Site icon IMLebanon

 باريس لحتّي: صندوق النقد خيارٌ مناسب

كتب نقولا ناصيف في “الاخبار”:

ليس مطلوباً من زيارة وزير الخارجية باريس، بمبادرة منه، سوى بدء أولى محاولات فكّ العزلة عن لبنان، وإعادة وصل قنوات الحوار منذ الشكوك التي رافقت تأليف حكومة الرئيس حسان دياب التي لم تُقنع بعد العرب والغرب، في آن، أنها «حكومة اختصاصيين».

اختتم وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتّي أمس أول زيارة له لعاصمة غربية معنيّة بلبنان، منذ نيل حكومة الرئيس حسان دياب الثقة في 11 شباط. كانت سبقتها زيارتان للقاهرة وجدة في سياق مناقشة الموقف العربي من صفقة القرن في 2 شباط و3 منه. بيد أن زيارة باريس هي الأولى للدبلوماسية اللبنانية حيال العلاقات الثنائية ومساعدة لبنان على الخروج من ضائقته النقدية والاقتصادية.

من باريس ينتقل حتّي في 4 آذار إلى القاهرة مجدداً للمشاركة في اجتماعات الجامعة العربية، ومن ثم في 22 آذار إلى بروكسل للمشاركة في فطور عمل مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لإطلاعهم على ما آلت إليه الأوضاع اللبنانية وخطط حكومة دياب.

استبقت الخارجية الفرنسية زيارة الوزير اللبناني، واجتماعه الجمعة بنظيره ايف لودريان في الكي دورسيه بتأكيد رغبتها في توجيه بضع رسائل أقرب ما تكون إلى استفسارات حيال موقف لبنان وحكومته من بضع قضايا شائكة يواجهها في المرحلة الأخيرة، ولا سيما منها تعاونه مع صندوق النقد الدولي وما يتوقعه لبنان من هذا الخيار، ناهيك بحجم التنازلات التي في وسعه تقديمها إلى الصندوق بإزاء الحصول على اقتراحاته لمعالجة ضائقته النقدية والاقتصادية. رغم اطّلاعها على الانقسام السياسي بين الأفرقاء اللبنانيين، ولا سيما منهم أطراف حكومة دياب نفسها بين مؤيد للتعاون مع صندوق النقد الدولي ومعارض له بتشدد كثنائي حزب الله وحركة أمل، تعتقد باريس أن الاحتكام إلى الصندوق من شأنه أن يكون خياراً مناسباً بعد مناقشة مستفيضة في الحكومة اللبنانية، وبين أفرقائها المتبايني الرأي، ومع من هم خارجها بغية الوصول إلى اتفاق محدد يساعد على بلورة تعاون تحبّذه الدبلوماسية الفرنسية كحل مفيد.

أما ما سمعه حتّي من نظيره الفرنسي، فتمحور حول قاعدة أساسية كرّرتها باريس مراراً على المسؤولين اللبنانيين، وأسمعهم إياها أكثر من مرة موفد الرئيس الفرنسي المكلّف متابعة قرارات مؤتمر سيدر بيار دوكان عندما زار بيروت في تشرين الأول 2018 ثم في أيلول 2019، وهي أن لا مساعدات ما لم تكن ثمة إصلاحات جدية وبنيوية وفق برامج مدروسة. مذّاك لم يتغير الموقف الفرنسي، الراعي الرئيسي لمؤتمر سيدر. لكن في المقابل لم يطرأ أي تحسن أو مقاربة حقيقية في التعامل اللبناني مع قرارات ذلك المؤتمر. أعاد دوكان تأكيد الموقف نفسه في لقائه حتي في السفارة اللبنانية في باريس، مشدداً على أن حكومته لا تزال تنتظر إجراءات الحكومة اللبنانية.

في الموازاة ركّزت محادثات باريس على تأكيد المعطيات الآتية:

1 – ستظل فرنسا في مقدم الدول التي تود مساعدة لبنان. إلا أن هذا الدعم لن يكون ثنائياً. كذلك لن تقدم أي دولة أوروبية أخرى على عمل ثنائي، ولن يُقدّم إلى لبنان مساعدات مالية لا تقترن ببرامج معدة سلفاً.

2 – لا مرجعية لتقديم مساعدات مالية سوى مجموعة الدعم الدولية للبنان التي أدارت مؤتمر سيدر، وهي الجهة الوحيدة، الجماعية، المعنية بتقديم أي مساعدة تستوفي الشروط المطلوبة والموثقة. ولا تزال مجموعة الدعم منذ عام 2013 تتولى تقديم الدعم لهذا البلد في قضايا الجيش والاقتصاد والنازحين. وهي المكلّفة حالياً تطبيق قرارات سيدر مقدار ما يتقدم لبنان في تحقيق ما دُعي إلى القيام به.

3 ـ استعداد باريس لدعم لبنان وفق الإصلاحات المطلوبة، يجعلها منفتحة على التوسط لدى الدول العربية، ولا سيما منها الخليجية وعلى وجه الأخص السعودية والإمارات العربية المتحدة، للانضمام إلى الدول الداعمة. بيد أن الشرط الرئيسي لذلك استعجال الحكومة اللبنانية القيام بالمطلوب منها. لكن أيضاً إظهار استقلال قدرتها على التحرك في معزل عن تأثير أفرقاء يثيرون تحفظ عواصم الخليج. وهي إشارة واضحة تدعو حكومة دياب إلى تقديم أدلة على استقلالها، وإبعاد أي اشتباه بدور مباشر لحزب الله فيها أو التأثير على قراراتها. لم يكن موقفه السلبي من صندوق النقد الدولي، مستبقاً وصول بعثته إلى بيروت ومحادثاتها والمساعدة التقنية التي قدمتها، إلا أنموذج مسارعته إلى الاعتراض على ما تعتزم الحكومة اللبنانية القيام به.

4 – أبدى لودريان اهتماماً بما أطلعه عليه نظيره حيال الخطوات الإصلاحية التي تُعد لها الحكومة اللبنانية وستتخذ تباعاً من ضمن خطة إنقاذ، وأخطره حتّي أن أحد أهم الإجراءات المتوقّعة إصلاحات في القضاء اللبناني.

5 – أعلم الوزير اللبناني محدّثه الفرنسي بأن لبنان لن يكون في مقدوره تسديد سندات اليوروبوند المستحقّة في 9 آذار، والبالغة ملياراً و200 مليون دولار، وهو سينحو في وجهة جدولتها. موقف الكي دورسيه الذي تفهّم القرار اللبناني والأسباب التي تمليه، وجد فيه خطوة من شأنها أن تستوعب غضب الشارع اللبناني واحتجاجاته تحت وطأة الضغوط النقدية والاقتصادية والمعيشية البالغة التعقيد. بيد أن باريس ترى في المقابل أن الامتناع عن الدفع لتلك الأسباب، يقتضي مقاربته بجدية نظراً إلى تأثيره على صورة لبنان واستقرار سوقه المالية. لذا تفضّل، متى عزمت الحكومة اللبنانية على المضي في هذا الخيار، أن يصير إلى وضع برنامج واضح لإعادة الجدولة