كتبت راجانا حمية في صحيفة “الأخبار”:
رسمياً، انتقل لبنان من مرحلة الاحتواء إلى مرحلة الانتشار. لم يعد الأمر عابراً. لبنان في مرحلة «الهلع» اليوم مع تسجيل عدّاد كورونا 6 إصابات جديدة، إصابتان منها على الأقل «محلية» المصدر. أمس، بدأت مرحلة جديدة من المواجهة مع الفيروس، فإما تستسلم البلاد أو تنتصر والنتيجة رهن بجرأة الدولة في اتخاذ القرارات بعيداً عن الشعبوية، كما هي رهن بمدى تجاوب الناس
«نحن خرجنا من مرحلة احتواء الفيروس ونشهد اليوم انتشاراً له (…) وهناك ثلاث إلى أربع حالات مجهولة المصدر». بهذه العبارة، أعلن وزير الصحة العامة، الدكتور حمد حسن، رسمياً، دخول لبنان المرحلة الثانية من المواجهة مع فيروس كورونا. فمع تصريح حسن، الذي أطلقه أمس من مستشفى البوار الحكومي، انتهت مرحلة الاحتواء للفيروس وبدأ لبنان معركة جديدة مع الكورونا، إما يخرج رابحاً منها أو مستسلماً. وما يحدّد توجّه المعركة اليوم هما عنصران أساسيان لا ثالث لهما: إجراءات الدولة العاجلة وتحملها لمسؤولياتها في ظل هذا الظرف الدقيق، ومن ناحية أخرى تحمل المواطنين لمسؤولياتهم أيضاً والتزامهم بالتعليمات والإرشادات، وخصوصاً أولئك الآتين من الدول والمناطق المصنّفة موبوءة. ما دون هذين العنصرين، فإن لبنان مقبل على مرحلة لا تُحمد عقباها.
أمس، وخلال زيارته لمستشفى البوار الحكومي، خرج حسن عن المسار الذي كان قد سلكه طوال الفترة التي رافقت دخول الكورونا البلاد. انتقل بمستوى «نشراته» اليومية إلى درجة أعلى من التحذير، فرضتها تطورات «غير محسوبة» شهدتها الساعات الثماني والأربعون الماضية. فقد تبيّن خلال هذه الفترة أن بعض الحالات المصابة بالفيروس «تسرّبت إلى لبنان من بلدان غير مصنّفة على أنها موبوءة، بحيث أصبح الوضع دقيقاً»، ما يستوجب أخذ الأمور «بجدّية أكثر وبحذرٍ أكبر».
وبمناسبة «النقلة» نحو الانتشار، بات وزير الصحة اليوم متصالحاً مع «خوف الناس وقلقهم»، من دون أن يرفع هذا المستوى إلى درجة «الهلع»، كون هذا الأخير «يُضعف مناعتنا وقدرتنا وقوتنا وبالنتيجة يُضعف مقاومتنا للفيروس». لكن، كيف يمكن أن يتجاوب المواطنون مع طلبٍ كهذا في ظلّ ما يجري حالياً، خصوصاً مع تسجيل عدّاد كورونا إصاباتٍ جديدة؟ فكيف يمكن طرد الهلع مع تسجيل هذا العدّاد حالات شبه يومية؟ والتي بلغت ذروتها أمس مع تسجيل 6 إصابات جديدة أعلن عنها مستشفى بيروت الحكومي في تقريره، ليصبح عدد الإصابات «المثبتة إيجاباً» 22 إصابة: 21 منها في مستشفى بيروت الحكومي، فيما الحالة الـ22 لا تزال موجودة في مستشفى بصاليم، ولم يجر نقلها إلى «الحكومي». وبحسب المعلومات، فإن هذه الحالة تعود إلى شخص «لم يختلط مع أحد من المصابين بالفيروس أو المشتبه في إصابتهم، كما أنه لم يكن قد سافر سابقاً إلى أي بلد، وهو مدرس في أحد المعاهد وقد اختلط في الأيام الماضية بأساتذة زملاء»، وهو ما يعزّز فرضية الانتشار مع تحول الفيروس إلى «إنتاج محلي»، أي أنه لم يعد مستورداً.
أما بالنسبة إلى الحالات الخمس المتبقية التي سُجّلت أمس، فتعود واحدة منها إلى شخص اختلط مع المصاب الذي كان موجوداً في مستشفى المعونات (الذي أتى من مصر)، وحالتان أخريان اختلطتا مع المصابة الآتية من بريطانيا (وهما الأم والعاملة المنزلية) وحالة أخرى كانت قد أتت على متن الطائرة التي أتت من إيران في العشرين من الشهر الماضي وحالة سادسة «غير متعاونة ولا تصرّح مع من تخالطت»، بحسب مصادر وزارة الصحة. ووفق هذه المصادر أيضاً «فإنه إذا استمر ظهور حالات محلية المصدر، فنحن أمام الخطوات الأولى نحو الانتشار، ولكن الأمور إلى الآن لا تزال تحت السيطرة». ولكن «في حال لم يحمل اللبنانيون المسؤولية والتنبه إلى سبل الوقاية الشخصية، كما الالتزام بالتعليمات، فنحن أمام أزمة».
