Site icon IMLebanon

خوجة: 3 محاولات لاغتيالي في لبنان أنهت علاقتي بنصرالله

تحت عنوان: «التجربة: تفاعلات الثقافة والسياسة والإعلام»،يصدر قريباً عن دار جداول، مذكرات وزير الثقافة والإعلام السابق السفير الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة.

وتتناول المذكرات مسيرة خوجة في العمل العام بدءاً من جامعة الملك عبدالعزيز أستاذاً في الكيمياء وصولاً إلى وزارة الثقافة والإعلام، مروراً بعمله الدبلوماسي في سفارات تركيا وروسيا والمغرب ولبنان. وسلطت المذكرات الضواء على العمل الإنساني الذي أنجزته المملكة في تلك الدول ومواقفها السياسية. وعرج خوجة في مذكراته التي جاءت في 277 صفحة، على الشخصيات التي عمل معها مستحضراً الكثير من القصص النادرة والمشوقة، فضلاً عن حياته الخاصة وحياة أسرته ودراسته في الكثير من الدول.

ولم تخلُ مذكرات خوجة من المواقف العصيبة، وتحديداً في محطتي بيروت وأنقرة اللتين شهدتا استهداف السفراء والدبلوماسيين، بل إن خوجة تعرض لمحاولات اغتيال متعددة، وكشف أن الأجهزة الأمنية اللبنانية أبلغته بأن 3 سيدات يحملن أحزمة ناسفة كلَّفهن متطرفون في منطقة نهر البارد بتنفيذ عملية لاغتياله داخل السفارة، ثم وردت معلومة عن فقد أثرهن، وأن عليه توخّي الحذر.

وأضاف: كنت قبلت دعوة أسرتي للعشاء مساء ذلك اليوم، ولم أرد أن أثير القلق بخبر التهديد، وبعد تردد قررت أن أذهب بالأسرة إلى مطعم يمكن توفير حراسة جيدة فيه، وتوكلت على الله، وحصنتهم بالأذكار، وخرجنا. وما كدنا نجلس إلى الطاولة حتى جاء النادل ليستأذنني في رغبة 3 سيدات بالسلام علي، وقبل أن آذن له كنّ في طريقهنّ إليّ. وكان معي محمد شويل سكرتيري للعلاقات العامة.

لنا أن نتصور «الفجعة» وما اعتراني من خوف على أسرتي التي زججت بها في أتون هذه المغامرة القاتلة، وما مر بعقلي وذاكرتي من حكايات مرعبة، لكن المحمدين، شويل ومحمد ابني، عادا ليطمئناني. فالسيدات اللواتي أتين لم يكن يرتدين ما يمكن أن يخفي حزاماً ناسفاً، وكنّ فعلاً مجرد فتيات لطيفات أردن السلام علينا. أما الانزعاج الذي حدث فسببه أن مظهرهن لم يرضِ زوجتي بالطبع. وهان الأمر، فقد كان انزعاج زوجتي الحبيبة أهون من الاحتمال الذي تخوفت منه.

3 محاولات اغتيال سلمني الله تعالى من شرها؛ في واحدة منها اكتشفت الأجهزة الأمنية سيارة مفخخة بالقرب من منزلي، وعرفت بمحاولة أخرى حين اتصل بي الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وكان رئيساً للاستخبارات، قائلاً: «هناك طائرة تنتظرك في المطار، غادر فوراً.. لدينا معلومات مؤكدة عن مؤامرة لاغتيالك». كانت تلك المحاولات نهاية علاقتي المباشرة بحسن نصرالله.

من جهة أخرى، لم تغب ممارسات الإخوان العدوانية وعنجهية قطر عن مذكرات خوجة، الذي نقل عن رئيس عربي -لم يذكر اسمه- سر العدوان القطري على مصر: «قال لي الأمير حمد بن خليفة بأنه سيهدم مصر فوق رأس الرئيس حسني مبارك». وأوضح خوجة أن الرئيس العربي روى هذه القصة باستياء وتخوف بسبب محبته لمصر وحرصه على العرب، وقد أثبتت الأيام أن مخاوفه في محلها، فقد ثبت دعم قطر لجماعة «الإخوان» ومن لف لفها قبل ثورة 25 يناير وبعدها من أجل الانقضاض على الدولة المصرية.

