احتفلت نقابة المحامين في بيروت وبدعوة من نقيبها ملحم خلف وأعضاء النقابة بانتساب متدرجين من المحامين إلى جدول النقابة، في قاعة “الخطى الضائعة” في قصر عدل بيروت، بحضور رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي الياس، رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، نقيب المحامين ملحم خلف، قضاة ومحامين وأهالي طالبي الانتساب إلى النقابة.
وألقى خلف كلمة قال فيها: “اليوم، يوم فرح وعز، لن أرهقكم بالمواعظ -وربما هي إحدى مساوئي- لكن من واجبي أن ألفتكم أنه، في هذه اللحظة التاريخية السنية التي تنذرون فيها حياتكم لحمل رسالة المحاماة، عليكم أن تدركوا: المسؤولية الجلى التي تتحملون، وفي الوقت عينه، المجد العظيم الذي أعطيتم، والشعور بالإباء والشموخ الذي ينالكم، والتاريخ الأثيل الذي تنضوون إليه. قسم اليمين ليس وثيقة مرور إلى وظيفة أو منبر أو مرافعة، بل هو مسؤولية ورسالة، هو أمانة على قيم، هو تعهد ووعد، هو صدق، صدق مع الذات والآخرين، هو انتقال من مكان إلى مكان، من موقع إلى موقع، من معركة إلى معركة. فاليوم ابتدأت معركتكم الحقيقية، في مصارعة الظلم والتخلف، في مواجهة المساومة والفساد، وفي التطلع إلى بناء لبنان العدالة والقيم والحق”.
وأضاف: “كل ذلك، يحتم عليكم أن تعرفوا واجباتكم تجاه أنفسكم وتجاه من يلجأ إليكم وتجاه النقابة والمجتمع والوطن وأختصرها بعشر لعلها تكون وصايا العشر في حياتكم المهنية: قوموا بما يمليه الضمير والوجدان الصحيح في أداء واجب المهنة قولا وفعلا وحافظوا على قيمة الشرف في كل خطوة وعمل، كونوا شجعانًا في إحقاق حقوق المستضعفين والمسحوقين، فهم بحاجة الى من يعطيهم القوة والأمل والرجاء، ولا تخافوا من قول كلمة الحق في وجه الأقوياء والمتسلطين، لكن إياكم الغرور، نعم إياكم الغرور، إنما تمتعوا بكبر يهزأ من الكبرياء، صونوا أنفسكم عن قول كلمة الباطل وابتعدوا كل البعد عن الشخصنة وترفعوا عن التخاطب بلغة الحقد والكراهية أينما حللتم، وتذكروا دائما أن: جراحات السنان لها التئام ولا يلتام ما جرح اللسان، كونوا أحرارًا في أقوالكم والأهم كونوا أحرارا في امتناعكم عما لا يجب قوله، بخاصة، عن إفشاء أسرار المهنة، كونوا محامين! أو لا تكونوا! لأن فرادة وعزة مهنة المحاماة لا تتواءمان مع ما عداها، أصروا على المرافعة في قضاياكم على أقواس المحاكم، وهذا من أفضل ما يقوم به المحامي في الدفاع عن موكله وحقوقه، توكلوا مجانا عن الناس الأكثر عوزا، ولا تخجلوا بذلك، لأن هذا من أسس رسالتنا ومصدر فخر لنا، وأسمى عمل تقومون به يكون عند إغاثة فقير أصيب من الدهر مرتين، مرة بفقره ومرة بهدر حقه. أحبوا نقابتكم – المؤسسة وليكن هيامكم بها حتى الثمالة، واعملوا تحت جناحيها، فهي الأم، تتمسكون بها، تلجأون إليها، تتكئون عليها، في كل حين، واحترموا تقاليدها وأنظمتها وآدابها، وتقيدوا بتوجيهات وإرشادات المنتخبين فيها من نقباء وأعضاء مجلس النقابة، لكن حذار، أن يتحول ذلك الى تبعية لأي شخص مهما علا شأنه داخل هذه النقابة، وأنا واحدهم. وإني في هذا المجال على ما قاله الخليفة عمر: “إذا رأيتم في اعوجاجا فقوموه بحد سيوفكم. ثابروا على احترام القضاء والقضاة، لكن حذار أن ينقلب هذا الإحترام الواجب من قبلكم خنوعا وزلفى، فالمحاماة ما وجدت إلا عالية الجبين عزيزة، تحترم القضاء في كل حال وكل حين مهما قست الظروف ومهما تلاشى احترام الآخرين لكم. حذار القساوة والحقد فهؤلاء إخوة لنا والأخوة تفرض المحبة وتنبذ البغضاء. فكونوا المثل والمثال. وتذكروا أنه: لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ولا ينال العلى من طبعه الغضب وأكدوا في كل حين أن المحاماة ليست لذاتها، بل إنها لأفرادها ولكل الناس، بالتالي فهي للوطن، فليكن الوطن موكلكم الأول”.
