كتب علي الأمين في صحيفة “نداء الوطن”:
تقضّ مضاجع اللبنانيين أسئلة مُحيّرة من “العيار الثقيل”، وسرعان ما تأتي أجوبتها الكارثية من أركان الدولة “العليّة” وحكومة “الغفلة”، كلما تنبهوا الى انهم يعيشون في دولة تجلد نفسها وشعبها، وتمعن عن سابق تصور وتصميم كي تطفو “الدولة العميقة” على سطح الفضائح، وتتحول إلى الدولة المفلسة ثم إلى الدولة الفاشلة، وصولاً إلى الدولة المارقة! يتقدم لبنان بخطى ثابتة في مسار اعلان لبنان دولة فاشلة، بعد اعلانها دولة مفلسة. قرار الحكومة اللبنانية بعدم دفع استحقاقات اليوروبوندز المستحقة في جزئها الأول هذا العام اليوم، ليس هو مؤشر الفشل او الإفلاس فحسب، بل هو الأداء الحكومي، الذي لا يزال يتعامل مع الأزمة بأسلوب لا ينمّ عن مسؤولية تقع على كاهل هذه الحكومة التي ارتضت أن تقوم بمهمة لجم الانهيار المالي والاقتصادي، وإعادة الثقة بالدولة ومؤسساتها.
لم تقم حكومة الرئيس حسان دياب بأي خطوة يستشف منها السعي لإظهار استقلالية عن السلطة المتهمة بالهدر والفساد، لا بل إن الوزراء الذين ارتضوا المواقع الجديدة في السلطة التنفيذية، يجهد معظمهم لنيل رضى مرجعيات السلطة سواء في رئاسة الجمهورية أو في عين التينة، من دون أن يبدو دياب كرئيس يحمل مشروع إنقاذ، بقدر ما يحاول أن يبقى رئيس حكومة ملتزماً بتوجيهات الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، وتعليمات “الأخ الأكبر” والراعي للسلطة اي “حزب الله”. في الأخبار المتداولة عن احوال دياب ووزرائه، انهم يسعون إلى اظهار وظيفتهم الاستشارية لمن قام بتعيينهم، لا بل إن أحد الوزراء السابقين لا يزال يمارس إدارة الوزارة السيادية التي كان وزيرها، إلى حدّ انه مارس فعل التأنيب والتوجيه والالزام للوزير الجديد، من دون أن يلاقي ذلك احتجاجاً او اعتراضاً ممن يتولى الوزارة. هذا نموذج يمكن استنساخه على أعمال معظم الوزراء الذين يمارسون فعل الولاء ويتفادون اصدار أي موقف يظهر أنهم على خصومة أو معركة مع الفساد والهدر والسياسات السلطوية التي أوصلت البلاد، إلى درك العجز عن الايفاء بالتزاماتها الخارجية، فضلاً عن تدهور في الايفاء بالتزاماتها الداخلية.
السؤال الذي تكرر عشرات المرات من قبل خبراء ومتابعين هو ما هي خطة الحكومة، طالما أن لا مساعدات خارجية مرتقبة للبنان ولا قبول رسمياً للتعامل مع صندوق النقد الدولي؟
هنا يبرز عجز الحكومة وخلل إدارتها، ذلك أن مقتضى الحال، يتطلب وجود بدائل حيث لا يكفي أن يقول رئيس الحكومة إنها بصدد اجراءات مؤلمة للشعب، من دون أن يتجرأ على التصويب على مزاريب الهدر في الطاقة ومتفرعاتها النفطية، ولا في ضبط المرافئ الشرعية وغير الشرعية. حسان دياب رئيس حكومة لا يريد أن يمارس مسؤولياته كرجل يفترض أنه غير متورط بالأزمة، فليس هو من نهب ولا هو ممن يتهمون بالزبائنية، وليس لديه محازبون يريد اطعامهم وتوظيفهم مقابل حمايته، وإذا كان الأمر كذلك وهو كذلك، فما الذي يمنعه من أن يقدم خطته الإصلاحية ويحشر الجميع، إما الإصلاح أو الاستقالة؟ هذا ما يمكن أن يجعل حسان دياب رئيساً لحكومة إنقاذ، وهذا ما يجعل اللبنانيين يلتفّون حوله، لكن ذلك يبدو أضغاث أحلام، فلا دياب مقتنع بأنه رئيس حكومة فعلي، ولا يبدو أنه من قماشة الرجال الذين لا تغريهم المناصب ولو كانت على ركام دولة.
لبنان لم يعد لديه ترف الوقت، ولا في جعبة حكومته ما يمكن أن يبرر وجودها في هذه المرحلة الخطيرة، إلا سلاح الموقف، فما دامت ورقة الاستقالة هي ما يفترض أن رئيس الحكومة يملكها، فهو قادر على أن يغير أشياء كثيرة في واقع ادارة السلطة لمصالح الدولة، يكفي ان يهدد بالاستقالة، لكي يفتح باباً حقيقياً للتغيير نحو الأفضل. هذا ما لا يستطيعه دياب، أو لا يريده، هو يدرك انه رئيس حكومة من أتوا به، ولا يريد أن يغامر بأن يكون رئيس حكومة لبنان، وهو لا يحتمل أن يكون رئيساً بكل ما للكلمة من معنى، ولا نقصد أن يمارس فعل الاستعراض السياسي أو الطائفي، بل فعل تمثيل نبض اللبنانيين وإرادة التغيير لديهم. هذا ما يتمناه الكثير من اللبنانيين من حكومة ورئيسها، ليست في مجمل وزرائها ممن تلحقهم وتلوثهم ملفات فساد، تبقى تمنيات، لكنها ايضاً فرصة امام حكومة يمكن أن تفعل شيئاً نوعياً لمصلحة الدولة.
“فاقد الشيء لا يعطيه” كما يقال في المرويات، وهذه الحكومة التي تثبت كل يوم انها مدجّنة بالكامل، من قبل من قامت الانتفاضة ولا تزال ضدهم، لن تعطي اللبنانين إلا المزيد من الشيء نفسه، اي المزيد من العجز والهدر.
في مناسبة صدور كتاب زمن سمير فرنجية وفي ندوة نقاش حوله في معرض الحركة الثقافية في انطلياس قبل أيام، قال احد المنتدين إن الراحل فرنجية كان قيمة وقامة لبنانية، أضاف أن لبنان اليوم يفتقد في نخبته الحاكمة القيمة والقامة أو القامات.