كتب رمال جوني في صحيفة “نداء الوطن”:
يواجه أبناء منطقة النبطية فيروس “كورونا” بكثير من الحذر، يتابعون الأخبار لحظة بلحظة، يراقبون عدّاد الاصابات، الذي يرتفع يومياً، مسجلاً مزيداً من الرعب والقلق. بات المواطن نفسه يخشى اصابته بالرشح العادي، يخاف زيارة المستشفى، يفضّل شراء الدواء من الصيدلية، فلم يعد الرشح بالنسبة إليه حالة عرضية.
هي فوبيا تلاحق اللبنانيين، فما أن يسعل أحدهم حتى يهرب من حوله. يعيش أهالي النبطية حالة انتظار، يخشون الأسوأ، خصوصاً جرّاء حالة البلبلة التي أحدثها خبر تعرض عسكري في محكمة النبطية العقارية لحالة إغماء فجأة، بعد أيام من التحاقه بالخدمة. خبر أثار فزع الأهالي، خصوصاً بعد تسجيل ارتفاع في حرارة جسد العسكري، ما دفع الرئيس الأول لمحاكم الإستئناف في الجنوب القاضي أسعد جدعون إلى اقفال المحكمة واصدار القرار بتعقيمها، إلى أن جاء الخبر بأن العسكري تلقى الإسعافات الأولية في المستشفى وتبيّن أنه مصاب بالتهاب حاد في الأذن، فيما كان الأهالي يجزمون أنه مصاب بالـ”كورونا”، وأن اقفال المحكمة جاء لهذه الغاية، وأن هناك تكتماً على الموضوع لعدم اثارة الهلع، لكن الحقيقة كانت “التهاباً في الأذن”.
هناك، على طريق زبدين النبطية، قرب مركز كامل يوسف جابر الثقافي تقع المحكمة العقارية. حركة خجولة داخل باحتها الخارجية، فيما مكاتب الموظفين مقفلة حتى إشعار آخر، فقرار جدعون، كان واضحاً بإخلاء قاعة المحكمة، وذلك منعاً لأي خطر. وبعد الحادثة كلّف جدعون بلدية النبطية بعملية التعقيم ولم تتأخر الأخيرة في التنفيذ. ووفق عضو المجلس البلدي صادق عيسى أن البلدية سارعت منذ لحظة إغماء الدركي إلى متابعة حالته داخل المستشفى، مؤكداً أن حالته مستقرة ويتابع علاجه داخل منزله. وشدد عيسى على “أهمية الوقاية والتعقيم، سيما في خضم المرحلة الصعبة التي نواجهها، وخصوصاً في الأماكن المكتظة او التي تشهد اختلاطاً يومياً بين الأهالي، ومنها قصر العدل ودور العبادة والمطاعم، وأن البلدية عقّمت هذه كلها إضافة الى المحال، ضمن حملة الوقاية من كورونا التي تنفذها بالتعاون مع الجمعيات”. ودعا وسائل الاعلام إلى توخي الدقة في الأخبار، “لأن الناس تعيش على أعصابها، وباتت لا تحتمل مزيداً من الهلع”.
الهلع نفسه ساد داخل قصر عدل النبطية، حيث توقفت معظم جلساته وخيّم عليه حالة من البلبلة، خصوصاً بعد قرار القاضي جدعون بإقفال المحكمة العقارية. ولا تنكر مصادر مطلعة أن “نوعاً من الهلع يسيطر على القصر، خصوصاً أن قاعاته تستقطب عشرات الدعاوى يومياً، أي أنه يشهد إقبالاً من مختلف المناطق، وهذا يشكل خطراً، الأمر الذي دفع بقاضي مرجعيون إلى إلغاء كل جلساته التي تجاوز في ترتيبها المئة والتي كان مقرراً النظر بها أمس، وسرى الحال على العديد من القضاة الذين تغيبوا عن المحكمة”. ولا ينكر المصدر أن “الامر سيرتد سلباً على سير المحاكمات، وسيؤثر على القضايا المستعجلة”، ويؤكد أن “الأمر يستدعي معالجة سريعة، ومن الأفضل إصدار عفو عام يشمل الموقوفين الذين لم يثبت عليهم شيئاً أو موقوفين من دون محاكمة، فالوقت مناسب لمثل هذه الخطوة”.