إلى ذلك، وتماشياً مع الوضع المستجد، اتخذت لجنة «التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس كورونا» جملة مقررات وتوصيات بصفة العجلة، تاركة للجهات المعنية قرار التنفيذ. ومن المقررات «استمرار التزام المؤسسات التعليمية الرسمية والخاصة بكافة مراحلها (مدارس ومعاهد وجامعات) والحضانات بالإقفال حتى الرابع عشر من الجاري، وإغلاق مراكز الترفيه والمعارض والمسارح والمؤتمرات وغيرها». كما جدّدت اللجنة الطلب «من جميع المواطنين تفادي الأماكن المكتظّة والتجمعات والالتزام بالإرشادات الصحية الصادرة عن وزارة الصحة العامة، بما في ذلك التواصل مع المراجع الدينية لمعالجة موضوع الاكتظاظ في دور العبادة والمرافق التابعة لها». ومن جهة أخرى، أعادت تعميم الإجراءات الصادرة عن وزارة الأشغال العامة والنقل والمديرية العامة للأمن العام المتعلقة بحركة الدخول والخروج من وإلى لبنان عبر كافة المعابر، جوية وبحرية وبرية، والطلب من المديرية العامة للطيران المدني التواصل مع «IATA» لتوضيح الإجراءات المعتمدة في ما يتعلق بالـ«كوافيد 19» في مطار بيروت الدولي.
وفي هذا الإطار، يشير رئيس اللجنة الوطنية لإدارة الكوارث ورئيس لجنة التدابير والإجراءات لفيروس كورونا، اللواء الركن محمود الأسمر، إلى «أننا نقوم بكل التدابير اللازمة مع كافة الوزارات ولكن على الناس أن تتجاوب، لأن ما يحدث اليوم ليس مزحة». أما بالنسبة إلى الإجراءات المفترضة في ما يخصّ الدول الجديدة على لائحة الوباء، فلفت إلى أنه إلى الآن لا تعاميم غير تلك التي اتخذت، ولكن «عيننا اليوم على مصر وفرنسا وغيرهما من الدول التي كثرت فيها الإصابات وسنبدأ ببعض الإجراءات بحق تلك التي بدأت تسبب لنا الخطورة». من جهة أخرى، أشار إلى أن «العمل جار أيضاً على المعابر الحدودية، حيث باتت هناك نقطة ثابتة لوزارة الصحة بالتعاون مع منظمة اليونيسف للكشف على العابرين».
لكن، في مواجهة هذه الإجراءات، ثمة وجهة نظرٍ أخرى تقول بأن «وعي الدولة في ما يخص أزمة الكورونا كان بمثل وعي طفل، هلأ بلش يمشي هلأ بلش يحكي». فالدولة بحسب هذا الفريق «لم يكن لديها الحس المجتمعي لإدارة تلك الأزمة، وكانت الإجراءات موضعية في بعض الحالات وأقرب إلى الشعبوية، فيما المطلوب اليوم أن يكون الوعي أكبر وأن تأخذ خطوات أكثر جرأة وأكثر حسماً وأكثر سرعة». لكن، ما يجري اليوم أن «سرعة انتشار المرض أكبر من سرعة ما تقوم به الدولة»، وما فعله الوزير اليوم أنه «نقل الكرة إلى مجال ذعرٍ أوسع». المطلوب اليوم «التحرك بشكلٍ أكثر حزماً كي لا نصل إلى مرحلة الغرق».
وكان الوزير حسن قد أجرى أمس جولة تفقدية للمستشفيات الحكومية، في إطار التحضير للخطة «ب». وكانت محطته الأولى في مركز التلقيح الحدودي التابع للوزارة عند نقطة العريضة الحدودية، للاطلاع على التدابير المتخذة لجهة الفحوص الاحترازية للوافدين الى لبنان. ومن ثم توجه إلى مستشفى الدكتور عبدالله الراسي الحكومي في حلبا، حيث أعلن من هناك بأن «مستشفيات بدأت تستقبل حالات مشتبه في أنها كورونا للحجر والعزل الاحترازي». وفي إطار التحضير لاستقبال الحالات المشتبه فيها في عكار، يعمل مستشفى الراسي على تجهيز قسم خاص يضم 10 أسرّة للحجر الاحترازي بعضها معزول لاستقبال اي حالة طارئة مشتبه في أنها كورونا للحجر عليها، على أن تُنقل «الحالات المثبتة بالكورونا إلى مستشفى بيروت الحكومي».
