Site icon IMLebanon

“أجنحة الأرز”… بالعملة الخضراء!

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

يأخذ المشهد الإقتصادي اللبناني بُعداً سريالياً يوماً بعد آخر. قد يُفهم توقف القطاع الخاص عن التعامل بالليرة اللبنانية على أساس السعر الرسمي، نظراً إلى دولرة الاقتصاد بنسبة 80 في المئة واعتماده على الإستيراد بنسبة 99 في المئة، إنما ما يثير الدهشة هو رفض الليرة اللبنانية في الشركات الوطنية وتحديداً منها شركة الطيران الوطنية المملوكة من المصرف المركزي.

إنطلاقاً من المثَل القائل “إذا كان ربّ البيت بالدف ضارباً فشيمة اهل البيت كلهم الرقص”، لم يعد من عتب أو ملامة أو مسؤولية على عدم قبول الليرة اللبنانية في التعامل. فالتصرفات الرسمية أفقدت “الليرة” قوتها الإبرائية التي منحها إياها قانون النقد والتسليف عندما نصَّ على ارتباط الليرة بمعادلة ذهبية كما في المادة 2 (يحدد القانون قيمة الليرة اللبنانية بالذهب الخالص).

“الميدل إيست”… بالدولار

للهروب من المسؤولية المعنوية أوقفت شركة طيران الشرق الأوسط “MEA” (الميدل إيست) مطلع الأسبوع الماضي بيع تذاكر السفر من مكاتبها بشكل مباشر، بعدما تسبّب قرارها منذ نحو أسبوعين بعدم قبول القبض بالليرة بموجة غضب عارمة. بغضّ النظر عن مبررات القرار، وواقعية فقدان العملة الصعبة من الأدراج والخزائن، حتى لدى المصرف المركزي، فمن الواضح ان اللبناني أصبح محاصراً بفقدان الدولار، بعدما كان محاصراً بأسعار مرتفعة نتيجة غياب المنافسة والموقع الاحتكاري للميدل إيست.

هذا الواقع المرّ عبّر عنه أحد المواطنين من أمام مكتب سفريات بقوله “اليوم تحولنا إلى رهينة لمكاتب السفر التي تأبى القبض إلا بالدولار. وكأن رهننا للمصارف، ومحلات الصيرفة، ومحطات الوقود والافران لم يعد كافياً…”.

سببان دفعا الشركة الوطنية إلى اعتماد “التمويه” من أجل استيفاء أسعار تذاكر السفر بالدولار، الأول منافستها بشكل غير عادل مكاتب السياحة والسفر التي تبيع التذاكر بالدولار أو بالليرة اللبنانية على سعر السوق، واستياء الأخيرة وتعريضها للإفلاس والإقفال. والثاني هو إلزامها كمكاتب السفر، بدفع الرسوم التي تتوجب للاتحاد الدولي للنقل الجوي AIATA بالدولار، واضطرارها إلى دفع أسعار الفيول والخدمات في مطارات العالم وقطع الغيار وأقساط الطائرات بالعملة الأميركية حصراً.

في الوقت الذي يؤخذ فيه على الشركة الوطنية التعامل بغير العملة الوطنية حصراً، يعتبر نائب رئيس نقابة أصحاب مكاتب السفر والسياحة في لبنان محمود الخطيب ان “هذه الخطوة تعيد التوازن والمنافسة الصحيحة بين الشركة ومكاتب السفر التي كانت تتكبد خلال الفترة الماضية خسائر كبيرة جداً”. وبرأي الخطيب فإن “من ينوي السفر للخارج سواء كان للعمل أو للسياحة لن يقدّم أو يؤخّر معه إن كان سعر الـ TICKET بالدولار، فالمسافر مضطر إلى شراء الدولار من أجل تلبية أموره في الخارج”.

المشكلة اليوم في عدم وجود نص قانوني يُلزم الشركات المتعاملة مع لبنان ومنها الـ AIATA على قبول العملة الوطنية مثل بقية دول العالم. فـ”نحن كمكاتب سياحة وسفر ملزمون بالتعامل بالدولار حصراً”، يقول الخطيب. تغيير هذا الواقع هو محور متابعة النقابة مع الوزراء المعنيين من أجل تعديل القانون أو إصدار آخر من مجلس النواب يُلزم الشركات الأجنبية بقبول العملة الوطنية!

تراكم المشكلات

رأي الخطيب الذي يعبّر عن وجهة نظره الخاصة، يقابله اتفاق عام بين كل المعنيين بـ “السفر” بأن المشكلة أصبحت اليوم في مكان آخر كلياً بغضّ النظر إن كانت الأسعار بـ “اللبناني” أو بالدولار، وهي تتمثل بامكانية إيقاف العمل مع لبنان بشكل كامل من قِبل الكثير من شركات الطيران، نتيجة عدم التزام مصرف لبنان بتحويل مستحقات الـ AIATA “أياتا”. وهذا ما برز خلال الأسبوع الماضي حيث لم يتوصل وفد “أياتا” الذي زار لبنان إلى أي حل. وبحسب الطريقة المعتمدة فان لبنان يدفع بشكل مقطوع شيكاً مصرفياً بالدولار لـ “أياتا”، وتمر العملية بواسطة CITY BANK وتوزع الاموال على الشركات. أما أولى تجليات القرار فظهرت مع توقف شركات طيران مثل “العليا” و”التشيكية” وغيرها عن البيع في لبنان.

المشكلة الأخرى تتمثل في ان بعض مكاتب السفر عمد في الفترة الماضية إلى مساعدة المودعين بتهريب أموالهم من خلال قبول شيك مصرفي بقيمة 100 الف دولار مثلاً، يأخذ المودع مقابله تذاكر بقيمة 80 الف دولار يسوّقها في الخارج ويقبض ثمنها نقداً.

أما المشكلة الثالثة والطارئة، فهي تراجع النقل الجوي من لبنان وإليه بنسبة تفوق الـ 50 في المئة بسبب انتشار فيروس “كورونا”، واضطرار المكاتب الى الغاء الحجوزات. وهذا ما سيدفع إلى تكبّد مكاتب السياحة والسفر خسائر هائلة نتيجة تراجع البيع وعدم القدرة على استرجاع بدلات الحجوزات في الفنادق وشركات الخدمات.

تحوُّل “الميدل إيست” من “اللبناني” إلى “العملة الخضراء” (الدولار) أحدث ثورة ودفع الآلاف إلى شراء تذاكر بملايين الليرات في يوم واحد، إنما لم يدفع ولو شكلياً، بوزارة الإقتصاد للتدخل بقضية تمسّ السمعة الوطنية.

فهل السبب الكامن وراء عدم تحرك المديرية العامة للاقتصاد ومديرية حماية المستهلك أن المديرة العامة عضو في المجلس المركزي كما في هيئة الاسواق المالية التابعَين أيضاً لـ “المركزي”؟ أم هناك أسباب أخرى؟