كتب سعيد مالك في صحيفة “الجمهورية”:
بتاريخ العشرين من الشهر الجاري، صدر في الجريدة الرسمية (عدد /8/) قرار حمل الرقم 11 / 2020 تاريخ 12/2/2020، صادر عن رئاسة مجلس الوزراء، وموقّع من قبل رئيس مجلس الوزراء «الرئيس حسّان دياب»، وقضى بتفويض دائم من رئيس الحكومة إلى مدير عام رئاسة الجمهورية السيّد «أنطوان شقير» برزمة من المهام المنوطة أساساً برئيس مجلس الوزراء، وبتوقيع بعض المعاملات… كذا…
إعتبر العديد من أهل الاختصاص، أنّ هذا القرار هو بمثابة تنازل من قبل رئيس الحكومة عن حقوق الطائفة.
واعتبر فريق آخر، أنّ هذا القرار لا يتعدّى كونه إجراء روتينياً، دَرَجَ عليه رؤساء الحكومات السابقين، تسييراً لأعمال الإدارة، لا أكثر ولا أقلّ.
وللتوصيف الحقيقي للقرار، يقتضي التبحُّر في حيثيّاته، لمعرفة وتقييم الصلاحيات، والمَنوطة أصلاً برئيس الحكومة، والمفوّضة راهناً إلى مدير عام رئاسة الجمهورية.
من الثابت أنّ التفويض المذكور شَمَلَ صلاحيات نقل الإعتمادات، وتوقيع قرارات إعطاء المكافآت النقدية وتعويضات العمل الإضافي، وعقد الإتفاقات الرضائية، وتجزئة الصفقات، ومَنْح الإجازات من دون راتب والإجازات المَرَضيّة، والاستيداع، وفرض العقوبات المَسْلَكية، وتوقيع المُطالعات المُتّصلة بالاستدعاءات والمُراجعات القضائية، وإتلاف المواد والموجودات، وتوقيع قرارات الترخيص بالتدريس خارج أوقات الدوام الرسمي.
وبالتالي، لا شكّ أنّ الصلاحيات، والمومَأ إليها أعلاه، هي صلاحيات واسعة وغير محددة ومحصورة بالزمان والمكان.
صحيح أنّ رؤساء الحكومات السابقين دَرَجوا على تفويض هذه الصلاحيات إلى مدير عام القصر، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ العُرف لا يُمكن أن يُشكّل قاعدة ثابتة وراسخة.
وبالعودة إلى أحكام المادة /64/ من الدستور، فإنّ رئيس مجلس الوزراء يُتابع أعمال الإدارات والمؤسسات العامة (الفقرة السابعة). كذلك نصّت المادة /65/ من الدستور أنّ السُلطة الإجرائية مُناطة بمجلس الوزراء، حيث يَسْهَر على تنفيذ القوانين والأنظمة، ويُشرِف على أعمال كلّ أجهزة الدولة من إدارات ومؤسسات مدنية وعسكرية وأمنيّة بلا استثناء (الفقرة الثانية)… كذا من الصلاحيات…
وثابت، واستناداً إلى أحكام الدستور، أنه لم ينُصّ مُطلَقاً على إمكانية تفويض رئيس مجلس الوزراء صلاحياته لأي مَرجع كان، ولأي سبب كان.
وبالتالي، فالصلاحيات المُناطة برئيس الحكومة هي صلاحيات محفوظة دستوراً له، فلا يحقّ له التنازل عنها أو تفويضها، كون ذلك يؤثّر على توازن السُلطات وتعاونها.
أمّا القَول إنّ الصلاحيات موضوع التفويض محصورة وغير شاملة، فإننا نرى أنّها صلاحيات واسعة وغير محصورة ومحدودة.
وبالتالي، ولو كان العُرْف قد دَرَجَ على ذلك، فلا يُعْقَل أن نستمرّ في الخطأ بحجّة العُرْف، إنما يقتضي الإقلاع عن ذلك لعلّة وضوح النصّ.
واستطراداً،
ولو أراد رئيس الحكومة تفويض بعض صلاحياته إلى مرجع آخر، تسييراً لأعمال الإدارة، فلماذا لا يكون هذا التفويض لنائب رئيس مجلس الوزراء، علماً انّ هذا المَنصِب بات راهناً من «الإتفاقات الدستورية» (Les conventions de la constition) والتي تختلف عن العُرف، في أنّها باتت لازمة سياسية لا دستورية.
علماً أنه سَبَقَ وعُهِدَ، ومنذ تاريخ الإستقلال وحتى الأمس القريب، بمهام رئيس مجلس الوزراء إلى نائب الرئيس في أحيان مختلفة وظروف متنوّعة، حتى إلى وزراء في الحكومة، فلماذا اليوم التفويض يُمْنَح إلى مدير عام القصر، عوض نائب رئيس الحكومة أو أي وزير في الحكومة ؟؟؟.
وبالخُلاصة،
لا شكّ أنّ القرار، والمنوّه عنه آنفاً، قد جاء مُخالفاً للدستور وأحكام القانون.
ولا شكّ أنّ هذا القرار لم يَكُنْ قراراً يتيماً، إنما جاء في مسار قرارات مُشابهة سابقة.
لكن العُرْف لا يمكن أن يُشكِّل قاعدة.
وإن كان لا بدّ من التفويض فَليَكُن مُستقبلاً إلى نائب رئيس الحكومة، وإلّا إلى وزير في الحكومة.
أمّا وأن تُجيَّر صلاحيات دستورية إلى مرجع آخر، فهذا غير جائز، ومخالف لأبسط القواعد الدستورية والقانونية.