كتب محمد دهشة في صحيفة “نداء الوطن”:
بين إيقاعي فيروس “الكورونا” و”الازمة الاقتصادية” الخانقة، باتت حياة الناس في مدينة صيدا مضبوطة على هاجسين لا ثالث لهما: الاجراءات الوقائية لمنع تفشي العدوى، والصراع من أجل تأمين لقمة عيش كريمة، والبقاء بعيداً من ذل السؤال، فيما المؤشرات الميدانية تنذر بالأسوأ وتحذر من عواقب وخيمة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.
ووصفت مصادر صيداوية لـ “نداء الوطن”، الوضع بـ “المقلق”، فالناس تعيش “حالة طوارئ” ذاتية غير معلنة رسمياً، في ظل تلاقي المخاوف من ارتفاع عدد المصابين بفيروس “الكورونا”، والانتقال من مرحلة “الاحتواء” إلى “الانتشار”، رغم كل الاجراءات الرسمية الوقائية وتلك “الطوعية” التي تقوم بها هيئات ومؤسسات المجتمع المدني وفرق الصليب الاحمر اللبناني، حيث تواصلت الخطوات العملية والاجتماعات التنسيقية والندوات التوعوية.
وتقوم الخطة الرسمية على تفعيل “اللجنة الموسعة لإدارة الكوارث والأزمات” لغرفة عملياتها عبر تشكيل ثلاث لجان، الأولى: مهمتها الاشراف على تطبيق العزل الذاتي للمواطنين وتوعيتهم حول الوقاية، والثانية مسح وتقييم الامكانات والموارد الطبية والوقائية المتوافرة، والثالثة تكليف البلديات في كل القرى والبلدات الجنوبية بعد تزويدهم لوائح أسماء، متابعة حالات الحجر الذاتي للمواطنين الذين قدموا من بلاد انتشار الوباء، وذلك بناء لقرار مجلس الوزراء القاضي بتكليف المحافظين بمتابعة الموضوع ومجرياته.
توازياً للخطة، تواصلت الاجراءات الوقائية لمواجهة تفشي فيروس “كورونا”، واتخذت خطوة جديدة في سراي صيدا الحكومي تتمثل بارتداء الموظفين للكفوف، بعد الكمامات والتعقيم، في إجراء احترازي لمنع تفشيه، خصوصاً عبر المعاملات الرسمية الورقية، فيما شدد محافظ الجنوب منصور ضو على “تطبيق جميع الموظفين الاجراءات الصحية الكفيلة بحمايتنا ومكافحة كورونا في آن، عبر استخدام عبوات المعقم التي ستوضع جانب ساعات البصم لتوقيت العمل وأمام مداخل الإدارات كافة، ووضع الكمامات واستخدام القفازات”.
ونظمت “مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة” بالتعاون مع الصليب الأحمر اللبناني ورش عمل ومحاضرات توعوية شملت مدراء مدارس ومرشدين صحيين ودور حضانة، على صعيد الجنوب وموظفي مؤسسة كهرباء لبنان وجمعيتي “رعاية اليتيم وجامع البحر الخيرية”، بينما قدم الصليب الأحمر محاضرة توعية مماثلة لموظفي جمعية جامع البحر الخيرية، والعاملين في مستشفى دار السلام للرعاية الاجتماعية في منطقة شرحبيل – صيدا، وتضمنت سبل الوقاية والحماية من هذا الفيروس بالنسبة لمسني الدار.
في المقابل، فإن اشتداد الأزمة المعيشية دفع إلى إعادة النبض إلى “الحراك الاحتجاجي” بعد فترة من الهدوء والاستراحة، ترقباً لما ستؤول إليه التطورات السياسية والاقتصادية والتي جاءت مخيبة للآمال، خصوصاً لجهة موقف رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب الأخير والذي ألمح فيه إلى التنصل من تحمل المسؤولية في حماية اللبنانيين، رغم توضيحه أنه سيحمل مع الحكومة كرة النار، ومصمّم على معالجة المشكلات المزمنة وعلى الإنتقال بلبنان إلى مفهوم الدولة.
وأكدت مصادر مسؤولة لـ “نداء الوطن”، أن بعض المصارف في صيدا بدأت بإبلاغ زبائنها من المودعين وبشكل حاسم وغير قابل للتغيير، عدم تمكنها من دفع الدولار الأميركي مطلقاً، أو أن السحوبات المالية باتت شهرية وفقاً لقيمة ودائع الزبائن، في مؤشر سلبي لبلوغ الأزمة المالية ذروتها، بعد إجراءات إدارات المصارف تحديد السحوبات المالية كل اسبوعين، في وقت انعكست فيه أزمة شح الدولار، على العمال الأجانب، حيث يواجهون صعوبات في تلقي رواتبهم بالدولار، مما يمنعهم من تحويلها إلى عائلاتهم خارج البلاد، وقد بدأ كثير من الصيداويين بإنهاء عقودهم، خصوصاً مع عاملات المنازل، بسبب عدم الرغبة بدفع رواتبهم الشهرية بالدولار، علماً أن عدد العاملين في المدينة يبلغ نحو 20 ألفاً من ضمن 280 ألفاً من العمال والعاملات الأجانب في لبنان، قدموا من الدول الآسيوية والأفريقية على مر السنوات الماضية.
وقال البنغلادشي “حسين” وهو ناطور مبنى سكني في مدينة صيدا، ويستعد لحزم حقائبه والعودة الى بلاده بعد اربع سنوات أمضاها في المدينة عاملاً بين مبنى وآخر، لـ “نداء الوطن”، إن راتبه المتواضع بالليرة اللبنانية لم يعد يكفيه للعيش في لبنان، ولم يعد بمقدوره توفير المال وتحويله إلى الدولار الأميركي لإرساله إلى ذويه بعدما كان يفعل ذلك حين كان سعر صرفه ثابتاً على 1515 ليرة، مضيفاً أن الذي “زاد الطين بلة” ودفعه أكثر للتصميم على مغادرة لبنان، القلق الذي يعيشه من احتمال تفشي فيروس “كورونا”، حيث يكون العمال الأكثر عرضة لذلك، في ظل عجزهم عن القيام بكل ما يتوجب عليهم من اجراءات وقائية، والنتيجة: “غلاء ومرض، الوضع لم يعد يطاق”.
توازياً، إستعاد حراك صيدا نشاطه الاحتجاجي، وعاد ناشطوه إلى الشارع للتعبير عن رفضهم تردي الأوضاع، في ظل إقفال الجامعات والمدارس والمعاهد، ونظموا في غضون أربع وعشرين ساعة مسيرتين احتجاجاً على خطاب دياب، انطلقتا من “ساحة الثورة” عند “تقاطع إيليا”، تحت شعار “رفضاً لحكومة وخطاب حسان دياب الذي لا يمثلنا وكرمال الفقر، والبطالة، والجوع، وأزمة الدولار، والفساد وكرمال بلدنا رايح على الإنهيار وكرمال ما بدنا نموت على بواب المستشفيات، نحن باقون بالشوارع وبالساحات ليلاً ونهاراً حتى نعيش بكرامة في هذا البلد”، وجابت المسيرتان شوارع المدينة مروراً بأحيائها، وهتف المشاركون ضد حكومة دياب وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمسؤولين في السلطة، مؤكدين استمرار تحركاتهم حتى تحقيق مطالبهم المشروعة.