وعن قطر أيضاً، قال الدكتور خوجة: «مساهمة قطر بعد حرب تموز في إعمار لبنان أقل بكثير من مساهمة المملكة، لكن الدعاية القطرية – الإيرانية خطفت الأضواء للأسف. وكان واجبي كسفير يقتضي إعادة توجيه البوصلة الإعلامية، فاستجبت لاقتراح صديقي الوزير غازي العريضي بأن أزور الجنوب متفقداً الناس ومسار المساعدات، وقد رحب الرئيس نبيه بري بهذه الزيارة التي حققت أصداء طيبة سلطت الأضواء على دور المملكة الكبير والإيجابي».

خوجة: الملك سلمان لا يحب المراوغين

وعن علاقة الدكتور عبدالعزيز خوجة بالملك سلمان بن عبدالعزيز، قال: «لم أعمل مع الملك سلمان كملك إلا سفيرا، حين عدت بأمر منه إلى المغرب. وقبل ذلك حين كنت وزيرا للإعلام كان هو وزيرا للدفاع ثم وليا للعهد، لكن، في مراحل عملي في الدولة، سواء في وزارة الإعلام أو في وزارة الخارجية، كنت على تواصل دائم بالأمير (الملك) سلمان، وكانت كل تجاربي معه ودية وإيجابية، وأظنني كنت محل محبته واحترامه وثقته ولله الحمد، والحقيقة إن هذا الرجل خلاصة تجربة لا تتكرر، فقد تربى على يد الملك عبدالعزيز، وكان عونا لكل ملوك المملكة من بعد الملك المؤسس، كما كان الملك سلمان دائماً ملجأ الأسرة، وملجأ مؤسسة الحكم، لحل القضايا المعقدة.

يمتاز الملك سلمان بأنه إداري حازم ومحنك، يؤمن بأن أقصر الطرق بين نقطتين هو الخط المستقيم، والإنجاز هو أهم معاييره الإدارية. لذلك لا يحب السياسات المراوغة، ولا الشخصيات المراوغة أو الضعيفة. وأهم صفة في سلمان بن عبدالعزيز إنساناً وأميراً ووزيراً وملكاً، أنه إذا قال لك إن هذا الأمر سيحدث، فتأكد أن حدوثه مسألة وقت حتما وقطعا، وإذا قال لك إن هذا الأمر لن يحدث فتأكد أنه لن يحدث أبدا. وهنا أؤكد أنه كان يحيطني دائماً بالرعاية والنصح والتوجيه في كل مراحل مسيرتي المهنية.

الملك عبدالله لـ«بشار»: أنت كذاب كذاب كذاب

أوضح الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة أنه يمكن تلخيص قصة المملكة مع بشار الأسد على النحو التالي:

منذ وفاة حافظ الأسد، كان للمملكة تحفظاتها على بشار، لكنها تغاضت عن هذه التحفظات من أجل الحفاظ على سورية. قدمت كل الدعم لبشار من أجل تثبيت حكمه، وعندما نال ما أراده اتجه إلى إيران.

كان الملك عبدالله يمقت الكذب، وفي آخر زيارة لبشار للمملكة، قال له -أمام الأمراء سلطان ونايف وسلمان وبندر بن سلطان: «أنا أعرف عمك قبل والدك، ثم عرفت والدك، الفرق بينك وبين والدك، أن حافظ صادق، لكن أنت كذاب كذاب كذاب». فمنذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري إلى اندلاع الثورة السورية كذب بشار في كل وعوده للمملكة بالابتعاد عن إيران وبعدم المس باستقرار لبنان.

وقال خوجة: عند اندلاع الثورة السورية، تعهد بشار للمملكة بالاستجابة لمطالب الناس والابتعاد عن إيران، وتعهد بعدم سفك الدماء، ومحاسبة كل من اعتدى على المدنيين العّزل، لكنه كذب مجدداً، فقاطعته المملكة، وحين بدأ في قصف المدن وقتل الناس، وسلم بشار قراره كليّاً لإيران اتخذ الملك عبدالله قراره النهائي بأن بشار لا يستحق فرصاً جديدة.