ويسلّط الضوء على “واقع السجون ونظارات المخافر، التي تشهد اكتظاظاً”، مشيراً إلى أن “النظارة التي لا تتسع لاثنين فيها 10 اشخاص، وهذا خطر كبير في هذه الظروف”، ولا يتردد بالاشارة إلى أن “هناك قراراً قضى بايقاف الزيارات بين الأهالي والموقوفين تحسباً لأي تسلل لفيروس كورونا”، لكنه يعتبر أن “الخطوة قد تكون جاءت متأخرة، اذ قد يكون أحد الاهالي ممن يحمل الفيروس نقله إلى أحد أقربائه داخل السجن”، وبالتالي يطرح السؤال ماذا لو تفشى كورونا داخل السجون والنظارات؟
بالتوازي، كان أهالي بلدة شبعا ينفذون اعتصاماً اعتراضياً على فتح مستشفى شبعا الحكومي الذي أنجز قبل سنوات عدة بتمويل من دولة الامارات المتحدة، غير أنه لم يجر افتتاحه بسبب الخلاف على إدارته، ما حرم أبناء شبعا والجوار من الاستفادة من الخدمات الطبية التي كانت ستخفف الأعباء عن كاهل الأهالي الذين يقصدون مستشفى مرجعيون أو مستشفيات النبطية وصيدا للطبابة.
وجاء اعتراض الاهالي بعد قرار قضى باعادة فتحه لاستقبال مرضى “كورونا”، ما أثار حفيظتهم وتساؤلهم: “لماذا لم يجرِ افتتاحه لنستفيد منه سابقاً؟ لماذا اليوم يريدون افتتاحه؟ شبعا ليست مستعدة ليكون مستشفاها مخصصاً لمرضى “كورونا”، هذا ما يقوله قاسم الرجل الاربعيني الذي يرى أن “خطوة وزارة الصحة ليست في مكانها، نحن لسنا ضد علاج أحد، لكن كان الأجدى بهم أن يفكروا سابقاً بنا، نحن الذين انتظرنا افتتاح المستشفى طويلاً للافادة منه، غير أن خلافاتهم حالت دون ذلك، واليوم يستغلون كورونا لافتتاحه، لن نقبل بذلك”.
موقف قاسم يتقاطع مع كل المعتصمين الذي أكدوا أن موقفهم “ليس أنانية بل هو منطقي. لو لم يكن هناك حالة طارئة لما فكّرت الدولة باعادة افتتاح المستشفى”، تقول رنا، وتشير إلى أن “المستشفى مجهز بأحدث المعدات، وكان بامكانه أن ينقذ عشرات الاهالي، لكنهم لم يفكروا بنا، لم يرأفوا بحالنا، سنوات طويلة نناشدهم لافتتاحه، نضطر لأن نقصد مستشفيات بعيدة للطبابة، ونحن اليوم نرفض رفضاً قاطعاً أن يكون مخصصاً لكورونا”.
وأعلن المعتصمون انهم سيكونون بالمرصاد لكل من سيحاول افتتاحه لغير أبناء شبعا. ويبدو أن ملف افتتاح المستشفيات المعلق تحت اشعار الخلافات والمحاصصات، سيواجه باعتراض ورفض شعبي، على قاعدة “إن لم تخدموني وقت حاجتي، فلن اخدمكم وقت حاجتكم”، إلا أن الكلمة الفصل ستكون لتسارع تفشي كورونا في لبنان، ويكون حينها القرار لحالة الطوارئ.