Site icon IMLebanon

إستيلاء سياسي وحزبي على طبّ “اللبنانية”

كتبت مريم مجدولين لحام في “نداء الوطن”:

لا داعي للمؤهلات العلمية والسيرة الذاتية المميزة، يكفي أن تنتمي إلى حركة “أمل” أو إلى “التيار الوطني الحر” كي يتم تعيينك أو تكليفك بمهام رئاسة أقسام أكاديمية، وفي لائحة رؤساء الخدمات في كلية العلوم الطبية في الجامعة اللبنانية. فقد أصدر رئيس الجامعة اللبنانيّة الدكتور فؤاد ايوب بتاريخ 25 شباط 2020 قراراً يحمل الرقم 452، أفضى إلى تعيين اثني عشر استاذاً من مستشفى الزهراء ينتمون إلى حركة “أمل” وأساتذة آخرون يعملون في مستشفى الجعيتاوي ومنتسبون لـ”التيار الوطني الحر”.

إستندت تعيينات أيّوب التي حيّدت عدداً كبيراً من الاساتذة المرموقين في المجتمعات العلمية، إلى قرار مجلس الجامعة المحلول من قبله -36/1825- والذي يمنحه تفويضاً للبت في “الحالات الخاصة” التي تُرفع من الكليات، وبعد أن جرت العادة بانتخاب رؤساء الأقسام من قبل الأساتذة تغيرت الأوضاع هذه المرّة، إذ طلب رئيس الجامعة من عميد كلية الطب بطرس يارد أن يرفع أسماء كل أعضاء الأقسام ليختار أيّوب رؤساء من بينهم، وإذ ويا “للمصادفة” يختار تشكيلة من موظفي مستشفيي الجعيتاوي والزهراء.

محاسن الصدف

يبدو أن “الصدفة تصنع المعجزات” بالفعل. فقد صودف أن يكون عميد كلية الطب بطرس يارد مديراً في مستشفى الجعيتاوي، وبالصدفة نفسها يشغل رئيس مجلس إدارة مستشفى الزهراء الدكتور يوسف فارس منصبي مساعد العميد يارد ومستشار الرئيس أيوب! وفي تسليط الضوء على تقاطع المصالح وتضاربها بين الثلاثة المعنيين بالتعيينات والمكلّفين، لا ينكر أحد منهم ذلك. الأمر المريب الذي أدى إلى استنفارعدة مجموعات طلّابية واضعين اللوم بطبيعة الحال على “رأس الهرم”، فما كان من أيّوب إلا أن تهرّب من المسؤولية وأوضح لهم أن الأسماء التي كُلّفت قد تم اقتراحها ورفعها الى رئاسة الجامعة من قبل عميد الكلية البروفسور يارد، وأنه قد اختار منها “عرضاً” و “بالحظ” مجموعة من حزبين سياسيين ومستشفيين يترأس مستشاره أحدهما والعميد يدير منصباً في الآخر.

وحول الموضوع قالت إحدى الطالبات المنتميات لحركة “الطلاب المستقلين” في الكلية لـ”نداء الوطن”: “تعددت الأسباب والموت واحد، لا تعنينا الأسباب ما دامت النتيجة كانت واحدة، وفي معادلة “تقسيم الجبنة” نحن الضحايا”. وأكملت: “لقد تم تكليف أطباء بناء على انتمائهم الحزبي والطائفي لا على أساس خبرتهم في العمل الأكاديمي ونشاطهم وجهودهم في الكلية، وهو الأمر الذي لم ينكره مكتب رئاسة الجامعة حتى اللحظة، وبالتالي نحن كطلّاب اخترنا أن ننأى بأنفسنا عن أي تقاذف للمسؤوليات وتصفية للحسابات قائمة في ما بينهم، ما يهمنا أولاً وأخيراً هو مصلحتنا كطلاب. نحن من يدفع ثمن محاصصاتهم ومحسوبياتهم وعليه لن نسكت على هذه التعيينات التي يبدو أنهم لن يتراجعوا عنها. أما جلّ ما نريده هو حقنا بإبعاد الصفقات الواضحة والمبنية على المحاصصات الحزبية والطائفية عن كليتنا وجامعتنا الوطنية”، وعما إذا سيكون للطلاب تحرك قالت: “سيعقد رؤساء الأقسام السابقون اجتماعاً في خضم الأسبوع للبحث في تبعات القرار وطرق تغيير الواقع الذي تم فرضه، بعدها سيتم التنسيق معهم في أيّ تحركٍ لاحق”.