خوجة يكشف سر السيارة المظللة ولقاءات نصرالله

أوضح الدكتور عبدالعزيز خوجة أنه كان يركب في سيارة مظللة بالكامل، للقاء حسن نصرالله، إذ تذهب السيارة إلى كاراج تحت بناية في الضاحية الجنوبية، وهناك يغير السيارة، ثم يتجه إلى كاراج بناية ثانية، ويغير السيارة مجدداً، ويتجه إلى البناية موقع الموعد، وينزل في كاراجها تحت الأرض ثم يستقل المصعد إلى الدور الذي سيلتقي فيه نصرالله.

وأضاف: كنا نعتقد، وكذلك حلفاؤنا اللبنانيون، أن «حزب الله» ليس إيرانيا تماماً، بل له بعد لبناني وعربي يجعلنا نقف معاً وجميعاً على أرضية مشتركة أيّاً تكن مساحتها، لكن بعد اغتيال الرئيس الحريري وبعد حرب تموز وأحداث أيار بالذات اكتشفنا أن «حزب الله» ليس حليفاً لإيران في لبنان، بل هو إيران نفسها، وربما كان أسوأ ما في إيران.

«الأمريكان دخلوا الحرم»!.. كذبة «إخونجية»

وأشار خوجة إلى أنه حين قام صدام حسين بغزو الكويت، انتشرت دعاية في تركيا مصدرها «الإخوان» وحلفاء العراق، بأن المملكة أدخلت القوات الأمريكية إلى الحرم، ذهبت حينها إلى نجم الدين أربكان، وكان زعيماً إسلامياً له شعبية جارفة، وخصوصاً في قونية، وقلت له إن الدعاية مغرضة وكاذبة وغير صحيحة، فألقى أربكان مشكوراً خطبة عصماء وسط آلاف الجماهير تؤيد المملكة وتفند الأكاذيب، وكان أثرها طيباً جدّاً في تركيا عموماً.

خوجة: أنصح هؤلاء ألاّ يعملوا مع محمد بن سلمان

تحدّث خوجة عن علاقته بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، قائلاً: عملت مع الأمير محمد بن سلمان حين كان وزير دولة وعضو مجلس الوزراء في عهد الملك عبدالله، ثم عملت معه وليّاً لولي العهد ثم وليّاً للعهد.

الأمير محمد رجل عملي جدّاً، لديه ملكات القيادة، وأخذ الكثير من صفات والده العظيم، ويحسب له أنه وهب نفسه وكل جهده وكل وقته للدولة وللعمل العام، لقد تشرّفت بالسفر مع سموه غير مرة، وأذكر في غير رحلة، لاحظت أن الوفد المرافق للملك سلمان، عندما كان وليّاً للعهد، كان يتنزه أو يستريح في أوقات الفراغ والراحة، في حين يواصل الأمير محمد عمل الدولة بلا كلل أو ملل.

وخلص خوجة للقول: «أنصح كل من يعتقد بأن العمل العام تشريف لا تكليف، بأن لا يعمل مع محمد بن سلمان. وأنصح كل من لا يعمل 25 ساعة كل 24 ساعة بأن لا يعمل مع محمد بن سلمان».

اكتشفنا الفكر الإخواني في «تربية مكة»

أوضح خوجه أنه عندما عاد من رحلته الدراسية في برمنغهام بعد أن أنهى الماجستير في تخصص الكيمياء بتفوق 1970، تم تعيينه أستاذاً في كلية التربية بمكة المكرمة، وكان عميد الكلية وقتها الدكتور حسن خفاجي، وبعد عام عُين خوجة عميداً للكلية.

