كتب محمد شقير في صحيفة الشرق الأوسط:
قال مصدر سياسي بارز محسوب على المعارضة إن تعاون الحكومة اللبنانية مع صندوق النقد الدولي يشكّل المعبر الإلزامي للبنان ليتجاوز، ولو على مراحل، أزماته المالية والاقتصادية، مؤكداً أن لا بديل في المدى المنظور عن هذا التعاون إلا في حال بادرت الدول العربية المقتدرة إلى تقديم مساعدات نقدية يمكن أن تُسهم في إعادة الحياة إلى النظام المصرفي من خلال وقف التمادي في مخالفة قانون النقد والتسليف.
ولفت المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه لا جدوى من إقرار خطة إنقاذية تقود إلى وقف التدهور الاقتصادي والمالي ما لم تأخذ في عين الاعتبار التعاون مع صندوق النقد، ودعا الحكومة للخروج من حالة الإرباك التي تحاصرها، وهذا لن يتحقق إلا بقيام رئيسها حسان دياب بمصارحة اللبنانيين بالأسباب التي ما زالت تؤخر التوصل إلى اتفاق مع الصندوق يكون بمثابة خريطة طريق تفتح الباب أمام الانتقال فوراً لوقف التدهور. وأكد المصدر نفسه بأن رفض «حزب الله» التعاون بأي شكل من الأشكال مع صندوق النقد يؤخر المباشرة في التصدّي للأزمة المالية والاقتصادية بذريعة أنه يدفع باتجاه فرض الوصاية على لبنان والمساس بسيادته.
وسأل عن الأسباب التي ما زالت تعيق قيام «حزب الله» عن تقديم البديل لعدم الاستعانة بصندوق النقد لمنع لبنان من وجهة نظره من السقوط في الحضن الأميركي باعتبار أن واشنطن تهيمن على هذا الصندوق ويلتزم بتوجيهاتها؟ كما سأل المصدر السياسي، لماذا الهروب إلى الأمام بدلاً من أن تصارح الحكومة اللبنانيين بأسباب التباطؤ في التفاوض مع صندوق النقد أو الاستمرار في تحميل «الحريرية السياسية» أسباب الأزمة من جراء التراكمات التي حصلت منذ 30 عاماً؟ وقال إن اللبنانيين ينتظرون بفارغ الصبر من الحكومة بأن تطل عليهم بتفاصيل خطة الإنقاذ التي وعدت بها واعتبر أن تكرار الاتهامات لـ«الحريرية السياسية» وتحميلها مسؤولية التدهور المالي والاقتصادي بات بمثابة معزوفة شبه يومية، مع أن استحضارها جاء بعد انهيار التسوية بين رئيس الجمهورية ميشال عون وبين زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري ولم يسبق لعون و«التيار الوطني الحر» أن تطرقا إليها إبان «شهر العسل» الذي استمر حوالى 3 سنوات.
ولفت المصدر السياسي إلى أن رئيس الحكومة لم يكن مضطراً في هجومه على «الحريرية السياسية» من دون أن يسمّيها إلى اتهام البعض بالتحريض على حكومته في الخارج، وقال إن مثل هذا الاتهام لا يخدم إعادة تصحيح علاقة لبنان بعدد من الدول العربية التي أصابها الكثير من الخلل من جراء السياسة التي اتبعها وزير الخارجية السابق جبران باسيل، والتي أدت إلى إلحاق لبنان بمحور الممانعة بقيادة إيران. ورأى أن بعض الدول العربية لن تكون مرتاحة لما صدر عن الرئيس دياب في هذا الخصوص لأنه أوحى وكأن هذه الدول تنصاع تلقائياً لقيام أشخاص لبنانيين لحملات التحريض على بلدهم.
وسأل، لماذا أقحم الرئيس دياب نفسه في خلاف ليس طرفاً فيه، وقال إنه لم يكن مضطراً لمراعاة رئيس الجمهورية والوقوف إلى جانبه في مشكلة خلافية ما زالت تداعياتها تتفاعل وتزيد من منسوب الانقسام الداخلي بخلاف ما كان أعلنه بأن يترأس حكومة مستقلة؟ كما سأل ما إذا كان من دور لفريقه الاستشاري في التحريض على «الحريرية السياسية» باعتبار أنه أقرب سياسيا من فريق على حساب الآخر؟ لذلك فإن عامل الوقت لم يعد لمصلحة الحكومة في حال أن خطة الإنقاذ افتقدت إلى ما يدعو للتفاؤل بأن حكومة «مواجهة التحدّيات» قادرة على الانتقال بالبلد من الانهيار إلى بر الأمان وإن كان سيتحقق على مراحل، وهذا لن يرى النور إلا بالوصول إلى تفاهم مع صندوق النقد، فهل ينجح دياب في إقناع «حزب الله» في إعطاء فرصة لحكومته، وبالتالي يؤجل إصدار أحكامه بالنيات على الصندوق بدلاً من أن يتريّث لبعض الوقت لتبيان النتائج التي يفترض أن يُبني على الشيء مقتضاه؟
كما أن على القوى التي تتشكل منها الحكومة والداعمة لها أن تحسم أمرها وتقرر توفير الغطاء السياسي لوقف التهريب بإقفال المعابر غير الشرعية وضبط الحدود اللبنانية – السورية، خصوصا أن بعض هذه القوى يتجاهل ما يلحق بخزينة الدولة من أضرار من خلال تصاعد موجات التهريب. وعليه، فإن مشكلة الرئيس دياب ليست مع «الحريرية السياسية» وإنما حالياً مع «حزب الله» على خلفية رفضه ما يسمّى بوصاية صندوق النقد على لبنان، إضافة إلى تصحيح علاقات لبنان بالمجتمع الدولي الذي يطالبه بالتزام سياسة النأي بالنفس وفرض سيادته الكاملة على أراضيه ومنع قيام دولة بداخل دولة.
كما أن المجتمع الدولي هو من أحال لبنان على صندوق النقد باعتبار أن التفاهم معه يمكن أن يؤسس لطلب مساعدات أوروبية وعربية شرط أن يتقيّد بتطبيق ما تعهد به من إصلاحات مالية وإدارية وتحديداً أمام مشاركين في مؤتمر «سيدر» على أن لا يأخذها البعض باتجاه الثأر من خصومه وتصفية حساباته السياسية معهم. وعليه، يبقى ملف الكهرباء في أولويات صندوق النقد والمشاركين في مؤتمر «سيدر» الذين يشترطون على لبنان اعتماد الحلول الدائمة لتوليد الطاقة بدلاً من جرها عبر استئجار البواخر. فهل تبادر الحكومة إلى إعطاء الأولوية للحلول الدائمة وذلك ببناء معملين الأول في الجنوب والثاني في الشمال لإنتاج الطاقة؟ وهل يتم إقناع باسيل بأن يصرف نظره عن بناء معمل ثالث في سلعاتة بذريعة أن لا جدوى منه، أم أن هناك ضرورة لتعويمه كواحد من أبرز المرشّحين لرئاسة الجمهورية؟ وهذا يدفعه إلى ربط موافقته ببناء المعملين بالاستجابة لشروطه مع أن ملف الكهرباء هو الآن الشغل الشاغل لرئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يتعامل معه كأولوية لخفض العجز في الموازنة. وبالتالي فإن الكرة باتت في مرمى الحكومة، فهل تضع حداً للمزايدات الشعبوية وتستجيب لشروط «سيدر» وصندوق النقد في تبنيها بلا شروط للحلول الدائمة.