم المُصابة وكيف تمّ التعامل معهم، فيما تُطرح أسئلة جمّة ترتبط بفعاليّة الحجر المنزلي الذي يُفترض أن يقوم به ركاب الطائرات القادمة من الدول التي تشهد انتشاراً للفيروس.
وتعود فترة الأسبوعين إلى مدة احتضان المرض (بين يوم و14 يوماً وفق منظمة الصحة العالمية)، والتي قد لا تظهر خلالها على المُصاب أيّ عوارض، لكنه قد يكون مُعدياً. كما أن الفحوصات المخبرية خلال هذه الفترة قد تعطي نتائج سلبية، لذلك يُطلب مراقبة المشتبه بإصابته على مدى أسبوعين يخضع خلالهما لفحوصات دورية.
من هنا، فإن «الأداء» الذي سُجّل بالتعامل مع ركاب الطائرة الإيرانية التي كانت الحالتان على متنها، لا يرتقي الى المُستوى المطلوب. فوزارة الصحة أكدت أنها طلبت من هؤلاء التزام الحجر المنزلي وأنها على تواصل معهم. لكن، من يراقب عمليات الحجر؟ وماذا عن التدابير الحازمة التي اتخذت، ويجب اتخاذها، على صعيد التجمعات في «المولات» وفي التنقلات، وفي دور العبادة من أجل فرض مفهوم الوقاية؟
الحديث هنا يرتبط بأبسط الإجراءات، ولا يشمل بعد التدابير الجوهرية المرتبطة بتجهيزات معدّات الوقاية الفردية الطبية (PPE) وبتأهيل الطواقم الطبية وحمايتهم وبخطط طوارئ العزل وغيرها.
نقص الموارد البشرية والطواقم
ففي مداخلتها في الجلسة الثانية للورشة، في غياب «الإعلام»، أقرّت رئيسة الفريق التقني في منظمة الصحة العالمية أليسار راضي، بوضوح، بأن هناك «نقصاً فادحاً في الموارد البشرية في لبنان»، و«أنّ الطواقم الطبية غير مُدربة بالشكل المطلوب»، مُشيرةً إلى أنّ سلامة العاملين في القطاع الطبي والصحي في لبنان «غير ملحوظة».
وهو ما يتوافق وما قاله ممثلون عن نقابة المُمرضين والمُمرضات بشأن ضرورة تأمين «الحماية» لهم بما أنهم «على خط المواجهة الأول مع المرضى والمُشتبه في إصابتهم». اللافت أن ممثلي وزارة الصحة أشاروا إلى نية الوزارة تنظيم ورشات تدريبية للفرق والطواقم الطبية، «فيما المطلوب أن تكون هناك هيئة لإدارة كوارث وبائية مؤهلة وحاضرة استباقاً لأيّ أزمة مماثلة»، وفق ما ردّ أحد رؤساء اللجان الطبية في النقابة.
المُفارقة أن راضي قالت، بوضوح أيضاً، إن كل المُستشفيات في لبنان تفتقر إلى «خطط طوارئ تتعلق بالعزل عند استقبال حالات مماثلة»، ما يطرح مخاوف ترتبط بسلامة العاملين في القطاعين الصحي والطبي، كما يُناقض تأكيدات رئيس نقابة المُستشفيات الخاصة سليمان هارون عن «جاهزية الطواقم الطبية» في هذه المُستشفيات، محمّلاً المُشكلة الى «هندسة المُستشفيات الخاصة التي تحول دون إمكانية تخصيص طوابق للعزل»!
12 حالة في الحجر الصحي
التقرير اليومي الذي يصدره مستشفى رفيق الحريري الجامعي، أوضح أمس أن المستشفى استقبل خلال الساعات الـ 24 الماضية، 36 حالة في قسم الطوارئ المخصص لاستقبال الحالات المشتبه في إصابتها بفيروس كورونا المستجد، «خضعوا جميعهم للكشوفات الطبية اللازمة، واحتاج سبعة منهم إلى دخول الحجر الصحي استناداً إلى تقويم الطبيب المراقب، فيما يلتزم الباقون الحجر المنزلي». وأوضح أنه أجريت فحوصات مخبرية لـ 22 حالة،«وجاءت نتيجة 21 حالة سلبية، ما عدا حالة واحدة جاءت نتيجتها إيجابية»، مُشيراً إلى خروج حالتين «كانتا في منطقة الحجر الصحي، بعد توصيتهما بالإقامة تحت منطقة الحجر الصحي المنزلي لمدة 14 يوماً، وتمّ تزويدهما بكل الإرشادات وسبل الوقاية اللازمة وفقاً لتوجيهات منظمة الصحة العالمية، وذلك بعدما أجري لهما فحص فيروس كورونا المستجدّ مرتين في مختبرات مستشفى رفيق الحريري الجامعي، وقد جاءت النتيجة سلبية في المرتين». وختم التقرير بأنه «يوجد حتى اللحظة 12 حالة في الحجر الصحي، علماً بأن نتائج المختبر للفحوصات التي أجريت لهؤلاء أتت سلبية»، لافتاً إلى «أنّ هناك حالتين مصابتين بفيروس الكورونا المستجدّ في وحدة العزل، وهما في حالة مستقرة وتتلقّيان العلاج اللازم».
المُسنّون وأصحاب الأمراض المزمنة أولاً
لفتت رئيسة لجنة طب الشيخوخة في نقابة الأطباء في بيروت، ريتا حايك، في مداخلتها في ورشة العمل، أمس، إلى أهمية التنبّه الى اتخاذ الإجراءات الضرورية لمُضاعفة حماية دور المُسنّين، «وهم أكثر تأثّراً وعرضةً للخطر، لأن إصابتهم تعني حُكماً توزّعهم على غرف العنايات الفائقة بشكل لا يمكن معه استقبال حالات خطيرة أخرى. وهنا نغدو أمام خطر مضاعف».