Site icon IMLebanon

الدولة المدنية: الانسان هدف الثورة الأول!

ليس التغيير وإطاحة الأنظمة القمعية والديكتاتورية الهدف الوحيد للثورات. ذلك أن وراء هذه الحركات التحررية ما هو أنبل وأسمى: إنه الانسان وتطوره وحقه في أن يحيا حياة كريمة متمتعا بحقوقه كاملة ومن ضمنها حضانة الأطفال التي تعد الحق الأهم والأبرز للأم في مجتمعات ذكورية لا تزال متمسكة ببعض القوانين والممارسات البالية التي لا يمكن تفسيرها إلا بادعاء التفسير “السليم” للأديان السماوية وتعاليمها، فيما الثوار يناضلون للارتقاء بهذه البلاد من الدولة الطائفية إلى تلك المدنية الحقة.

صحيح أن مطلب إرساء دولة مدنية لازم الثوار منذ إنطلاق الثورة في 17 تشرين لكنه عاد بقوة إلى الواجهة بفضل مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما باتت واحدة من أبرز الوسائل لكشف ما يلحق بالنساء من ظلم. ذلك أن فيديو يظهر السيدة لينا جابر تنتحب على قبر ابنتها مايا اسماعيل التي قتلت في ظروف لا تزال غامضة، ردت إلى الضوء قضية ضرورة المطالبة بقانون مدني موحد للأحوال الشخصية، بدلا من إغراق النساء والأطفال و… بعض الرجال أيضا في دهاليز التفسيرات المتعددة الدينية وغير العادلة التي تنبري إليها المحاكم الدينية لدى مختلف الطوائف لمجرد اعتقادها أنها تمثل “سلطة الله على الأرض. هذا الاعتقاد الخاطئ قد يكون هو الذي يقف خلف حرمان مايا حنان أمها، بفعل حكم مبرم من المحكمة الجعفرية منع عنها رؤية أمها، وحرم الأخيرة من إلقاء نظرة الوداع على فلذة كبدها قبل أن تدق ساعة الرحيل الأبدي. تعددت الأسباب والموت واحد. لكن في هذه القصة الحزينة حقيقة مرة لا يجوز التغاضي عنها بذريعة عدم المس بسلطات رجال الدين: مايا ووالدتها لينا دفعتا ثمن صراع الوالدين وطلاقهما من حقوقهما البديهية التي من غير المفترض أن تكون محل جدال أو نقاش تحت أي ذريعة، ما دفع عددا من النساء الثائرات الى التحرك يوم السبت الفائت أمام مقر المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى للمطالبة بتعديل سن الحضانة لصالح الأمهات وضخ بعض التغيير في ممارسات هذه المحكمة. غير أن الأهم يبقى في مشاركة الرجال في هذا التحرك النبيل. ذلك أن حضورهم دليل إلى أن الجميع تلقف الرسالة جيدا: القضية تتجاوز النضال في سبيل تحسين ظروف المرأة اللبنانية وتأمين نيلها حقوقها، لترتبط ارتباطا عضويا بقضايا الانسان وكرامته. وهذا الهدف لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال المطالبة بقانون مدني موحد للأحوال الشخصية في دولة مدنية، يكرس فيها مبدأ احترام الانسان بوصفه قيمة قائمة في ذاتها، بغض النظر عن أي اعتبارات طائفية ودينية وعائلية بالية.

قد يقول قائل إن في خطوة كبيرة من هذا النوع تغييرا لجوهر لبنان، وانتقاصا من دور المقامات الروحية التي لطالما لعبت دورا بارزا على مستوى الحياة الشخصية للناس. لكن هناك مقاربة أخرى لا يجوز أن تغيب عن بال المعنيين من القيمين على السلطة: إن المطالبة بدولة مدنية وبقانون مدني يكرس المساواة بين الناس ويجعلهم سواسية كأسنان المشط أمام العدالة والقانون لا يعني بالضرورة المس بسلطات رجال الدين أو الدعوة إلى الابتعاد عن الله، فالقوانين لا تلغي عمله الخلاصي في الانسان والانسانية، والايمان به. كل ما في الأمر أنها الطريقة الأفضل لصون الانسان الذي لم يخلق إلا… على صورة الله ومثاله، وهو، ما يفسر أن تواصل الثورة ضغطها لقيام الدولة المدنية.. ولو بعد حين!