كتب ألان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:
لم تتبدّد المخاوف الشعبية منذ اندلاع ثورة 17 تشرين في أن تستخدم السلطة الحاكمة الجيش والقوى الأمنية وتضعهما في مواجهة الشعب الثائر، وذلك لمنع أي حركة إعتراضية وعدم السماح لها بالوصول إلى تحقيق مطالبها.
منذ اليوم الأول لإندلاع الثورة، يتفادى الشعب الدخول في مواجهات مع القوى الشرعية، لا بل كان يهتف لها ويقول إنه يتظاهر للمطالبة بحقوق عناصرها وحقوق جميع شرائح المجتمع.
في المقابل، لا يُحسد أي من قادة الأجهزة الأمنية على المواقف التي يوضعون فيها، فمن جهة لا يمكنهم عصيان أوامر السلطة السياسية والتمرّد عليها، ومن جهة ثانية ليسوا في وارد الدخول في مواجهة مع الشعب وسحق الثورة، لأن تركيبة الأجهزة الأمنية اللبنانية مختلفة كلياً عن أجهزة الأنظمة العربية والشرق أوسطية القمعية، وبالتالي فإن هذه الأجهزة هي جزء من الشعب.
ومع استعادة التحركات الشعبية لحيويتها، ينتظر الجميع كيف سيكون ردّ فعل الشارع في حال استمرت موجة الغلاء “القاتلة”، وتردّي الوضع الإقتصادي أكثر، في وقت تسجّل بعض المناطق تحركات شعبية لا تزال تحافظ على سلميتها.
وفي السياق، فإن الخوف الأكبر عند الأجهزة الأمنية هو من ردّ فعل الشارع إذا ما تمّ اتخاذ التدابير الموجعة التي تحدّث عنها رئيس الحكومة حسّان دياب وخصوصاً إذا تمثّلت هذه التدابير بفرض ضرائب جديدة على الطبقات الفقيرة والمتوسّطة، علماً أن ضريبة “الواتساب” كانت العامل المفجّر لثورة 17 تشرين، فكيف الحال إذا تمّ فرض ضرائب جديدة الآن.
وإنطلاقاً من كل هذه المعطيات، ووسط غياب التوافق السياسي والمباشرة بخطوات إصلاحية، فإن الأجهزة الأمنية تستعدّ لمواجهة الأسوأ، فالتقارير تحذّر منذ أشهر من إندلاع ثورة الجياع، وما انتشار ظاهرة الفقر إلا عامل جديد يُصعّب مهمّة الأجهزة ويجعلها في مواجهة مباشرة مع الشعب، علماً أن التململ واليأس يضرب كل شرائح المجتمع اللبناني ولا يُفرّق بين مدني وعسكريّ. ولا يرغب أي جهاز أمني الدخول في مواجهة مع الشعب، ويُنقل عن بعض قادة الأجهزة تأكيدهم أن المشكلة هي سياسيّة وإقتصادية ومعيشيّة ولا تُحلّ بإستعمال العصا الأمنية لأن من تواجهه هو الشعب اللبناني وليس عدواً خارجياً.
وفي السياق، فإن رمي “كرة النار” المتدحرجة على الأجهزة الأمنية هي محاولة لحرق البلد حسب الأمنيين، خصوصاً أن أساسات الدولة إهتزّت ولم يبق سوى المؤسسات الأمنية ككيان موجود يحافظ على ما تبقّى من هيبة الدولة، وبالتالي فإن إدخال هذه المؤسسات في آتون النزاعات الداخلية ستكون له إنعكاسات سلبية ليس على المرحلة الحالية بل على المستقبل.
وعلى رغم كل المحاذير والأخطار التي قد تواجه عمل الأجهزة في المستقبل، فإن التأكيدات أن الأجهزة لن تكون آداة لقمع الثورة، بل إنها مستمرة بعملها مثل اليوم الأول لإندلاع الثورة، ووفق مبدأ: “نحمي حريّة التظاهر والمتظاهرين ونمنع الإعتداء على الأملاك العامة والخاصة”، وبالتالي فإن هذا المبدأ يحمي عمل الجيش والقوى الأمنية، فمن جهة لا تستطيع القوى السياسية الضغط على الأجهزة لقمع الثورة بالقوّة، ومن جهة ثانية تتسلّح الأجهزة بهذا المبدأ من أجل فتح الطرقات وعدم إقفالها مجدداً تحت عنوان “حماية حريّة التنقّل”. لا تتحمّل الأجهزة الأمنية وحدها مسؤولية إخماد الثورة، إذ إن نزول الناس بكثافة إلى الشوارع والساحات يُسهّل مهمة الثوّار وعندها لا يستطيع أحد إيقافهم، في حين أن التوقعات هي أن ترتفع حركة الإحتجاجات الشعبية في الأيام المقبلة على رغم خطر “كورونا”، على أن تنفجر الأمور إذا تمّ اتخاذ تدابير موجعة تزيد من معاناة الشعب اللبناني وتجعله تحت خطّ الفقر.