وقال: “أحبائي، أن تقرروا دخول المهنة في هذا الظرف العصيب من عمر الوطن، فهذا يزيدني تقديرًا وإعجابًا بكل فرد منكم، لقد اخترتم، بدلا من الهجرة، الصمود في أرض هذا البلد بوجه كل أنواع الأعاصير. إعلموا أن النقابة التي تنتسبون إليها، أسسها المحامون الأولون سنة 1919 وهم ممن أسسوا لقيام لبنان الكبير سنة 1920! إعلموا أن التاريخ يعيد نفسه اليوم معكم، وأنتم الدورة الأولى لمئوية النقابة الثانية! إعلموا أن صناعة التاريخ ليست صدفة أو حظا أو خطأ أو أمرا مرهونا بالقدر! إعلموا أن الرجال -وهم أنتم اليوم- رجالا ونساء، وحدهم يصنعون التاريخ! فأي لبنان جديد ستصنعون؟ إنكم أنتم الأمل والرجاء والمستقبل، وبكم الإنقاذ”.
وتابع: “أيها الأصدقاء، أستوقفكم لحظة، قبل أن أكمل رسالتي إليكم، لأحيي مجلس القضاء الأعلى، رئيسا وأعضاء، وأسمح لنفسي أن أقول لحضرة الرئيس الأول سهيل عبود: لن أكون إلا معك وبجانبك في معركة القضاء المستقل القوي. نجاحك في التحدي، نجاح لكل قاض ومحام ورجل قانون. يشرفني أن نلتقي معًا، ونعمل معا، للانتصار على “فيروس” الطائفية والمحاصصة والإستزلام والتسلط. وتستطيع يا حضرة الرئيس الأول، أن تعقد على عقول وقلوب وسواعد وحناجر هؤلاء الشباب والشابات الذين يعتبرون ساحة المحاماة بعضا من ساحة الشهداء والكرامة والحرية. إنهم أهل لهذه المعركة، ونقابة المحامين لها، ونحن لها”.
وأردف: “أعزائي، يا شباب وشابات لبنان، كلكم، دعوني أصارحكم، معظم متولي الشأن العام في وطننا ليسوا بأبرياء مما نحن عليه. يشبعوننا كلاما عن إعادة تكوين السلطات والعبور الى الدولة، كل يوم، يبشروننا بهذه المثل وهم يخربون السلطات، كل يوم، يهددوننا بالإنهيار الوشيك في ما نحن أصبحنا في القعر، كل يوم، يدفنون الديموقراطية ويمنعون بأفعالهم قيام الدولة ويكادون يعلنون وفاتها، كل يوم، ينكلون بالميثاق ويحتمون بالطوائف، كل يوم، يشكلون خليات أزمات غير مجدية، كل يوم، يدعون الى لقاءات واجتماعات صاخبة مملة فارغة من أي إنتاجية، كل يوم، يختلفون على المغانم فيما يرزح شعب بأكمله تحت وطأة الخطر والأزمة والمرض والنفايات والديون، كل يوم”.
وختم: “سلبوا منا كل شيء لكنهم لن يستطيعوا مصادرة أحلامكم التي قررتم تحقيقها على أرض هذا الوطن. لا تدعوهم يستبيحوا حقكم في الحياة الكريمة، في دولة ترعى أموركم كما هي حال الشعوب المستحقة للحياة! لا تسمحوا للفساد أن ينتصر! لا ترضوا للحق أن ينكسر! لا تصبروا على أفعالهم! لا تخافوا من سلطانهم! لا تقبلوا بالأمر الواقع! لا تصمتوا بوجههم مستسلمين! لا تخشوا بأن تسألوهم بصوت مدو: ألم يحن وقت الحساب؟ أنتم أمل لبنان، أنتم الضوء الذي يمحو العتمة. لا خوف عليكم، لا خوف منكم، طاقاتكم الهائلة تكفي لإعادة بناء الوطن. حان وقت المواطنة الصالحة على حجم لبنان وعلى حجم الإنسان فيه. نقابة المحامين معكم. ابنوا دولة ساستها من أصحاب المواهب لا من هواة المناصب، رجال ونساء إبداع لا رجال ونساء أتباع. اختاروا رؤساء يقودون ولا يقادون. اختاروا قيادات تلتزم حب لبنان ولا تستزلم ولا تلزم. ناضلوا للوطن!… ناضلوا للحق!… ولا شيء غير الحق والوطن!”.