كتب إيلي الفرزلي في صحيفة “الأخبار”:
لا تزال الشركات التي تقدّمت بعروض لإنشاء محطات تغويز تنتظر مصيرها. منذ تموز الماضي، أُعلنت النتائج، لكن مجلس الوزراء لم يقرّها ولم يقرّ غيرها. خسائر بملايين الدولارات تتكبّدها الخزينة مع كل يوم تأخير في اعتماد الغاز بدلاً من الفيول لتشغيل معامل الكهرباء. وها هي الحكومة الجديدة تبدأ رحلتها مع الملف. أولى الخطوات طلب وزير الطاقة استرداده للتفاوض مجدداً مع الشركات
يعود إلى مجلس الوزراء ملف محطات الغاز (FSRU) المخصصة لتحويل الغاز المسال المستورد بحراً إلى غاز يُستخدم في معامل إنتاج الكهرباء. هو البند الأول في جلسة اليوم، التي تضم تسعة بنود فقط. لا قرارات ستتخذ بشأنه ولا سيعلن المجلس اسم فائز في المناقصة التي فضّت عروضها الفنية في 12/4/2019 (بعد خمسة أشهر من تقديم العروض)، وفضّت عروضها المالية في 2/7/2019. المطلوب المزيد من هدر الوقت، إذ يقترح وزير الطاقة إعادة الملف إلى الوزارة، مع تكليفه «التفاوض النهائي مع العارضين الأوفر حظاً»، وفق ما بيّنته نتائج فضّ العروض التي قام بها الاستشاري، على أن يعود وزير الطاقة في أسرع وقت ممكن ويعرض على مجلس الوزراء النتيجة النهائية التي وصل إليها لاتخاذ القرار المناسب.
قد يكون التفاوض مع الشركات ضرورياً لحسم مسألة السعر والمُهل (مُدّدت صلاحية العروض المقدمة من الشركات أكثر مرة، وتنتهي صلاحية التمديد الأخير في 14/5/2020)، لكن قبل ذلك المطلوب قرار حكومي واضح يحدد الأولويات، أو بشكل أدق يحسم عدد المحطات بشكل علمي لا سياسي. هل يتم التمسك بما ورد في دفتر الشروط السابق، لناحية استقدام ثلاث محطات إلى البداوي وسلعاتا والزهراني، بما يراعي التوازن المناطقي والطائفي، أم يتم الأخذ بالآراء التقنية التي تؤكد أن الحل الأمثل هو في استقدام محطة أو اثنتين في الحد الأقصى؟ الانهيار النقدي والمالي زاد من ضرورة إعلاء شأن المصلحة العامة على حساب المصالح الطائفية. ولذلك، يصعب على كثر تخيّل الإصرار على محطة سلعاتا (تكلفتها نحو 250 مليون دولار)، على سبيل المثال، لمجرد أنها تُرضي «التيار الوطني الحر».
بحسب المعلومات المتداولة، فإنّ الرئيس حسان دياب يصرّ على الاكتفاء بمحطّتين فقط، فيما لم يتّضح إلى أيّ مدى سيذهب التيار الوطني الحر في إصراره على محطة سلعاتا.
كل هذا النقاش، طرح في الحكومة الماضية، لكن لم يتم التوصل إلى أي نتيجة. الخلاف كان نفسه: محطة تغويز أم اثنتان أم ثلاث؟ أي خيار يُتّخذ يمكن أن يغيّر اسم الفائز في المناقصة. للتذكير، فإن دفتر الشروط كان قد أعطى الشركات الحق في تقديم عروضها لإنشاء محطة أو اثنتين أو ثلاث، مع ترتيب أسعار العروض، عبر إعطاء الأفضلية للعروض المقدّمة لإنشاء المحطات الثلاث معاً (تحالف واحد يبني المحطات الثلاث)، ومن ثم ترتيب الأسعار المقدّمة بما يلبي هذا الهدف بصرف النظر عن عدد الشركات (إذا تقدمت شركة لإنشاء إحدى المحطات لا يحتسب عرضها مستقلاً، بل يُدمج مع عرض آخر أو اثنين، ويؤخذ السعر الإجمالي لإنشاء المحطات الثلاث).
وفق هذا التوزيع، قدّم تحالف قطر بتروليوم (الشركة الوطنية القطرية للنفط) وإيني (شركة إيطالية عضو في التحالف الذي وقّعت معه الدولة اللبنانية عقداً لاستخراج الغاز) السعر الأفضل لإنشاء المحطات الثلاث معاً، إذ بلغت قيمة العرض 13.512 مليار دولار على عشر سنوات (سعر مبيع الغاز للدولة اللبنانية خلال عشر سنوات، شاملاً كلفة إنشاء المحطات). وحلّ تحالف «توتال (عضو في التحالف العامل على استخراج الغاز في لبنان)، هوغ (Hoegh) وكيلها شركة pesco لصاحبها نديم صيقلي و«دبانة غروب» ثانياً، مقدماً عرضاً بقيمة 13.885 مليار دولار. وفي المرتبة الثالثة، جُمع عرض تحالفي «بي دبليو BW (شركة ماليزية تشغّل محطة غاز في مصر)، فيتول Vitol (شركة مورّدة للغاز ويمثّلها روني راشد في لبنان) بوتاك Butec (يملكها نزار يونس)، المباني (يملكها النائب نعمة طعمة)، روزنفط Roseneft (شركة روسية لتوريد الغاز المسال) مع عرض شركة بتروناس الماليزية، فكانت القيمة الإجمالية للعرضين 13.940 مليار دولار.
