قررت الحكومة ما هو مقرر بعد الاجتماعات الماراتونية حول تسديد استحقاق 9 آذار من سندات «يوروبوندز». وهي ستمضي في المفاوضات مع الدائنين بالتزامن مع خطة الاصلاح التي اعلنها رئيس الحكومة حسان دياب السبت. فيما نقلت وكالة «رويترز» عن مصدر مطلع قوله: «انه من المتوقع بدء مفاوضات إعادة هيكلة الدين بشكل رسمي بين لبنان وحملة السندات في غضون أسبوعين». بينما قال وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة لـ«اللواء»: ان الشركتين الاستشاريتين المالية «لازارد» والقانونية «كليري غوتليب ستين اند هاملتون»، (المتخصصتين بإدارة الديون السيادية)، هما من ستتوليا مفاوضة الدائنين الخارجيين والدائنين المحليين اي المصارف اللبنانية.
واوضح الوزير نعمة لـ«اللواء» ان حاملي السندات الخارجية تبلغوا من خلال كلمة رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب بعد جلسة مجلس الوزراء السبت، قرار لبنان التفاوض على تأجيل الدفع، ونحن ننتظر مبادرتهم والاتصال بنا لنحدد موعد البدء بالتفاوض، وابدى تفاؤله بنجاح التفاوض «لأن لبنان تعهّد ان تتم العملية بشفافية عالية وبالمعايير الدولية، علماً ان التفاوض هو امر طبيعي حصل سابقا ويحصل دائماً وليس جديدا او غريباً». وقال: ان التفاوض سيحصل مع حاملي السندات الخارجيين والمحليين في الوقت نفسه (على الطاولة ذاتها) ومن خلال الاستشاريين لكل طرف.
ونفى نعمة علمه بما تردد عن ان المصارف اللبنانية تعمد الى التفاوض مع الجهات التي باعتها السندات لإستعادتها عبر اعادة شرائها (ربما بعد انخفاض ثمنها بسبب الركود وهبوط الاسهم والاسواق الذي سببه انتشار وباء كورونا عالمياً).
وحول البدء بتنفيذ الخطة الاصلاحية الانقاذية الاقتصادية؟ قال الوزير نعمة: «لقد باشرنا بها أصلاً من خلال قرار عدم دفع سندات «اليوروبوندز»، ولهذا كنا نعقد الاجتماعات ليل نهار للتوصل الى الحلول للأزمة، وقرار عدم دفع السندات جزء من الاصلاح المالي والاقتصادي، وقد انهينا مشروع قانون رفع السرية المصرفية، وهناك مشروع قيد التحضير لاستقلالية القضاء، وانا اعمل على مشروع قانون حول حماية المستهلك وسيُنجز خلال أسبوعين، وثمة خطوات باتت معلومة عبّر عنها البيان الوزاري وفق المراحل التي حددها، وترقبوا افكاراً واقتراحات وخطوات اخرى قريبا لن افصح عنها قبل تبلورها او عندما ينتهي الاعداد لها».
ويبدو ان الاجتماع الرئاسي – المالي – الاقتصادي الذي عقد في قصر بعبدا، برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفي حضور الرئيسين نبيه بري ودياب والوزراء والخبراء المعنيين وسبق مجلس الوزراء، توصل الى توفير غطاء سياسي للحكومة «بعدم الدفع المنظم» للسندات، وهو الغطاء الذي تمت ترجمته بقرار بالاجماع من الحكومة بعدم الدفع تم اتخاذه بعد التصويت على القرار، حيث بدأت الجلسة بعرض للواقعين المالي والنقدي، وعرض كل وزير رأيه وموقفه وتساؤلاته، بعدها أجاب الإستشاريون على أسئلة الوزراء.
وكشفت معلومات مسرّبة أن الرئيس بري قال في اجتماع بعبدا المالي: «إنه ليس مع التعثّر انما مع التعثر المنظم، وهو لديه لوم على المصارف لناحية بيع السندات ورفع الدين الخارجي، ما أوصل لبنان الى ما هو عليه اليوم لناحية صعوبة عملية التفاوض».
ووصفت المصادر الحكومية ما جرى خلال الجلسة وما صدر عنها وما سبقها من اجتماعات مكثفة حول استحقاق السندات، بانه دليل على مستوى عالٍ من المسؤولية الوطنية التي تحلى بها الرؤساء الثلاثة والوزراء المعنيون، لأن الموضوع بخطورته يمس كل لبنان وكل اللبنانيين ولا يتعلق بوضعية الحكومة وموقفها الشخصي.
وأوضحت المصادر ان تصميم خطة النهوض والاصلاح الاقتصاديين بات منجزاً، لكنه بحاجة لبعض التفاصيل التي ستبحثها الحكومة في الجلسات المتتالية التي ستعقدها.