وأضاف: «كنت ألتقي الشيخ محمد متولي الشعراوي، الأستاذ في كلية الشريعة، حينها، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ محمد علي الصابوني. وكان يجمعنا مجلس السيد أمين عطاس، بعد مغرب كل يوم. وفي ذلك الوقت، كان الكثيرون من رموز جماعة الإخوان المسلمين يعملون أساتذة في كليَتي التربية والشريعة، وقد لاحظ الدكتور عبدالوهاب أبوسليمان عميد كلية الشريعة وأنا، أن هؤلاء يبثون فكراً لا يتناسب مع منهج المملكة المعتدل، فرفعنا هذا الأمر إلى مدير الجامعة الدكتور أحمد علي وإلى أمينها الدكتور محمد حبشي، مطالبين بإلغاء عقودهم، وحين جاءت الموافقة، وصلت القضية إلى مرجعية عليا في الدولة، فأصدرت قرارها بإعادتهم لأسباب سياسية، وقد تعرضنا بعد ذلك لحملة تنكيل كبيرة من «الإخوان»، تجاوزت حد تشويه السمعة، لكن، ولله الحمد، تجاوزنا هذه المحنة جميعاً؛ لأن اتهاماتهم كلها كانت ملفّقة».

ما قصة اتصال الملك فهد وإعفاء رئيس تحرير عكاظ؟

كشف الدكتور عبدالعزيز خوجة قصة اتصال الملك فهد به عندما كان – يرحمه الله- وليا للعهد وقال: «كانت السنوات الثماني التي عملت فيها وكيلا للشؤون الإعلامية في وزارة الإعلام، فترة ثرية جدا، أغنت تجربتي، وتعلمت من الوزير الدكتور محمد عبده يماني الكثير وكنت أدير الإعلام بإشراف الوزير وبصلاحيات مطلقة».

واستطرد خوجة قائلا: خلال تلك الفترة، هاتفني الأمير فهد -آنذاك- وأبلغني قراره بإعفاء رئيس تحرير «عكاظ» رضا لاري: «لا أريد قراءة اسمه في الصحيفة غدا»، هاتفت وزيري الدكتور محمد عبده يماني وأبلغته بتوجيه ولي العهد، وكنت محرجا من إبلاغ رضا لاري، فإذا بالوزير يثبت المهمة علي: «الأمير هاتفك ولم يهاتفني، لذا عليك تنفيذ المهمة»، اتصلت بلاري وقلت: «يا رضا حرام عليك، هكذا تستقيل ونحن بأمس الحاجة إليك»، رد لاري منفعلا: «أنا لم أستقل»، فأكدت له:«استقالتك أمامي، وأنا حزين جدا لأننا قبلناها، ولانريد اسمك في الصحيفة غًدا». طبعا، روى رضا هذه القصة لكل الصحفيين والكتاب والأصدقاء، وأصبحت تُروى كمضرب مثل إلى يومنا هذا.

من أين جاء لقب «خوجة» وما علاقته بتركيا؟

قال خوجة إنه الابن السادس لوالده محيي الدين خوجة، إذ ولد فجر يوم الإثنين، أول جمادى الآخرة 1361هـ الموافق 16يونيو 1942م. وأضاف:كان أبي وأخي الأكبر زياد بأحد المقاهي في أطراف حي المسفلة، وعادا بعد الفجر ليجداني قد جئت إلى الدنيا وقد ولّدتني داية مشهورة جاوية (أي من إندونيسيا) معروفة في مكة. توجه الجميع إلى أبي بالسؤال: ماذا ستسميه؟ فأجاب بلا تردد: سميته عبدالعزيز تيمناً بالملك عبدالعزيز. نشأت في الحي المكاوي المعروف، جرول، قريباً من بيت جدي لأمي عثمان قزاز، وكنا في أشهر الصيف نتوجه نحو الطائف. وقال خوجة إنه ابن أسرة متوسطة الدخل كريمة المكانة في مكة المكرمة، مضيفاً: كان جدي عبدالله فارس محمد يوسف الحسيني، قد سافر إلى إسطنبول (الأستانة) في نهاية القرن التاسع عشر، حيث اكتسب لقب «خوجه»، وهو لقب يطلق على المعلم وعالم الدين. أرسله أبوه محمد يوسف ليتعلم هناك، وانقطعت به الأسباب فعمل عند ترزي تركي فتعلم الخياطة منه، خلال الدراسة، كما عمل مراسلاً لجريدة تركية، باسم قاري فارس محمد يوسف. وعندما عاد إلى مكة في أوائل القرن العشرين، كانت الظروف الاقتصادية صعبة جداً، والمسؤوليات ثقيلة، فأبناؤه صغار ويتعلمون في المدرسة الصولتية، وقد عمل في مجال الخياطة، المهنة التي اشتهرت بها العائلة، وعلمها لأبي وإخوته محمد وكمال وفتحي، فأتقنوها وعُرفوا بها.

