كتبت أنديرا مطر في “القبس”:
بعد 10 أشهر ونصف من “مانشيت القبس” في 22 نيسان 2019 “لبنان على شفا .. الإفلاس”، أعلنت الدولة اللبنانية رسمياً افلاسها بعد نحو عام من المكابرة التي فضحتها ثورة 17 اكتوبر 2019. عشية الاستحقاق الأول هذا العام لسندات الدين السيادية المعروفة باسم «اليوروبوند» وقيمتها 1.2 مليار دولار، اعلنت حكومة حسان دياب، للمرة الاولى في تاريخ لبنان وبالاجماع، قرارها بالتخلف عن تسديد الديون لعدم توفر الإمكانات واطلاق المفاوضات مع الدائنين، وذلك بغطاء رسمي من رئيسي الجمهورية والبرلمان، فيما الأنظار باتت متجهة الى ما بعد هذا القرار: خارجيا وداخليا. وهذه السابقة الخطيرة لن تمر من دون تداعيات على تصنيف لبنان وسمعته المالية، لا سيما أنه أتى امس من دون اتفاق مسبق مع الجهات الدائنة، وفي حال التوصل إلى اتفاق بين الدولة اللبنانية والدائنين يكون عدم الدفع منظماً ويجنب لبنان المقاضاة امام المحاكم الدولية.
اما على المستوى الداخلي، وبالرغم من ان المزاج الشعبي كان ميالا الى قرار عدم الدفع نظرا الى الازمة الاقتصادية والمالية المتفاقمة، غير أن القرارات الموجعة التي بشرت بها الحكومة والتي ستطول المواطن في يومياته وتفاقم معاناته قد تؤجج الانتفاضة وتدفع بالناس الى الشارع مجددا وانما من دون ضوابط هذه المرة. رئيس الحكومة اعلن القرار المصيري في خطاب مكاشفة من السراي الحكومي بعد جلسة ماراثونية في قصر بعبدا. وقال دياب في خطابه ان الدين العام أصبح أكبر من قدرة لبنان على تحمله وتسديد فوائده. فالإقتصاد أصبح قائما على فلسفة الاستدانة وتخطى مجموع الدين العام 90 مليار دولار، وأكثر من 40٪ من السكان قد يجدون أنفسهم قريبا تحت خط الفقر، لافتا إلى ان كل ألف ليرة من إيرادات الدولة، يذهب أكثر من 500 ليرة منها لخدمة الدين، بدل صرفها على الصحة، والتعليم، والبنية التحتية. وأضاف: إن احتياطياتنا من العملات الصعبة قد بلغ مستوى حرجاً وخطيراً، مما يدفع الجمهورية اللبنانية إلى تعليق سداد استحقاق 9 مارسمن اليوروبوند، لضرورة استخدام هذه المبالغ في تأمين الحاجات الأساسية للشعب، فكيف يمكننا أن ندفع للدائنين ونترك المستشفيات تعاني من نقص في المستلزمات الطبية؟».
واضاف إن قرار تعليق الدفع، هو السبيل الوحيد، لوقف الاستنزاف وحماية المصلحة العامة، بالتزامن مع اطلاق برنامج شامل للاصلاحات اللازمة. لافتا إلى ان الدولة ستسعى إلى إعادة هيكلة ديونها، بما يتناسب مع المصلحة الوطنية، عبر خوض مفاوضات منصفة، وحسنة النية، مع الدائنين كافة، وان حكومته باشرت بإعداد استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، ولبنان الغد سيرتكز أكثر وأكثر على القطاعات المنتجة مع تطويرالقطاع المصرفي، اذ ان لبنان لا يحتاج قطاعاً مصرفياً يفوق بأربعة أضعاف حجم اقتصاده.
