كتب خالد أبو شقرا في صحيفة “نداء الوطن”:
طرحت زيارة صندوق النقد الدولي إلى لبنان أسئلة عمّا يجري في الكواليس الحكومية المعتمة، أكثر بكثير مما قدّمت إجابات عن كيفية إدارة الأزمة الإقتصادية وخطط الخروج منها. عزّز هذا الإنطباع بيان مقتضب جداً أدلى به مدير إدارة الاتصالات والمتحدّث الرسمي باسم “الصندوق” جيري رايس.
المُلفت في البيان المختصر الذي نُشر على موقع “الصندوق” الرسمي بتاريخ 25 شباط، أمران: واحد شكلي وآخر بنيوي.
فمن حيث الشكل لم يذكر البيان الأسماء الأولى للشخصيات الرسمية التي التقاها فريقه. أما في المضمون، فقد وردت جملة واحدة تختصر كل الزيارة وهي أن “موظفي الصندوق جاهزون لتقديم المزيد من المشورة الفنية للحكومة أثناء صياغتها لخطط الإصلاح الاقتصادي”. عبارة إن دلّت على شيء فهي تدل على ان الحكومة لم تضع بعد خطة إقتصادية أو تصوّراً لحل الأزمة المتفاقمة، وأولها مسألة تسديد الديون الخارجية. وما استدعاء الصندوق سوى لحفظ ماء الوجه أمام المنتقدين في الداخل والخارج والإيحاء بالعمل الجاد، فيما الواقع هو إمعانهم في تضييع الوقت، مستفيدين من فرصة الـ” 100 يوم وأكثر” التي أعطاها إياهم فريقهم السياسي.
لا خطة بعد
إن كانت الحكومة لا تدرك أن صندوق النقد الدولي لا يضع خطط الإنقاذ حرفياً فمصيبة، وإن كانت تدرك واستدعته قبل أن تنجز شيئاً جدياً فالمصيبة أكبر. فما يؤخذ على هذه الحكومة بطء ردّ فعلها تجاه الأزمة منذ التكليف وصياغة البيان الوزاري وصولاً حتى اليوم. فبدلاً من اقتصار المراحل غير المجدية والاستعانة سريعاً بالخبرات الدولية، انتظر مجلس الوزراء انتهاء زيارة ثمينة من صندوق النقد لتعيين استشاري مالي Lazard وقانوني Cleary Goottlieb، لتحصين وتحسين خططه تجاه الدائنين الدوليين.
على الرغم من إيجابيات الاستعانة بالخبرات الدولية، ينقل النائب مروان حمادة عن بعض من التقى وفد “الصندوق” انطباع الأخير بأن “الفريق اللبناني لم يبث شعوراً إيجابياً بأنه قادر على اتخاذ القرار أو حتى صياغته تقنياً حتى في ظل وجود المستشارين الدوليين في المال والقانون. وإن حدث ونجح الفريق اللبناني تقنياً، فإن القرار السياسي بالتعاطي مع الصندوق وباقي الشركاء الدوليين ومجموعة الدعم في “سيدر” ليست بيد حكومة دياب ولا حتى رئيسها (حسان دياب)”.
هذه الحكومة “المكلّفة” إنقاذ البلد والتي انطلقت بجو غير مشجع إنما غير معاد، “بدأت اليوم بتصرفاتها وأفعالها تفقد تدريجياً ما سُمّي بفترة السماح لها”، يقول حمادة. وبرأيه فإن “آخر دليلين على ذلك هما البيان المقتضب للصندوق الذي يؤجّل كل القرارات المحتملة الى طلب واضح من لبنان مقرون بمشروع مفصل للنهوض الاقتصادي والمالي، وما صدر عن رئيس الحكومة من ملامة للحقبة الحريرية وتحميلها كامل المسؤولية عن الإنهيار الذي وصله البلد”.
غياب الشفافية
التعمية على الحقائق والأرقام هي أخطر الأسلحة التي تستخدمها هذه السلطة مع الرأي العام الداخلي والوفود الأجنبية، التي يظهر ان استدعاءها هو مجرد “رفع عتب”، من أجل كسب المزيد من الوقت والاستمرار في السياسات غير المجدية من دون تقديم الحلول المفيدة.
“لا حلّ للخروج من هذه المأساة التي نعيشها اليوم إلا من خلال الشفافية التامة واتباع الحوكمة الاعلامية في التعاطي مع المواطن اللبناني والمجتمع الدولي”، يعلق وزير الاقتصاد السابق ألان حكيم.
ومن وجهة نظره فإن “الحل يبدأ أولاً بتحديد خياراتنا صراحة ومن دون مواربة، ومن ثم التوجه إلى صندوق النقد الدولي الذي عادة ما يكون حاضراً للمساعدة التقنية والمالية”.
لغاية اليوم لم تنجز الحكومة خطة شاملة على الصعيد الوطني مع الجهات المالية الدولية ولم تتخذ التدابير المباشرة والاستثنائية على صعيد الحياة اليومية للمواطن. ففي الوقت الذي يعدّ فيه المواطنون الأيام للوصول الى حل ما، تستهلك الحكومة الأسابيع والأشهر من دون اتخاذ أبسط الخطوات العملية الآنية، التي تسهل وتخفف العبء عن المواطنين والتي لا تتطلب الأفكار العبقرية أو الأموال الوفيرة أو حتى الدعم الدولي الخارجي، ومن هذه الخطوات بحسب حكيم: “توحيد المعايير المصرفية على جميع المصارف. التوصل الى حلول عملية مع النقابات المختصة لمعالجة الأزمات المعيشية مثل أزمة رغيف الخبز وغيرها الكثير”. ليس هناك من مبادرة واحدة اتخذتها هذه الحكومة استطاعت وقف النزيف اليومي، وهي لن تستطيع طلب مساعدة الجهات الدولية طالما يرفض “حزب الله” أي تدخل جدي وفعال لـ “أدوات الاستكبار”. الرفض القاطع ليس نابعاً من أهداف سياسية بقدر ما هو لاستمرار منظومة الفساد وحماية شبكة المصالح التي تتمثل في التهريب عبر المعابر الحدودية وانشاء منظومة اقتصادية خاصة.