كتب طوني أبي نجم:
الإجراءات الاحترازية في “قلعة معراب” لمواجهة فيروس كورونا تكاد تضاهي الإجراءات الأمنية التي يشهد القاصي والداني لـ”القوات اللبنانية” بها. ورئيس “القوات” الذي يكثر من إطلالاته ولقاءاته في المرحلة الأخيرة يحاول أن يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فهو من جهة يطمئن “الغيارى” والمحبين عن صحته الممتازة كما ظهر في اللقاء الذي عُقد مع مجموعة من رؤساء تحرير المواقع الالكترونية، ومن جهة أخرى يؤكد على ثوابت “القوات” وطروحاتها التي تجمع ما بين انتمائها الأزلي إلى 14 آذار كمبادئ وروح وما بين انسجامها مع ثورة 17 تشرين التي وجدت فيها “القوات اللبنانية” ضالتها.
الطريق إلى معراب لا تزال محفوظة في الوجدان “عن ظهر قلب”، ولو أن هذه الزيارة أتت بعد 7 أعوام من الانقطاع، ومواقف الدكتور سمير جعجع لا تزال في العمق هي هي، وإن اتسمت بكثير من الواقعية السياسية التي تجعل البعض لوهلة يظن وكأن ثمة ما تغيّر فيها.
هو سمير جعجع المحاصر ما بين قناعاته التي لم يبدّلها يوماً وما بين براغماتيته التي تجعله أسير معادلات لا يستطيع إزائها الكثير. هكذا عندما يُسأل لماذا لا تتكون جبهة معارضة عريضة يحيل السائل إلى “تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي اللذين لا يريدان أن يذهبا أبعد من التموضع الموجدين فيه حالياً ربما لأنهما يتجنبان الاصطدام ب”حزب الله”، وذلك في أوضح صورة ممكنة عن الواقع الحالي. جعجع لا يريد أيضاً ان يؤدي أي اصطدام بالحزب إلى حرب أهلية في لبنان، وهذا ما يدفع به إلى التأكيد أن قضية سلاح “حزب الله” معقدة جداً و”حاولنا في مرحلة 2005-2009 التركيز عليه بالمباشر… ولكن إلى أين وصلنا؟ على المسؤول أن يجري حساباته بدقة”. وماذا عن المرحلة التي تلت الـ2009 وسياسات ربط النزاع إلى أين أوصلت؟ يجيب جعجع: “أسباب فشل هذه المرحلة تعود خنفشارية الطبقة التي حكمت (في غمز واضح من قناة حلفائه)”. ولا يتردد رئيس “القوات” في التمريك على المزايدين في موضوع المواجهة مع “حزب الله” عبر تذكيرهم بما حصل قبل حوالى الشهرين عندما حاولت مجموعات على دراجات نارية من الشياح الدخول إلى عين الرمانة وكيف تجمّع ألفي شاب في مواجهتهم في خلال دقائق ما اضطر الجيش اللبناني إلى الفصل بينهم ومنع الدراجات من التقدم، في تأكيد لا يحمل أي التباس بأن “الشباب” حاضرون دوماً في حال حصل أي تقاعس رسمي. لكن في الوقت نفسه أكد جعجع أن “الاصطدام بالجيش والقوى الأمنية خط أحمر أكثر من جدي بالنسبة إلينا” وهذا الأمر كان موضوع تقييم دائم خلال الثورة.
لكن الواقعية السياسية لجعجع في التعاطي مع “حزب الله” لا تمنعه من انتقاد الشيخ نعيم قاسم بقسوة إزاء موقفه من رفض الاستعانة بصندوق النقد الدولي، لأن الموضوع هنا لا يتعلق بعقيدة إنما بمصلحة البلد “وإذا كان صندوق النقد الدولي شيطاناً رجمياً ليسمّ الشيخ نعيم شيطاناً آخر يقبل بأن يعطينا المليارات التي نحتاجها لإعادة النهوض بالبلد مع الخطة الإصلاحية الضرورية لنا”!
جعجع كرر سلسلة اقتراحات “القوات” البديهية للحكومة لمحاولة البدء بالانقاذ، بدءًا من وقف عقود الـ5300 موظف خلافاً للقانون بعد موازنة الـ2017، مرورا بضبط المرفأ والمعابر الحدودية التي قبل أن يغض النظر في المرحلة الأولى عن العسكرية منها، وخصوصا أن خطوط التهريب من طرطوس واللاذقية واضحة ومعروفة، والجمارك، والكهرباء عبر القبول ببناء معامل عبر نظام الـBOT، إضافة إلى تأليف شركة تضم مجموعة أصول أساسية للدولة مثل الاتصالات والمرفأ والكازينو والـMEA بما يسمح لهذه الشركة من الاستعانة بشركات دولية لتلزيمها تسيير هذه القطاعات ومضاعفة إنتاجها. وهو أكد أن “القوات” لم تكن تستطيع اللجوء إلى القضاء وهي شريكة في الحكومة بينما الآن تستطيع وهي باشرت بذلك… على امل أن يكون لدينا قضاء وأن يُسمح لمجلس القضاء الأعلى بإتمام التشكيلات القضائية من دون تدخلات سياسية.