محطة سلعاتا: خلاف مستمر بشأن جدواها
هذا يعني عملياً أنه في حال قررت الحكومة السير بتلزيم المحطات الثلاث معاً، فإن تحالف قطر «بتروليوم» و«إيني» سيكون الفائز بالعقد. أما إذا ارتأت الحكومة تعديل طلبها وإسقاط محطة سلعاتا من حسابها، فإن الخيارات ستتوسّع، لأنها المحطة التي حظيت بأقل اهتمام وأقل عدد من العروض. وعليه، فإن إسقاط محطة سلعاتا من الخيارات سيفتح الباب أمام زيادة عدد العروض المتنافسة، ويسمح بعودة كل العروض الستة التي تقدمت إلى المناقصة.
لكن مطّلعين على الملف يؤكدون أنه إذا كان خيار سلعاتا غير قابل للتسويق تقنياً ومالياً، فإن خيار المحطتين أيضاً ليس خياراً تقنياً محسوماً. فبلد بحجم لبنان ليس بحاجة إلى أكثر من محطة تغويز واحدة، يمكن أن توضع في الشمال أو في الجنوب (ثمة إجماع على أن وجودها في البداوي هو أكثر فعالية وأقل تكلفة)، ومنها يمكن نقل الغاز بالمراكب المجهزة إلى معامل الكهرباء، علماً بأن عملية النقل لا تكلّف أكثر من 0.2 دولار لكل مليون «بي تي يو»، ما يعدّ مبلغاً زهيداً بالمقارنة مع تركيب محطة كاملة في كل منطقة. كذلك فإن الاكتفاء بمحطة واحدة، يأخذ بعين الاعتبار إمكانية البدء باستخراج الغاز من البحر اللبناني، فإن حصل ذلك بعد خمس سنوات على سبيل المثال، فما جدوى بقاء محطتين للتغويز لخمس سنوات إضافية (مدة العقد 10 سنوات)؟
إما إذا كان الهدف هو الإنماء المتوازن، كتعبير ملطف للتحاصص الطائفي، فليكن عندها البديل بإنشاء محطة تغويز في الشمال ومصفاة نفط في الجنوب، أو العكس. وأكثر من ذلك، هنالك من يدعو إلى التغاضي عن المناقصة كلياً، واستبدال خيار محطات التغويز بخيار متطور هو خيار CNG، أي استقدام الغاز المضغوط في البواخر من مصر (عرض المصريون هذا الاقتراح على أكثر من مسؤول).
واحد من الاحتمالات المطروحة حالياً، هو إرساء المناقصة على القطريين، أصحاب العرض الأفضل لإنشاء المحطات الثلاث، على أن يتم الاتفاق معهم على البدء بمحطتَي البداوي والزهراني، بما يؤدي عملياً إلى إقصاء خيار محطة سلعاتا لاحقاً، بحجة عدم وجود معمل الكهرباء في المنطقة. وإذا صح ما يتردّد عن أن ثمّة من يريد إبعاد شركة «بي بي إنرجي» (لآل البساتنة أصحاب شركة هيبكو لتوزيع المحروقات) عن المناقصة، فاعتماد خيار بناء المحطات الثلاث معاً يضع تحالف اكسيليريت وبي بي انرجي وشل في المركز الرابع لناحية أفضل سعر (بعد جمع عرضه لإنشاء محطة الزهراني مع عرض بي دبليو لإنشاء محطتَي البداوي وسلعاتا معاً)، في حين أن التحرر من خيار جمع المحطات يعطي الأفضلية لتحالف «اكسيليريت» الذي قدّم السعر الافضل لبناء محطة في البداوي أو في الزهراني.
أين أعضاء هيئة البترول؟
كان لافتاً، في حفل إطلاق عمل الباخرة Tungsten Explorer التابعة لشركة «توتال»، غياب أعضاء هيئة إدارة البترول، الذين لم يحضر منهم سوى رئيس الهيئة وليد نصر المحسوب من حصة التيار الوطني الحر. وقد تبيّن أن دوائر القصر الجمهوري هي التي رفضت طلب حضور الأعضاء الخمسة الباقين، بالرغم من أنهم عملوا على الملف لسنوات طويلة. وهو ما اعتبره البعض رغبة عونية في تثبيت فكرة أن ملف النفط هو إنجاز عوني.