كتب عبد الفتاح خطاب في صحيفة “اللواء”:
منطقة نهر الكلب هي منطقة تاريخية وأثرية، تحوي سفوح الجبال على ضفتيها اثنين وعشرين نصباً تشهد على القادة والأمم التي مرت أو حكمت الساحل الشرقي للمتوسط، منها نقوش أقامها نبوخذ نصر، وآثار للملوك الكلدانيين والآشوريين وملوك بابل، ونقوش للفرعون رعمسيس الثاني، والملك الآشوري أسرحدون، والامبراطور اليوناني كركلا، والحاكم البيزنطي بروكولس، والسلطان المملوكي برقوق، والامبراطور نابوليون الثالث، والسلطان عبد الحميد خان الثاني، والجنرال غورو، وغيرهم.
كما أن هناك لوحات رخامية باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية نقشت عام 1946 تيمناً بعيد الاستقلال الوطني اللبناني.
وقد قامت لجنة مهندسين من «التيار الوطني الحر» بتحضير مشروع لبناء المقر العام للتيار الوطني الحر، في موقع مقابل لوحة الاستقلال في نهر الكلب، يُشرف على الاوتوستراد الذي يربط بيروت بجونية. ووفقاً لمصادر التيار «سيكون هذا المقر بناء حديث فريد من نوعه سيترك بصمة ونقلة نوعية». والتوقعات المبدئية ان تصل تكلفة الانشاءات والتجهيزات الى 15 مليون دولاراً.
المشروع يُقام على عقار مساحته 13.750 ألف متر مربع تملكه الرهبنة البلدية المارونية (العقار 98 زوق الخراب ملك وقف دير مار يوسف البرج)، ويتألف من ثلاث بلوكات، كل منها ثلاث طبقات بارتفاع 13.5 متراً، ويُقال أن مديرية الآثار وافقت على طبقتين فقط. أما المساحة الاجمالية المبنية للمشروع فقد تم تعديلها في الترخيص من 20128.6 متر مربع الى 22852.5 متراً مربعاً! وعلماً أيضاً، ان المجلس الأعلى للتنظيم المدني وافق على الترخيص لمجمع ثقافي ترفيهي وليس لمقر عام لحزب سياسي!
تقول مصادر «التيار الوطني الحر» انها استحصلت على كل الرخص اللازمة من وزارة الثقافة، ووزارة البيئة، ووزارة السياحة، بالإضافة إلى المجلس الأعلى للتنظيم المدني، ونقابة المهندسين، واتحاد بلديات المتن. للتذكير، في حينها كان غطاس خوري وزيراً للثقافة (تيار المستقبل)، وطارق الخطيب وزيراً للبيئة (تيار وطني حر)، وأواديس كدنيان وزيراً للسياحة (الطاشناق)!
ولقد احتفل «التيار الوطني الحر» بذكرى 7 آب 2001 عبر وضع الحجر الأساس للمقر العام بتاريخ 7 آب 2019. وألقى رئيس التيار الوزير جبران باسيل كلمة قال فيها: «نحن نبني صرحاً وطنياً ليكون نموذجاً للعمل السياسي. وسيكون هناك نصب للحقيقة في بيت التيار، لأن الحقيقة تحررنا وهي أعلى قيمة في حياتنا العامة».
وأشارت بعض المواقع الإخبارية الالكترونية، أن أحد البلوكات الثلاث سيحتضن تمثالاً للرئيس ميشال عون.
الموقع محميّ بقرار وزارة البيئة الرقم 97/1 الصادر في 2/7/1998، الذي يمنع البناء من المنبع وحتى المصب طولاً وضمن مسافة 500 متراً من منتصف مجرى النهر وباتجاه الضفتين عرضاً (المادة 2).
توالت الاعتراضات على المشروع، وكان آخرها تجمع بتاريخ 23/2/2020 احتجاجاً على تشييد المقر العام للتيار، لأن الأعمال تبعد اقل من 40 متراً عن الآثار. واعتبر المشاركون أن أعمال التفجير وحفر أساسات المقر ثم تشييده سوف يؤثران سلباً على المعالم الاثرية لصخور نهر الكلب، وهي معالم تاريخية ووطنية يجب المحافظة عليه. واضافوا ان تأثير البناء على الموقع قد يحرمه من التصنيف كتراث عالميّ على لائحة الذاكرة العالميّة لمنظّمة اليونيسكو.
وانتقد المعترضون الكيفية التي أعطيت التراخيص على أساسها لإقامة المقر، مطالبين بإعادة النظر بها ووقف أعمال الحفر. وقالوا ان الشكوك تحوم حول التراخيص، وانها مُنحت على أسس الولاءات السياسية وليس على أساس أولوية حماية الآثار والمحافظة عليها، أو دراسة الأثر البيئي لهذه المنشآت على المنطقة المحيطة بها!
كما يتردد بأن الفاتيكان تلقى شكاوى حول استخدام عقار الرهبنة البلدية المارونية من اجل بناء مقر التيار الوطني الحر، بينما يُفترض ان أراضي الكنيسة تُستخدم لصالح الخير العام وليس لأهداف سياسية.
ويتندر المعارضون للمشروع بأن جنون العظمة هو الذي يقود التيار إلى بناء «صرح عظيم» بدلاً من الاهتمام بـ«الشعب العظيم»، وان مصير هذا المقر، عاجلاً أم آجلاً، أن يصبح اثراً بعد عين، وأن يلتحق بالآثار المحيطة به!