كذلك في الملف الاقتصادي رفض جعجع القنص على القطاع المصرفي في لبنان “لأن المصارف اللبنانية هي تحت القانون، والمشكلة تكمن في الطبقة السياسية ومتى كان تطبيق القانون هو سيد الموقف لا يمكن للمصارف أو غيرها مخالفته، وبالتالي لا تدعو أحداً يضيّعكم”. وحين سئل عن السعي لتغيير حاكم مصرف للإتيان بحاكم لا يسعى لتطبيق العقوبات الأميركية، استغرب جعجع الأمر مؤكدا أن “أي حاكم يتم تعيينه سيُطبق العقوبات بحذافيرها، لأن عدم تطبيق العقوبات الأميركية سيعني إسقاط النظام المصرفي بالكامل”.
أما في الموضوع السياسي فيبدو “الحكيم” متشدداً في الثوابت ومن دون محاباة: “القوات” 14 آذارية على رأس السطح وستبقى إلى أبد الآبدين. أما المعادلة اليوم فلم تعد بين من هو مع 14 آذار ومن هو مع 8 آذار، بل في من هو مع المنظومة الحاكمة ومن هو ضدها.
كذلك شدد جعجع على موقفه المؤيد لإجراء انتخابات نيابية مبكرة “إنما من يدعو لتغيير قانون الانتخابات إنما يكون ضد الانتخابات المبكرة لأنه من المستحيل تغيير القانون الحالي في غضون أشهر قليلة، وهذا القانون لا يزال جديداً وهو الأفضل في تأمين صحة التمثيل”.
وحين يتحدث رئيس “القوات” عن ثورة 17 تشرين يشعر بارتياح شديد لأنه يشعر بانسجام كبير بين عمل “القوات” ومطالب الثورة لا بل يقول “إن القوات وجدت نفسها في ثورة 17 تشرين. لم نكن مرتاحين في السلطة حيثما كنا. كنا نشعر بأننا لوحدنا داخل الحكومة، واستقلنا فوراً بعد بدء الثورة التي لم ولن تنتهي وهي تحمل طروحات تنمّ عن وجع الناس وليست منظمة لتقدم طروحات سياسية متكاملة. وهذه الثورة باقية وتتبلور حسب الظروف والمعطيات”.
جعجع يرفض أن يفقد الأمل لأن “لبنان ليس دولة فقيرة بل غنية بالثروة البشرية التي تبقى الأهم في العالم. المشكلة تكمن في كيفية إدارة الدولة”، كما يرفض اتهامه بمحاباة العهد، بل “كل ما في الأمر اننا ننتقد ونهاجم من دون الوقوع في الشتيمة”. ويسأل مهاجمي العهد عن البديل في حال استقال الرئيس ميشال عون غداً متخوّفاً من أن يذهبوا في اتجاه انتخاب الوزير السابق جبران باسيل، “فنحن لا نريد أن نذهب من السيء الى الأسوأ”، ومؤكداً على أنه مرشح طبيعي للرئاسة.
سمير جعجع كان بدأ لقاءه بالتشديد على أهمية مواجهة فيروس كورونا بخلفية علمية محض وبعيداً عن السياسة لحماية صحة اللبنانيين، أكد أن كل الحالات المسجلة في لبنان مرتبطة إما بأشخاص عادوا من إيران وإما بأشخاص انتقلت إليهم العدوى من أشخاص عادوا من إيران، لذلك تمنى على وزير الصحة أن يمنع أي لبناني من السفر إلى إيران وأن يتم منع أي كان من المجيء من إيران باستثناء اللبنانيين الراغبين الذين يجب ان يتم إجلاؤهم بطريقة علمية ويتم إرسالهم مباشرة إلى الحجر الصحي لمدة 15 يوماً.
كما أكد جعجع أن “القوات” تلاحق تفاصيل ما نشره ريشار لابيفيير وخلفياته المعروفة وكشف أن المدعو فؤاد ناصيف مرتبط به وكان يعمل على محاولة الإتيان بسجل صحي مزور لرئيس “القوات” من “فال جويف” ونحضّر الملف للإدعاء عليهما كما ونستكمل كل تحقيقاتنا عن الموضوع.
أما في الملف الإقليمي فرفض جعجع مقولة إن الستاتيكو القائم سيبقى إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن ثمة “ملفات حامية كثيرة في المنطقة من العراق مروراً بسوريا وكلها يمكن أن تشهد تغيرات كبرى”. وختم بالتأكيد أن ليس لدى نظام بشار الأسد مقومات الاستمرار.