نصر الله: الحريري وقّع وثيقة موته وجنبلاط «بيضة القبان»

وحول علاقة حسن نصرالله بالقيادات اللبنانية قال خوجة: لقاءاتي المطولة مع نصرالله أتاحت لي معرفة بعض آرائه في الشخصيات اللبنانية، فعلاقته مع رفيق الحريري ظاهرها الصداقة والود، وباطنها الحذر والتوجس، قال لي بالحرف: «رفيق الحريري وقع على وثيقة إعدامه حين أمر بنزع سلاح المقاومة سنة 1993، ومن حسن الحظ أن قائد الجيش وقتها إميل لحود لم يتجاوب معه». علاقته الحقيقية بوليد جنبلاط يمكن اختصارها بهذه الجملة: «بيضة القبان التي لا يمكن الوثوق بها، لذلك يجب أن يظل مخنوقا على الدوام». وعلاقته بالرئيس نبيه بري أيضا يمكن اختصارها في كلامه: «لا يمكن أن أستغني عن نبيه بري، لكنني -أيضا- لايمكن أن أنسى أنه خلال الحرب الأهلية أرسل لي شاحنة معبأة بجثث رجالي».

سعود الفيصل.. سر صرخته وأغنية محمد عبده التي أطربته

وتطرق الدكتور عبدالعزيز خوجة في مذكراته إلى الأمير سعود الفيصل كثيرا، إذ وصفه بالشخصية الفريدة، مستحضرا الكثير من مواقفه، وكاشفا عن اهتمامه بالثقافة والشعر، إذ بين أنه يحفظ الشعر وأجزاء طويلة من أدبيات شكسبير.

وكان خوجة أول سفير عينته المملكة في الاتحاد السوفييتي، وما إن وصل إلى موسكو حتى انهار الاتحاد، فعاد إلى الرياض بأوراق اعتماده الموجهة إلى ميخائيل غورباتشوف، ليستبدلها بأوراق اعتماد أخرى لرئيس روسيا بوريس يلتسين، وقال «دخلت على الأمير سعود الفيصل حاملا ملفاتي، ففوجئت به يصيح بي: أنت عملت إيه؟. فارتبكت ولم أحر جوابا، فضحك قائلاً: فككت الاتحاد السوفياتي وجيت؟. وهدأ من روعي بلطفه المعهود».

وفي موضع آخر أضاف خوجة: «كان الأمير سعود يفرح إذا قرأ لي قصيدة جديدة، وحين غنى لي محمد عبده قصيدة (لقاء الساعتين) وكنت وزيرا للإعلام، دعاني الأمير إلى منزله، وشغل الأغنية بنفسه وطرب لها، وكان الأمير تركي الفيصل حاضرا وشاهدا وسعيدا».

وعن اهتمام الأمير سعود الفيصل بالثقافة، قال خوجة: «ذات مرة، طلب مني أن يلتقي المفكر المغربي محمد عابد الجابري، فرتبت ذلك وحضرت لقاءهما، وقد فوجئت بأن الأمير اطلع بدقة على مشروع الجابري الضخم (نقد العقل العربي) واطلع كذلك على رد جورج طرابيشي عليه، واستمر النقاش بينهما لساعات، وحين انتهى اللقاء قال لي الجابري: الأمير سعود الفيصل مثقف فريد من نوعه. وقد صدق الجابري، فسعود الفيصل يفاجئك دائما، حين يقتبس في نقاشاته باستشهادات لا تخطر على بالك، وأذكر أنه فاجأني بأنه يحفظ مقاطع طويلة من أدبيات شكسبير، وكان من يرى سعود الفيصل يعمل يظن أن لا وقت لديه لأي شيء آخر، لكنه يذهلك بأن قراءاته لا تتوقف ولا حدود لغزارتها وتنوعها».