ترأس رئيس أساقفة طرابلس وسائر الشمال للروم الملكيين الكاثوليك المطران ادوار ضاهر، قداسا احتفاليا في كنيسة النبي ايليا الغيور في شكا، لمناسبة الصوم الكبير، وبعد الانجيل المقدس، ألقى ضاهر عظة تمنى فيها “ان يتمكن اللبنانيون من التغلب على كل الصعوبات التي تواجههم، خصوصا الازمتين الاقتصادية والمعيشية، وانتشار ما يعرف بفيروس كورونا”، مشددا على “ضرورة الوحدة بين اللبنانيين واحترام الدور الذي يقوم به الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى في حفظ أمن الوطن والمواطنين، إضافة الى الحفاظ على وحدة الصف اللبناني ومشاركة جميع أطياف المجتمع في إيجاد حل للأزمة الراهنة”.
وقال: “في هذا الأحد المبارك، تكرم الكنيسة الشرقية الذخائر المقدسة. وقد أمر بإقامة هذا العيد المطوب الذكر البطريرك مكسيموس الثالث مظلوم سنة (1843) الاحتفال به وجمع وألف القطع التي تتلا في هذا الاحتفال”.
أضاف: “إن الكنيسة، عندما وضعت في الأحد الثاني تكريم الذخائر المقدسة، أرادت تذكير الإنسان بأنه مقدس. وعندما تأملنا في تكريم الأيقونات الأحد السابق، رأينا أن الإنسان هو أجمل أيقونة صنعها الله، وأنه صورة الله ونافذة على السماء للآخرين. في هذا الأحد، تحث الكنيسة المؤمن وتذكره بأن جسده هو هيكل الروح القدس. فحين نقف أمام ذخائر قديس، نشعر بعظمة وخوف ووقار. لنتأمل كم هو عظيم ومقدس هذا الجسد الذي نحمله في حياتنا. فنحن نحمل فيه نعمة الروح القدس الذي حل فينا في سر المعمودية والتثبيت”.
وأردف: “أيها الأحبة، القديسون أكرموا الله في أجسادهم، التي تقدست بالأسرار المقدسة وأعمال التوبة والتقشف والإماتة والصوم والسهر والصلاة. فهم مثالنا في مسيرة الصوم المقدس، ويستحقون إكرامنا لهم. ولهذا يقام هذا العيد ويطاف بالذخائر المقدسة في هذا الأحد.
وذخائر القديسين توضع في المذابح والهياكل لدى تكريس الكنائس الجديدة، ولا يجوز إقامة الليتورجية الإلهية عادة إلا على هيكل يحوي في داخله ذخائر القديسين. أو على قطعة من القماش تعرف “بالأنديميسون” وتحتوي على إحدى الذخائر.
كما في الأحد الأول من الصوم أكرمنا الأيقونات المقدسة. وفي هذا الأحد الثاني نكرم الذخائر المقدسة. وفي الأحد الثالث القادم نكرم الذخيرة المقدسة التي تفوق الذخائر كلها، أعني ذخيرة عود الصليب المكرم. ونقيم الطوافات في هذه الآحاد، لكي ترافقنا في مسيرة الصيام نحو أسبوع الآلام وأفراح القيامة المجيدة”.
وتابع ضاهر: “أما إنجيلنا اليوم فيخبرنا عن بعض اليهود الذين أتوا بمخلع إلى يسوع طالبين، طبعا، أن يحله ويخلصه من عاهته الجسدية. لكن يسوع التفت بشكل غريب إلى هذا المخلع – والشلل أوضح الأمراض ظهورا للعيان – وكأنه لم ير إلا المرض الذي اهتم هو أن يشفيه، وقال للمخلع: “مغفورة لك خطاياك”، ففوجئ اليهود.
تترك لنا هذه الأحداث أسئلة عديدة. ما مفهوم يسوع للخطيئة الذي جعله يتجاهل الحاجة الجسدية ويركز على المرض الروحي؟
لكل إيمان مسيرة وغاية، والإساءة إلى ذلك هو الخطيئة. يحدد القديس سيرافيم ساروف غاية الإنسان المسيحي ب”اقتناء الروح القدس”، لذلك كل ما يعوق هذه المسيرة هو خطيئة.
على كفة هذا الميزان يجب أن نزين الرشوة، والمصلحة، وسائر الرغبات…وليس على موازين عقلانية أبناء هذا الدهر. هذه هي خطيئتنا الكبيرة، كما تقول الرسالة اليوم، أنه إن كان الذين قد أهملوا بشارة جاءت على لسان ملائكة قد أدينوا، “فكم هي خطيئتنا نحن، إن أهملنا خلاصا كهذا” رافضين أن نسعى في طلب النعمة؟.
انطلاقا من هذه النظرة إلى الخطيئة ندرك لماذا أراد المسيح أن يغفر لذلك المخلع خطيئته قبل شفاء أعضائه. بنظرة عقلانية فقط نستطيع أن نتساءل بحق ما هي دواعي الصوم، فهو تعذيب للجسد، أو لماذا الصلاة التي قد تبدو بلاهة، ولكن إن كنا نطلب النعمة الإلهية، فالسؤال يعكس ويصير لماذا لا نصوم، ولا نصلي، ولا نسهر؟ هذه هي صرخة القديس غريغوريوس بالاماس اليوم، أن نتحدى العقلانية ساعين وراء النعمة، وذلك بالصوم والسهر والصلاة، متعالين فوق عالم المنطق الدنيوي. “فالبار بالإيمان يحيا”، حتى إذا ما تقبلنا بالطهارة النعمة الإلهية، ندرك ونستحق كلمة المسيح:
يا بني مغفورة لك خطاياك، وها قد عوفيت فلا تعد تخطئ”.
أضاف: “إخوتي، هؤلاء الحاملون المخلع هم القديسين الذين يحملوننا في صلاتهم، ويحموننا بحضورهم في ذخائرهم المقدسة ليقدمونا للمسيح لكي يشفينا. ونحن أيضا ذخائر حية في الكنيسة نحمل بعضنا البعض في الصلاة والصيام، ونقدم بعضنا البعض إلى المسيح طالبين منه الخلاص ومغفرة خطايانا والشفاء من شلل نفوسنا وأجسادنا. فلنجعل تأملنا وصلاتنا في هذا الأسبوع من أجل تقديس أجسادنا والبيئة التي نعيش فيها، ولنتذكر دوما قول القديس بولس: “أما تعلمون أن أجسادكم هي هياكل للروح القدس”.