كتب علي زين الدين في “الشرق الاوسط”:
بلغ «الماراثون» المالي اللبناني أمتاره الأخيرة مع ترقب إفراج رئيس الحكومة حسان دياب خلال 48 ساعة عن القرار النهائي الخاص باستحقاق الشريحة الأولى من سندات الدين الدولية مطلع الأسبوع المقبل بقيمة 1.2 مليار دولار، من إجمالي 4.6 مليار دولار تستحق هذا العام موزعة بين أصول بقيمة 2.5 مليار دولار وفوائد متوجبة بنحو 2.1 مليار دولار على كامل السندات البالغة نحو 30 مليار دولار، والممتدة آجالها تباعاً حتى عام 2037.
وتترقب الأسواق المحلية والخارجية باهتمام استثنائي خلاصة الاستشارات المكثفة التي يواصلها فريق العمل الحكومي، بمعاونة شركتين استشاريتين دوليتين وباستشارة بعثة صندوق النقد الدولي. وأكد مسؤول مصرفي كبير لـ«الشرق الأوسط» أن «القرار العتيد يتعدى في مضمونه وأبعاده الإصدار المستحق في 9 مارس (آذار) الحالي، لأنه سيوضح أسس الاستراتيجية المالية التي ستعتمدها الحكومة لإدارة كتلة الدين العام التي تخطت 92 مليار دولار. فضلاً عن كتلة تناهز 70 مليار دولار تمثل توظيفات وإيداعات الجهاز المصرفي لدى البنك المركزي».
ووسط لغط كبير نتيجة الإشاعات بشأن التوجهات المتداولة على أعلى المستويات وسلسلة الاجتماعات بمشاركة الفريق الوزاري الاقتصادي وحاكمية البنك المركزي وجمعية المصارف، أوضح المسؤول المصرفي أن المشاورات القائمة والمرجح تواصلها بكثافة خلال الساعات المقبلة الفاصلة تطرقت إلى «سيناريوهات» متعددة، بهدف إرساء خيار نهائي يوازن بين عجز الدولة عن مقابلة كامل الاستحقاقات ربطاً بأولوية حصر استخدامات احتياط العملات الصعبة البالغ نحو 29 مليار دولار في تغطية المستوردات الضرورية، وبين السعي لعدم الاصطدام بالمؤسسات الأجنبية الدائنة.
وأضاف بري: «مرة أخرى؛ المسّ بالودائع من المقدسات. وأغلبية الشعب اللبناني، وكذلك المجلس النيابي، ترفض رفضاً مطلقاً الدفع المسبق، والمطلوب دعم الحكومة من قبل الجميع لهذا الموقف ولو أدى إلى التعثر». كذلك نفى وزير المال غازي وزني ما ذكرته وكالة «رويترز» بأنه قدم مقترحاً بمبادلة السندات مع تعديل في الفائدة وتطويل مدة السداد.
وفي المقابل، نقلت وكالة «المركزية» عن جهات مصرفية أن «الكيل بدأ يطفح من حملات السياسيين الرسميين والحزبيين ومن الإعلام الدائر في فلكهم على خلفية تشويه صورة القطاع المصرفي واتهامه بإخفاء الأرقام والتلاعب بها، في حين أن الحقيقة تكمن في أن الحكومة ووزارة المال هي التي تقوم بذلك بغطاء من مجلس النواب وتحاول الإفلات من محاسبة الناس والرأي العام باتهام القطاع المصرفي بشقيه (مصرف لبنان) و(المصارف التجارية) زوراً».
وقال مرجع مصرفي: «أيجوز للحكومة ومجلس النواب اللذين يضعان الموازنات ويقرّانها دون قطع حساب أن يوجها أصابع الاتهام إلى المصارف التي تنشر موازناتها السنوية وتدفع على أساسها الضرائب للدولة، وتخضع لرقابة الجهات الرسمية كما للمساهمين والجمعيات العمومية؟ وهل يجوز لمن يخفي الأرقام الحقيقية للعجز في موازنات الدولة من خلال ألاعيب تأجيل الدفع وعدم إدراج كثير من القروض التي حصلت عليها الدولة من الدول والصناديق ومستحقاتها في الموازنات، أن يتهم القطاع المصرفي بعدم الشفافية والتلاعب بالأرقام وإخفائها؟».
وتبين، وفقاً لمصادر مشاركة في الاجتماعات، أن «المصارف المحلية أبدت استعدادها لتحمل جزء من التكلفة المترتبة على عدم قدرة الدولة على تسديد كامل المستحقات، على أن يكون القرار المتعلق بالسندات المستحقة لهذا العام ولكامل محفظة الديون بالدولار؛ من ضمن معالجة عقلانية ومتكاملة توزع الأعباء بشكل متوازن، وتضمن عدم تعريض لبنان لمساءلات قضائية دولية. والتشديد على التوصيات المزمنة لصندوق النقد بأولوية الشروع في إصلاح مالي هيكلي للموازنة يضمن تصحيح الاختلالات الحادة في جانبي الإنفاق والإيرادات. إضافة إلى ضرورة إعادة هيكلة موارد الخزينة التي تتعرض لانتكاسة تقارب نسبتها 50 في المائة».
ويرجح في ضوء المعلومات المستقاة من المصادر المشاركة، أن تظهر الحكومة نية جدية بفتح قنوات التفاوض مع الدائنين الأجانب الذين يستحوذون على نحو 10 مليارات دولار وسطياً من محفظة «اليوروبوندز»، والتركيز خصوصاً على حصصهم من مستحقات العام الحالي والعام المقبل أصولاً وفوائد. مما يتيح مهلة طويلة لتمكين البلاد من الانخراط في خطة إنقاذ متكاملة، يؤمل أن تحظى بدعم خارجي بعد رفدها بقبول نصائح المؤسسات المالية الدولية، وذلك بديلاً لطلب المعونة المالية من صندوق النقد والخضوع لبرامجه المعهودة التي تلقى معارضة داخلية من أطراف فاعلة.
وقد يكون التأخير في إعلان القرار الحكومي مرتبطاً، وفقاً للمسؤول المصرفي، بتأمين تغطية سياسية مكتملة من المراجع الرئاسية والحرص على عدم إثارة تأويلات ملتبسة تسبب مضاربات أكثر حماوة في السوق المالية التي تعاني أصلاً من إرباكات تصاعدت بشكل مثير في الأسبوع الماضي ووصلت معها متوسطات الأصول إلى ربع قيمها الاسمية؛ أي 25 سنتاً لكل دولار. إنما التمادي في التأخير تحول إلى عامل إرباك إضافي ترجمته سوق القطع باقتراب سعر الدولار من عتبة 2700 ليرة، بموازاة فوضى عارمة في أسعار الاستهلاك، حيث ارتفعت أسعار بعض السلع المستوردة بنسب قاربت 100 في المائة.