من «عبدالله الراسي» إلى مستشفى البوار الحكومي، حيث ختم جولته بمؤتمرٍ صحافي، أكد فيه أن «المستشفيات الحكومية هي خط الدفاع الثاني بعد العائلة والمنزل، وقد انتقلنا إلى الحجر الاستشفائي الإلزامي». كما أعلن عن 3 قرارات اتخذها مجلس الوزراء أمس في ما يخص حماية الأمن الصحي الاجتماعي، منها «اتخاذ قرار بالإجماع في جلسة مجلس الوزراء بتجديد عقود لبعض المراقبين الصحيين والغذائيين في المطار وعلى الحدود البرية»، كما أنه «سمح بشراء خدمات للمستشفيات الحكومية التي أبدت استعدادها وتجاوبها مع فتح أقسام للحجر للمواطنين المشكوك في إصابتهم بفيروس كورونا أو الذين سجلت إصابة أحد أفراد عائلاتهم بالفيروس».
لم تختلط الحالة التي سجّلت في مستشفى بصاليم مع أي أحد مصاب بالفيروس ولم تكن قد سافرت إلى أي مكان
على صعيد آخر، أمل حسن ألا «يلقي السياسيون أو المجتمع الحجج ويكيلوها لغيرهم، لأنه ليس هكذا تدار الأمور، فعندما نقارب صحة المواطن والأمن الصحي كل تصريح لمسؤول يجب أن يكون على درجة عالية من الدقة».
وبالعودة إلى تقرير مستشفى رفيق الحريري الحكومي، فقد استقبل «خلال الساعات الـ24 الماضية 87 حالة في قسم الطوارئ المخصّص لاستقبال الحالات المشتبه في إصابتها بفيروس كورونا المستجد، خضعت جميعها للكشوفات الطبية اللازمة، وقد احتاجت 20 حالة إلى دخول الحجر الصحي استناداً إلى تقييم الطبيب المراقب، فيما يلتزم الباقون الحجر المنزلي». كما أجريت الفحوص المخبرية لـ127 حالة، جاءت نتيجة 121 سلبية. وتجدر الإشارة إلى أنه «ما زالت حالة المريضين المصابين بالفيروس المستجد (أحدهما) من التابعية الإيرانية و(الثاني هو) المنقول من مستشفى سيدة المعونات حرجة، في حين أن وضع باقي المصابين الـ19 مستقر، وجميعهم يتلقون العناية اللازمة في وحدة العزل».
سجال وزارة الصحة و«المعونات»
بعد تصريحات إدارة مستشفى سيدة المعونات حول «تقاعس» الوزارة في ما يخص الكشف على إحدى الحالات التي كانت موجودة لديه، ردّت وزارة الصحة على المستشفى، متسائلة عن السبب الذي جعل الأخير «يهمل المريض»، علماً أنه مستشفى جامعي رائد، فـ«لماذا لم يوفر بإمكاناته الخاصة وسائل التحليل المخبري كغيره من المؤسسات الجامعية؟ أليس هذا من واجباته؟». وأكدت الوزارة أن «عدم التأكد الفوري بالإصابة بالكورونا لا يبرر التعاطي غير المهني والإهمال وارتكاب الأخطاء التي أدت إلى تدهور حالة المريض بشكل مأساوي».
ولفتت الوزارة إلى أنه كان من الأجدى «متابعة علاج المريض وليس ممارسة التهويل الإعلامي والسياسي للتخلص منه وتعريض حياته وحياة مسعفي الصليب الأحمر للخطر عبر نقله إلى بيروت»، علماً أنه «عند وصول المريض إلى طوارئ مستشفى الحريري كان في حالة اختناق مع تباطؤ في القلب (نبض 40) ونسبة تشبّع الأوكسيجين 50% وعدم وجود أنبوب التنفس في مكانه الصحيح. كما أنه لم يُرسل ملف المريض كما تقتضي الأصول بل استُبدل بتقرير مقتضب وغير مهني». واعتبرت أنه «آن الأوان لهكذا مستشفيات خاصة مرموقة استفادت على مدى سنوات من تمويل وزارة الصحة والجهات الضامنة الرسمية أن تتحمل كامل مسؤولياتها في أيام عصيبة يمر بها الوطن، حيث يواجه وباءً عالمياً سوف يتخطى عاجلاً أم آجلاً قدرة استيعاب مستشفى الحريري الحكومي الجامعي». بعد ردّ «الصحة»، جاء الرد من مستشفى المعونات الذي أكد أن «الإدارة التزمت التزاماً تاماً بتعليمات وزراة الصحة العامة لناحية الإجراءات الواجب اتخاذها عند استقبال مريض وافد من خارج لبنان ويعاني من أعراض قد تتشابه مع تلك الناتجة عن فيروس الكورونا، كما التزمت ببيان الوزارة الذي يفيد بأن المختبر الوحيد المعتمد للفحص هو مختبر مستشفى رفيق الحريري الجامعي، وأن أي نتيجة صادرة عن المختبرات (الخاصة) هي نتيجة غير معترف بها من قبل وزارة الصحة». وشدّدت على أنه «عند اشتباه الطاقم الطبي بعوارض فيروس كورونا عمل على عزل المريض ومتابعته وطلب نقله إلى مستشفى رفيق الحريري كما قام رئيس قسم الإنعاش بمرافقته في سيارة الصليب الأحمر التي جُهزت بجهاز تنفس خاص بالمستشفى، وقام الطبيب المذكور بمراقبته ومتابعته ليصل إلى وجهته مستقراً».