كتب ألان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:
يبدو أن لبنان دخل النفق الإقتصادي المظلم في ظلّ غياب الحلول الجريئة، في حين أن تلويح رئيس الحكومة حسّان دياب بخطوات موجعة ما زال في دائرة الغموض إذ إنه لم يكشف بعد عن تلك الخطوات ومن ستطال.
في مرحلة الإنتظار الصعب، خرج دياب أمس الأول على اللبنانيين وخاطبهم كاشفاً أن الدولة اللبنانية ستتخلّف عن دفع إستحقاق “اليوروبوندز”، وبالتالي فإن عدم الدفع لا يعني أن لبنان تخلّص من هذا الحمل الثقيل بل إنه تمّ تأجيل “المصيبة”.
ومنذ الإعلان عن التخلّف عن الدفع، بدأت التحليلات الإقتصادية عن تبعات تلك الخطوة، لكن في السياسة فإنّ كُثراً إعتبروها تعثراً جديداً للدولة واستكمالاً لمرحلة العزل الدولي.
ومن وجهة نظر حزب “القوات اللبنانية” المعارض، فإن “المسألة مقتصرة على الجزء التقني المتعلق بإما ندفع “اليوروبوندز” أو لا ندفع، ففي الحالتين هناك خطورة كبرى، ولو دفعنا كنا قد استنزفنا مخزوننا من العملات الأجنبية، وعندما قررنا عدم الدفع ذهبنا إلى هذه الخطوة بلا رؤية مستقبلية للوضع”.
وترى “القوات” أن “القرار هو سياسي بامتياز، فلم يعد هناك مفرّ من التعاون مع صندوق النقد الدولي، وكل الكلام الرافض لهذه الخطوة ينطلق من نظريات سياسية بينما وضعنا الإقتصادي يزداد تدهوراً ولا خطط معالجات حقيقية، في حين أن “حزب الله” لا يطرح البديل عن صندوق النقد وكأن وضع لبنان متروك لقدره”.
وفي السياق، تعتبر “القوات” أن “هناك من يسعى إلى تغيير وجه لبنان وضرب نمط عيش اللبنانيين وإحياء شيوعية لم تعد قائمة في البلدان التي خرجت منها، وهذه الشيوعية ليست مرتكزة على المبادئ الفكرية الصافية، بل على مجموعة مصالح مرتبطة بمحور الممانعة وليس هدفها الإنسان أو حقوقه أو مطالبه المعيشية أو مطالب العمّال”.
وتنتفض “القوات” بسبب غياب أي خطة مستقبلية في حين أن البلاد دخلت نفق الإنهيار الفعلي والحتمي، وتشير إلى أنه “لا يمكن فصل الموضوع الإصلاحي عن الموضوع السياسي لسبب بسيط هو أن الإصلاح يحتاج إلى قرار سياسي بحد ذاته، وهنا لا نتكلم عن تقنيات إقتصادية بل عن قرارات سياسية كبرى”.
وتقول: “على سبيل المثال فإن إقفال المعابر غير الشرعية يؤمن وفراً كبيراً للخزينة هي بأمسّ الحاجة إليه، لكن الأمر يحتاج الى قرار حكومي مغطى سياسياً، فهل تستطيع الحكومة إتخاذ مثل هكذا قرار أو أنّ “حزب الله” سيمنعها؟”. وتضيف: “موضوع المرفأ والجمارك والمطار والتخمة في القطاع العام والتوظيفات غير الشرعية وضرورة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، كلها قرارات إصلاحية، هل تستطيع الحكومة تطبيقها أو أنه يوجد بعض المستفيدين يمنعون ذلك؟”.
وباتت “القوات” على ثقة أن العهد و”الثنائي الشيعي” لا يريدون اتخاذ مثل هكذا خطوات وبالتالي فإنهم ضدّ الإصلاحات، كما إنه توجد أكثرية حاكمة شكّلت الحكومة وتريد الإستمرار بالسياسات نفسها من أجل الحفاظ على مكاسبها والتربع على عرش السلطة، معتبرةً أن “لبنان سيجتاز الأزمة بالطرق التقليدية ولا ضرورة لخطوات إصلاحية كبيرة، بينما الواقع يدل على أنه لا بدّ من خطوات إستثنائية، والإستعانة بصندوق النقد الدولي من أبرزها”.
لا شكّ أن السياسة تؤثّر بشكل كبير على كل قرارات البلاد، فلو توفّر قرار سياسي جدّي بتأليف حكومة إختصاصيين مستقلة تضع مدماكاً أساسياً في الإصلاحات لما كان الوضع تدهور بهذه السرعة وبات لبنان على شفير الإفلاس الفعلي.
ومن جهة أخرى، تتجه الأنظار إلى كيفية تعامل الحكومة مع الدائنين الخارجيين والإنتهاء من حالة التخبّط التي تمرّ بها، وإلّا فإن لبنان سيفقد الثقة الخارجية التي هي مهتزّة أصلاً.