وستعقد الحكومة جلستين هذا الاسبوع، واحدة غداً الثلاثاء في قصر بعبدا لاستكمال البحث بالأوضاع الإقتصادية والمالية وخريطة طريق المفاوضات، وجلسة أخرى الخميس مع جدول أعمال عادي لم يتحدد مكانها وسيتم التشاور بشأنها بين الرئيسين.
وعلى خط موازٍ، سيُعقد إجتماع غداً الثلاثاء، بين مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات وجمعية المصارف لاتخاذ اجراءات من شأنها تسهيل معاملات المودعين، من ضمن الاجراءات التي تعهدت بها المصارف لتوفير السيولة للمودعين، والتي اتفقت عليها مع عويدات الاسبوع الماضي وادت الى تعليق قرار المدعي العام المالي علي ابراهيم تجميد اصول اصحاب المصارف ورؤساء مجالس اداراتها.
وكان الرئيس عون، ترأس عند الحادية عشرة قبل ظهر السبت في قصر بعبدا، اجتماعا ماليا واقتصاديا، في حضور الرئيسين بري ودياب، نائبة رئيس مجلس الوزراء وزيرة الدفاع الوطني زينة عكر، وزير المالية غازي وزني، وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، رئيس جمعية المصارف سليم صفير، المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير وعدد من المستشارين، وخصص الاجتماع للبحث في مسألة استحقاق «يوروبوند» والأوضاع المالية والاقتصادية في لبنان، والإجراءات اللازمة من أجل مواجهة الأزمة المالية.
وسبق الاجتماع لقاء ثلاثي جمع عون ببري ودياب، تم خلاله التطرق الى الأوضاع العامة والتطورات التي تشهدها الساحة اللبنانية.
وبعد انتهاء الاجتماع، أدلى شقير ببيان جاء فيه انه «عُرضت في الاجتماع الأوضاع المالية والظروف المحيطة قبل تاريخ استحقاق سندات يوروبوندز والتي تم تداولها ومناقشتها خلال الاجتماعات واللقاءات المتتالية التي انعقدت برئاسة رئيس مجلس الوزراء مع حاكم مصرف لبنان ورئيس جمعية المصارف، وفريق عمل من الاختصاصيين والخبراء والاستشاري المالي (Lazard) والاستشاري القانوني (Cleary Gottlieb Steen & Hamilton) والاستشاري في مجال التواصل (Highgate) المتخصصين بإدارة الديون السيادية.
واستنادا إلى الخيارات والتصورات المتاحة قرر المجتمعون بالإجماع الوقوف إلى جانب الحكومة في أي خيار ستعتمده في مجال إدارة الديون، باستثناء دفع الديون المستحقة. مع الاشارة إلى أنه تم التركيز على اعتماد وتنفيذ الخطة الشاملة المتكاملة، المبنية على إصلاحات مالية وإدارية ومصرفية تتزامن معها خطة نهوض اقتصادية واجتماعية، كما وردت في البيان الوزاري.
ولاحقاً، فوض مجلس الوزراء مجتمعا اعلان القرار في ما خص مستحقات سندات اليوروبوند الى الرئيس دياب الذي اطل بكلمة عما تقرر الى اللبنانيين. وغابت للمرة الأولى المقررات الرسمية لجلسة مجلس الوزراء التي تتلوها وزيرة الإعلام او الوزير الوكيل، والتزم الوزراء الصمت بناء على طلب رئيسهم ويبدو انه يمون كثيرا عليهم. وغادر الوزراء الجلسة من دون اي اشارة، مع العلم ان قرار عدم الدفع او تعليقه كان معروفا.
لا تسريب عما دار من بحث لكن ما نقل كان ضئيلا جدا، اذ ان الجلسة لم تناقش سوى ملف السندات، وان القرار اتخذ لاحقا بالاجماع، علما انه تردد ان تصويتا حصل، وان وزير الصناعة عماد حب الله اعترض لأن القرار لم يكن جزءا من الإصلاحات، وقدم المستشارون الماليون والحقوقيون الذين كلفتهم الدولة اللبنانية ومسؤول التواصل المتخصصين بإدارة الديون السيادية دراستهم في عرض محكم.
وفي ملف وزع على الوزراء استفسر البعض وناقش البعض الاخر عن الانعكاسات وما يمكن حصوله والمفاوضات مع الجهات الدائنة، وبعدما خرج الاستشاريون قام بحث موسع حول الخيارات، اي تعليق الدفع والدفع المنظم وغير المنظم وسط نقاش طاول الاوضاع المالية والنقدية في البلاد.
الى ذلك لم تناقش الجلسة اي اجراءات غير شعبية والواضح ان اجتماعات متتالية ستسبق اي جلسة تبحث في هذا الموضوع.
وبعيدا عن «اليوروبوند» سئل وزير الصحة العامة حمد حسن عن الهلع والدلع، فقال: «لولا الدلع ما كان في هلع».