شدد تيار “المستقبل” على أن “الأولوية في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ لبنان يجب أن تتوجه نحو اخراج البلاد من محنتها الاقتصادية والمالية، وأن تستعيد الدولة ثقة اللبنانيين بدورها ومؤسساتها الدستورية والإدارية”.
وأضاف، في بيان: “ويقع في سلم الأولويات في هذا المجال انصراف كافة القوى السياسية إلى اجتراح الحلول والتوقف عن هدر الوقت وإضاعة الفرص في حلبات السجال السياسي والإعلامي وإلقاء تبعات الأمور على السياسات الاقتصادية وعلى النموذج الاقتصادي الذي اعتمده لبنان، وذلك بمنأى عن المسار الطويل للأزمات الأمنية والسياسية التي شهدها لبنان. وهو الأمر الذي يفترض ان يكون محل التزام الجهات المسؤولة في السلطة من أعلى الهرم الدستوري في البلاد إلى سائر المؤسسات المعنية بترجمة قرارات الدولة”.
وقال: “لقد حاولنا طوال السنوات الأخيرة ان نعمل على خط التلازم بين الاستقرار السياسي والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وكانت لدينا الجرأة الوطنية للقيام بمبادرات تخالف المزاج العام لكثير من اللبنانيين ولجمهور عريض من تيار “المستقبل”، وانطلقنا من ان مصلحة لبنان يجب ان تتقدم على المصالح الفئوية والطائفية، وألّا سبيل للنهوض من جديد تحت وطأة الانقسام العمودي الوطني والمذهبي. ويبدو ان هذه الروحية في مقاربة المسائل الوطنية لا تتوافق مع روحيات الاستئثار والاستقواء والنهم للسلطة والشراهة في اقتناص المواقع والأدوار، فانقلبت الأحوال على الصورة التي يعرفها اللبنانيون وصار الشعب في وادٍ وكل الدولة برموزها وقواها وأحزابها في وادٍ آخر”.
وتابع التيار: “خرجنا من السلطة بأمل ان تتاح أمام البلاد فرصة الخروج من سياسات التعطيل والتضليل، وأن تفتح بين اللبنانيين صفحة جديدة يكون فيها للمنتفضين والمنتفضات في الساحات دور في رسم المستقبل السياسي للبنان. لكن حال الاعوجاج والهروب إلى الماضي ما زالت تتحكم، مع الأسف، بسلوك الكثرة من القابضين على زمام السلطة، أو حديثي النعمة في ممارستها، الذين تستهويهم لعبة تلطيخ الصفحات البيض من السياسات السابقة لتبرير كافة الصفحات التي كتبت بحبر الخروج على الدستور والقانون والعيش المشترك بين اللبنانيين”.
وأردف قائلا: “نحن، وبكل بساطة، نستطيع أن نفهم العقد السياسية والنفسية والشخصية لدى بعض رجال السياسة والسلطة، التي نشأت عن الدور المميز للرئيس الشهيد رفيق الحريري في تاريخ لبنان، ولكن لا يمكن لأي عاقل أن يفهم جدوى استخدام هذه العقد في حملات متواصلة لتحريف التاريخ وممارسة أعلى درجات الكيدية السياسية تجاه الخط الذي يمثله رفيق الحريري. وقد ساءنا أن تنضم أصوات مستجدة من خارج المنظومة الكيدية التقليدية إلى تلك الحملات، وأن تتخذ من إعلان قرار استثنائي يتعلق بمواجهة مأزق مالي مصيري، مناسبةً للانقلاب على النموذج الاقتصادي اللبناني، والتحريض على السياسات الاقتصادية، كما لو انها كيان قائم بذاته، معزول عن السياسات العامة للدولة وعن المسار الطويل لتعطيل المؤسسات ومسلسل الحروب والأزمات التي اندلعت في الداخل والمحيط”.