رأي تكتل الطلاب

أما تكتل طلاب اللبنانية فقد تبنى بياناً صاغته مجموعة من الطلاب والأطباء في كلية العلوم الطبيّة الذين كانوا جنوداً في محاربة الوباء العالمي “كورونا” في مستشفى الحريري، تأسفوا فيه كيف وضعت كليتهم “بين سندان الشّلل الذي يصيب جسمها الاداري وبين مطرقة التعيين السياسي، الذي يبدو انه لم ينل القسط الكافي من لظى الغضب الشعبي وارتفاع منسوب عدم الرضى عن النزعات الاستئثارية لدى أحزاب السلطة”. معتبرين أن في قرار التعيين “طابعٍ فرماني يعكس حالة التفرد التي آلت إليها مجريات اتخاذ القرار الإداري في الجامعة اللبنانيّة، في ظل اعتماد الرئيس فؤاد ايوب صلاحيات حصريّة موسعة لنفسه، لم يستند بأي شكل من الأشكال إلى معايير أكاديمية واضحة تحدد الاساتذة الذين يحق لهم رئاسة الأقسام، بل اتى خلافاً لذلك، ليؤكد على أن القرار السياسي في الجامعة ما زال يرجّح الكفة العليا”. أما صلب مشكلتهم مع التعيينات فكانت أن المواقع التي اكتُسبت بأمر سيادي من رئيس الجامعة، “تفترض وجود الاساتذة من أصحاب الكفاءات الأكاديمية العالية، والمؤهلات الموضوعية، التي تشتمل، مثالاً لا حصراً، عدد الاوراق العلميّة المنشورة في رصيد كلٍّ منهم واتصالاتهم بمراكز التخصص العالمية”. وتساءلوا: “هل يعقل ان يكون القرار 452 قد راعى هذه الخواص وقد أفضى عن تعيين اثني عشر استاذاً من مستشفى واحد وحزب واحد؟ كما عن تحييد عدد كبير من الاساتذة المرموقين في المجتمعات العلمية والذين آثر جزءٌ كبيرٌ منهم تقديم استقالته؟”.

عليه، وجدوا أن القرار 452، “بما يحمله من موجبات قانونية مزعومة، هو في الصلب محاولة التفاف على القانون لتمرير مشروع تفريغ سياسي جديد لكليّة العلوم الطبيّة، وهو إذ يستند الى مطالعات ممسوخة من الدوائر القانونية في الجامعة، فهذا يعني بالضرورة أنّه ليس سوى استكمال للمسارات الملتوية التي امعنت في نهش جسد الجامعة اللبنانية تحت غطاء القوانين “غب الطلب”، وهو مرفوض جملةً وتفصيلاً”. وفي الختام توجهوا “الى كل من تسول له نفسه التطاول على كليّة العلوم الطبيّة، لنقول لهم انكم لن تمرّوا من هنا، فهذه الكليّة لطالما كانت صرحاً أكاديمياً يرتقي إلى المستويات العالمية، ولن نسمح ان تحيلها التدخلات السياسية الى فضاءٍ من المحسوبيات والتنفيعات”.

هذا وقد تواصلوا مع الأساتذة الذين تمت إقالتهم من مناصبهم فاستقالوا كالدكتور وجدي أبي صالح والدكتور إيلي شمّاس، اللذين أكّدا لهم أن اعتراضهما على قرار التعيينات “لم يأتِ من دوافع شخصيّة إنّما كانت مصلحة الطلاب والجامعة هي الهدف الأول والأخير”، وأن سبب استنكارهما فكان لثلاثة أسباب أولها التوقيت، “فالقرار الذي يحمل تغييراً كبيراً في الكادر التعليمي، صدر في منتصف العام الدراسي ما سيؤدي بالضرورة إلى الفوضى”، وثانيها الكفاءة، “فعلى الرغم من كفاءة البعض ممن عُيِّنوا، لا يتحلى آخرون بأيّ خبرةٍ أكاديميّة ومنهم من لم يسبق له أن أعطى محاضرة واحدة لطلاب الكليّة، فكيف يُصبح فجأةً في موقع رئاسة قسم؟”، وثالثها التوزيع، الذي برأيهما، “يطرح العديد من الشكوك ويطعن في صدقية من اختار الأسماء”. بوادر حل