وأضاف: “سنعمل على حماية الودائع في القطاع المصرفي خاصة ودائع صغار المودعين، لكن في الوقت الراهن، علينا وقف النزيف المالي». وقال دياب ان الرهان اليوم على قدرة اللبنانيين على خوض معركة استقلال جديدة، مشيرة إلى ان صرخة 17 اكتوبر كانت مدويّة في مواجهة الفساد الذي انهك كاهل الدولة، ففرض نفسه في السياسة، والاقتصاد، والإدارة العامة، واصبح فاجراً وقحاً. وقبيل الرسالة التي وجهها دياب الى اللبنانيين، تجمع عدد من الشبان المنتفضين أمام السراي الحكومي، وتم تعزيز الاجراءات الامنية في وسط بيروت تحسبا لانفلات الامور، حيث يعدّ المحتجون العدة لمواجهة أي تدابير قد تطولهم ويشددون على ان العلاج يجب ان يأتي باسترداد الاموال المنهوبة والمهربة وبمحاربة بؤر الهدر والفساد. ما بعد الإفلاس مصادر اقتصادية وصفت خطوة التخلف عن السداد بالخطيرة لأن عدم الاتفاق مع الدائنين قد يقود البلاد الى المجهول.
في الأثناء، لا يبدو أن العامل السياسي مفصول تماما عن الازمة الاقتصادية ولا عن إيجاد مخارج لها، وفق هذه المصادر التي أعربت عن مخاوفها من احكام قبضة محور الممانعة على لبنان اقتصاديا، بعد احكام قبضتها سياسيا. تتوالى المؤشرات في هذا السياق، ابرزها رفض خيار الاستعانة ببرنامج لصندوق النقد الدولي الذي كان سيشكل الفرصة الاخيرة لانتشال لبنان من الانهيار في ظل إحجام الدول المانحة عن ذلك.
والرفض عبر عنه حزب الله صراحة بذريعة عدم الانصياع للاملاءات الغربية فيما كان كل من رئيسي الجمهورية والحكومة، غير رافضين كليا الا انهما في المقابل غير قادرين على معارضة الثنائي الشيعي. واشارت المصادر الى انه بالتوازي مع تسديد الدولة قيمة الفوائد من اصل الدين المستحق والبالغ قيمته مليار و200 مليون دولار، قد يتم بالتوازي مع الطلب من الدائنين مهلة 6 اشهر لاستكمال المفاوضات حول اصل الدين. وبهذا يكون لبنان قد سلك مسار التعثر المنظم. وعين لبنان بنك الاستثمار الأمريكي (لازارد) ومكتب المحاماة (كليري جوتليب ستين اند هاملتون) لتقديم المشورة حيث باشر فريقا من المتخصصين بإدارة الديون السيادية من الشركتين بالتفاوض مع حاملي السندات الأكبرين وهما شركتا اشمور وفيدلتي.
حملَة السندات يكثفون جهودهم لتشكيل مجموعة تمثلهم قال مصدر مطلع إن حملة السندات اللبنانية يكثفون جهودهم لتشكيل مجموعة تمثلهم، بعد أن اعلنت الحكومة أنها ستتخلف عن سداد ديون. وقال المصدر، وهو عضو في المجموعة وطلب عدم ذكر اسمه، «أعتقد أنها (مجموعة الدائنين) ستجتمع قريباً».
وأضاف: «ندرك أن الحكومة تريد أن تتحلى بالتعقل وكذلك أغلب الدائنين. هم يتفهمون أن البلد في موقف صعب». واتسمت نقاشات المجموعة حتى الآن بطابع غير رسمي. وقامت شركتا جرايلوك كابيتال ومانجارت أدفيزرز بتنظيم مناقشات بين حاملي السندات ومستثمرين آخرين مهتمين. وقال عضو المجموعة لرويترز إن هناك مسعى لمعرفة آراء مستشارين قانونيين وماليين مع زيادة احتمال التخلف عن سداد الديون. وأضاف: «نعتقد أنه إذا جرى تناول الأمر بطريقة بناءة فقد نحقق شيئاً». وكان لبنان عيّن بنك الاستثمار الأميركي (لازارد) ومكتب المحاماة (كليري جوتليب ستين اند هاملتون) لتقديم المشورة.