ورأى أن “المحاولات الجارية لتبرير الأخطاء المتراكمة في إدارة الشأن العام أو لتمرير بعض القرارات والإجراءات التي تهربوا من اتخاذها لشهور وسنوات، من خلال العودة إلى تحميل السياسات الاقتصادية والمصرفية تبعات الانهيار الذي آلت اليه الأمور، يشكّل قمة التهرب من المسؤولية التي تقع على كاهل الطاقم السياسي بكل فصائله وامتداداته الداخلية والخارجية، وأن التغافل عن هذا الجانب الأساسي من الصورة لا يعني أن اللبنانيين سيتوافدون الى الساحات ليقدموا شهادات براءة ذمة لأهل الحكم والسياسة عن كل السنين الماضية”.
واعتبر التيار أن “نعي النموذج الاقتصادي اللبناني على الصورة التي جرت، أمس الأول، يشكّل طعنة رعناء في صدر الهوية الاقتصادية للبنان ودوره الطليعي على هذا المستوى في كل المنطقة. والمشكلة تصبح في هذا النطاق أبعد بكثير من سداد الدين العام أو تعليق سداده لضرورات وطنية “.
وأشار إلى أن “تعليق السداد او عدمه سيان، خارج رزمة متكاملة من الإجراءات المالية والنقدية والاقتصادية. والدائنون الذين تنوي الحكومة مفاوضتهم على اعادة الجدولة سيكون سؤالهم الاول، وربما الوحيد: أين خطة الطوارئ، وأين رزمة الإجراءات. وهو نفسه سؤال جميع اللبنانيين، باستثناء من تكافل على تشكيل الحكومة ومنحها الثقة “.
ولفت إلى أن “اللبنانيين ينتظرون خطة متكاملة لا تتوقف عند سداد الدين المستحق أو تعليق السداد لأن الأزمة تجاوزت هذه الاستحقاقات وما يُبنى عليها من قرارات شعبوية لا تأخذ في الاعتبار الارتدادات المالية والاقتصادية”.
وأضاف: “ما سمعناه تأكيد للمراوحة المستمرة حول جنس الحلول وإعلان السعي إلى هيكلة الدين ورمي الكرة في ملاعب السياسات الاقتصادية للسنوات السابقة ومحاولة بدائية لاستنساخ تلك السياسات وتبني العديد من مندرجاتها الاقتصادية والمالية والاصلاحية “، متسائلا: “ليس تأكيد اعادة التوازن الى المالية العامة، وخفض الانفاق، واصلاح قطاع الكهرباء، والاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، ومكافحة التهرب الضريبي، ووقف النزيف المالي وسواها من العناوين هي افكار مستنسخة عن البيان الوزاري للحكومة السابقة”؟
كما سأل: “أوليس إعلان التزام الحكومة رؤية الاستقرار والنمو المقترحة من مؤتمر سيدر، والقول بأن الاصلاحات التي تم التوافق عليها في سيدر ستطبق لأنها ضرورية لإطلاق عجلة الاقتصاد وتحقيق الازدهار للشعب اللبناني ومهمة لإعادة الثقة الخارجية، أليس هذا إعلان من بنات أفكار وجهود السياسيات الاقتصادية للسنوات الماضية التي انجزت مؤتمر سيدر وكانت تجد دائما من يقوم بتعطيلها وقطع الطريق على تنفيذها”؟
ورأى أن “في كل مرة ينتظر اللبنانيون ان تقول لهم الحكومة ما ستفعله عمليًا، ترد عليهم بموال ما فعله غيرها، نظريا”، مضيفا: “من عيّن الحكومة وركبها وأعطاها الثقة قد يتذكر أنها التزمت بخطة طوارئ قبل نهاية الشهر الماضي. واللبنانيون ظنوا انهم سيسمعونه منذ يومين. فسمعوا الموال الذي لا يسمن ولا يغني من جوع”.
وختم قائلا: “أكثر ما نخشاه في هذا الشأن ان تشكل التوجهات الحكومية التي انبثقت عن اجتماعات بعبدا السياسية والاقتصادية، رسالة سلبية الى المجتمع الدولي والجهات المعنية بمساعدة لبنان، في الوقت الذي نحن فيه بأمس الحاجة الى تعاون الاصدقاء والاشقاء ودعمهم في تنفيذ ونجاح اي خطة مستقبلية”.