كتب ألان سركيس في صحيفة نداء الوطن:
كأنه لا يكفي لبنان الأزمات الإقتصادية والصحية التي تعصف به، ليأتيه انشغال جديد من خارج الحدود وتحديداً من إدلب بسبب تورّط “حزب الله” بالحرب الدائرة هناك، ما قد ينعكس سلباً على حكومة الرئيس حسان دياب الـ”طرية العود” والتي تحتاج مساعدة دولية.
لم يعد الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله بحاجة إلى أن يطلّ على المنابر ويطلب عدم التحريض على الحكومة أمام المجتمعين العربي والدولي بالقول إنها حكومة “حزب الله”، وكذلك لن يحتاج من كان في وارد التحريض لأن يُحرّض الخارج على سياسات “الحزب” وأدواته السياسية في الداخل وأبرزها الحكومة الجديدة لأن ما يقوم به في المنطقة وتحديداً في سوريا يكشف كل سياساته ونواياه.
على رغم الهلع من تفشي كورونا القادم من إيران ودول العالم، إلا أنّ كل ذلك لم يحجب الأنظار عن معارك إدلب المشتعلة والتي هي كناية عن لعبة دول كبرى يدخل فيها إضافةً إلى النظام السوري، كل من إيران وتركيا وروسيا ودول أخرى، في وقت شكّلت خسائر “حزب الله” البشرية في تلك المعركة صدمة لدى الشعب اللبناني المنشغل بالهمّ الإقتصادي والكورونا، حيث يسأل عن فائدة لبنان من القتال في تلك المنطقة.
تقع إدلب على البوابة الشمالية لسوريا التي تطل منها على تركيا وتبعد عن آخر نقطة حدودية عن لبنان نحو 250 كلم، وبالتالي فإن حجة “حزب الله” بأن قتاله في سوريا هو لحماية حدود لبنان ساقطة ولا أساس لها من الصحة ولا يستطيع أحد تبرير أفعاله.
وفي السياق، يرى معارضون لسياسات “حزب الله” أن “الحزب” يقول الشيء ونقيضه، يدعو إلى عدم التورّط والغوص في المسائل الكبرى ويغوص هو، يدعو إلى تحييد لبنان في هذه المرحلة لأن الهمّ الإقتصادي كبير ويورّط لبنان في حروب المنطقة، يُشكّك في ولاءات من ثار على الوضع الإقتصادي المزري ويقاتل هو في سوريا خدمةً للنظام السوري وإيران ضارباً بعرض الحائط كل مصالح لبنان، لذلك لا بدّ أن نسأله خدمةً لمن تقاتل في إدلب؟ لقد انتهى الزمن الذي تُدين فيه ولا تُدان.
وفي وقت يتجنّد فيه طلاب الطب في الجامعات من أجل التصدّي لخطر كورونا غير آبهين للمخاطر، ويثور الشباب من أجل المطالبة بحقوقهم المسلوبة، يحزّ بقلب كل لبناني أن يشاهد خيرة شبابه تسقط في إدلب خدمةً لأهداف إيرانية وسوريّة بعيدة كل البعد عن المصلحة اللبنانية، ويعودون إلى بلدهم الام محملين بالنعوش بدل أن يساهموا في نهضتها، خصوصاً أن هؤلاء الشباب لم يستشهدوا في أرض الوطن.
وفي السياق، عندما تسأل أكثر من وزير عما يفعله “حزب الله” في إدلب يكون الجواب: لا تعليق، لا نعرف، ليس من اختصاصنا، القصّة أكبر منا بكثير، وهذه الأجوبة تدفع إلى التأكّد أكثر وأكثر أن الحكومة مثل سابقاتها تنام في سبات عميق تجاه تصرفات “الحزب”، إذ إن حزباً لبنانياً يختزل قرار السلم والحرب ويقاتل حيث تدعو حاجة إيران.
وبحسب المعارضين، فإن كل ما يفعله “حزب الله” يُثبت أكثر وأكثر أنه لا يقيم اعتباراً للدولة اللبنانية، وهذا الأمر سينعكس سلباً على الوضع اللبناني حيث من المتوقّع أن تشتدّ العقوبات الأميركية والنتيجة أن الشعب ككل هو من يدفع الثمن، كذلك الأمر، فإن الحكومة الحالية ستكون عُرضة للإنتقادات الدولية بوصفها حكومة “حزب الله” على رغم أن عدداً كبيراً من أعضائها يحملون الجنسية الأميركية، وبالتالي فإن منطق “النأي بالنفس” قد سقط في إدلب، وكل السياسة التي حاول “حزب الله” رسمها للحكومة ومحاولة تحييدها من أجل الحصول على مساعدات عربية وغربية ستكون في مهبّ الريح لأنه لا قرار خارجياً بعد بمساعدة لبنان للخروج من أزمته الإقتصادية طالما أن “الحزب” يتصرّف على هواه.
كلما حلم الشباب اللبناني ببناء دولة، يستفيق على واقع أليم وهو أن الدويلة تسيطر عليها ولا تستطيع أي حكومة القيام بأي شيء، فكيف تستطيع حكومة دياب نيل ثقة الخارج بينما يستمرّ “حزب الله” بسياساته، وما هي الخطة للإنقاذ الإقتصادي والحصول على مساعدة الخارج طالما أن “حزب الله” يُدخل لبنان في سياسة المحاور ويجلب المزيد من الحصار إلى البلد؟
سقط البند المتعلّق بالنأي بالنفس في البيان الوزاري، إذ إنّ الطرف الأقوى في الحكومة لم يلتزم به، وبالتالي فإن كل التصريحات واللقاءات في الداخل والخارج تصبح ثانويّة أمام ما حصل في إدلب.