“هي مجزرة” كما وصفها مؤسس كلية الطب الدكتور منير أبو عسلي الملقب بـ”المدافع الشرس عن جامعة الفقراء”. فمن الطبيعي أن يستنكر ما حدث، وكيف لا وهو الذي منع عمل الخلايا الحزبية في الكلية أيام الحرب الأهلية ورفض تسييس القطاع التعليمي حينها، وهو المعروف بمتابعته للكلية وإن غادرها منذ العام 1994. وفي اتصال هاتفي معه كشف أبو عسلي لـ”نداء الوطن” عن اجتماعه برئيس الجامعة لمدة ساعة ونصف الساعة، تباحثا خلالها في موضوع إقالة رؤساء الأقسام المشهود لكفاءتهم العلمية في منتصف السنة، وبشكل يمكنه أن يُفهم كما لو أنه “إجراء تأديبي”، واستبدالهم برؤساء جدد على معيار مذهبي وسياسي، وقال: “كي لا تأخذ التعيينات الحالية صفة الإستمرارية وعدنا الرئيس أيوب بأنه سيجتمع بالأطباء الكفوئين الذين تمت إقالتهم لحل الأمور، كما سيباشر في موضوع منح الألقاب الأكاديمية للمستحقين كي يصار الى تعيين مجالس تمثيلية ونباشر منها إلى انتخابات بحسب الشروط والأنظمة المرعية الإجراء”.

على المقلب الآخر، ضجت وسائل التواصل الإجتماعي بالتغريدات المستنكرة، فغرّد عضو كتلة الكتائب النائب الياس حنكش عبر حسابه على “تويتر” كاتباً: “إن تعيينات الجامعة اللبنانية الاخيرة تدل على أن منطق المحاصصة الحزبية والمذهبية الذي يساهم سنة تلو الأخرى بتراجع الجامعة الوطنية أكاديمياً وإدارياً، ما زال قائماً. ورأى أن الحل يكمن في لامركزية الجامعة وإعادة هيكلتها وتعزيز استقلالية مجلسها”. وكتب الطالب باسم سليمان: “من كان له دور أكاديمي ودور في تطوير كلية الطب في الجامعة اللبنانية يُعزل من منصبه على حساب آخرين يمتلكون مؤهلات سياسية لا أكاديمية”.

 

وقال التلميذ يوسف فرنسيس: “عندما يُستبدل أهم اساتذتنا بأشخاص لاعتبارات سياسية وطائفية فهذا تأكيد جديد أن كليتنا هي صورة مصغرة عن الدولة، التي ينخر في مؤسساتها الفساد والمحسوبيات الطائفية والحزبية واقصاء الأشخاص المناسبين لتعويم أصحاب الولاء الحزبي. إن قرار رئيس الجامعة اللبنانية مرفوض وكنا نتوقع منه بخاصة بعد الثورة التي اجتاحت الطرقات لتطالب بقطع يد الفساد، ان يستمع لصوت الناس ويبدأ بتطهير الجامعة اللبنانية من كل المشاكل الحزبية والطائفية التي تحول دون تطوير الجامعة بالشكل المطلوب. وإذ أتت النتيجة على العكس. لقد سكتنا عن تقصيركم بحق الجامعة بكل فروعها، ولكن أن يصل الأمر إلى تطبيق سياسة السلطة الفاسدة في كليتنا و “على عينك يا تاجر” وتتسببوا باستقالة أهم أطباء الكلية فهو شيء مرفوض ألف مرة!”. ويقول الدكتور جهاد منصور: “أسفي على وطني المحكوم من عصابات طائفية كل همها مصالحها الخاصة ضاربة بعرض الحائط هم الوطن والمواطن”. كما طالب حساب يحمل اسم “كلية الطب مش حزبية” وزير التربية طارق المجذوب ورئيس مجلس الوزراء حسّام دياب، “بوضع اليد على موضوع رؤساء الأقسام ورد الأيادي السود عن كلية العلوم الطبية لتبقى كلية ريادية”.