Site icon IMLebanon

عون يتصدّى لمجلس القضاء… وماري كلود بـ”بوز المدفع”!

في “العهد القوي”، التفليسات تتوالى والتصنيفات تتهاوى حتى بلغت بالأمس على مقياس “فيتش” مستوى “C” ولم يعد يفصل عن إعلان لبنان “دولة متعثرة” سوى مرتبة واحدة نزولاً نحو مستوى “D”. وبينما أهل الحكم بلغوا من القوّة أشدّها بعد المجاهرة بالتخلّف عن سداد الدين من دون تقديم خطط بديلة، لا إزاء عملية إعادة هيكلة الدين ولا حيال البرامج الإصلاحية المنتظرة، تقف الحكومة حابسةً أنفاسها خلال “فترة السماح” الراهنة بانتظار ما سيتكشّف من نوايا ودّية أو تصعيدية للدائنين إزاء إعلان عدم سداد استحقاقات اليوروبوندز، في حين تبدو الأمور عادت “BUSINESS AS USUAL” في مجال التعامل السلطوي مع الاستحقاقات الدستورية من منطلق الذهنية التحاصصية نفسها التي أوصلت البلد إلى الحضيض، من دون إقامة أي وزن للناس الذين يراقبون اليوم ملف “التشكيلات القضائية” باعتباره المؤشر الحيوي لبوصلة اتجاه الأمور بين تحرير الجسم القضائي من قيود التدخلات السياسية، وبين الاستمرار في سياسة المحسوبية والاستزلام في التعيينات والتشكيلات.

وحتى الآن، تصارع كفة الضغوطات السياسية كفة المعايير المعتمدة في ميزان التشكيلات القضائية المرتقبة وسط اتضاح معالم “معركة عونية” ضروس مع مجلس القضاء الأعلى لا تزال تحول دون أن تبصر تشكيلاته النور تحت وطأة “الإقامة الجبرية” التي تخضع لها هذه التشكيلات في مكتب وزيرة العدل ماري كلود نجم. ورغم أنها تتسلح بممارسة صلاحياتها لناحية وجوب التأكد من مراعاة “المبادئ الأساسية والمعايير الموضوعية” قبل توقيع مشروع التشكيلات، تفيد معطيات موثوق بها لدى مصادر معنية بهذا الملف بأنّ وزيرة العدل هي في واقع الأمر موضوعة بـ”بوز المدفع” في معركة “التيار الوطني الحر” مع مجلس القضاء الأعلى باعتبارها “خط الدفاع الأول” في هذا الملف عن قصر بعبدا “لأنّ المطلوب عدم وصول مشروع التشكيلات كما هو وارد من المجلس إلى القصر لكي لا يُضطر رئيس الجمهورية ميشال عون إلى رفض توقيعها فيقع في إحراج مباشر أمام الشارع المنتفض من خلال ظهوره بمظهر المعرقل لإنجاز التشكيلات”.

وتوضح المصادر أنه “بعدما أمضى مجلس القضاء الأعلى أسابيع وهو يضع المعايير المعتمدة ويقابل القضاة لاختيار القاضي الأنسب في المكان المناسب، ظهرت خلال الأيام الأخيرة “قطبة مخفية” عرقلت مشروع التشكيلات الذي قدمه المجلس إلى وزيرة العدل على وقع ارتفاع حدة الاعتراض من جانب “التيار الوطني” وفريق رئيس الجمهورية على صيغة المشروع، لتبادر وزيرة العدل، التي كانت إيجابية في التعاطي مع الموضوع في بداياته، إلى تسجيل تعديل جذري في موقفها سرعان ما ترجمته بحجب توقيعها عن التشكيلات”.

وإثر متابعة المعنيين لموجبات هذا التعديل الطارئ في موقف نجم، تبيّن لهم أنّ “دوائر قصر بعبدا كانت قد طلبت منها زيارة القصر حيث التقت رئيس الجمهورية ومستشاره سليم جريصاتي (وزير العدل الأسبق الذي كان له الدور الأبرز في تعيين القضاة العونيين في أماكن حساسة في الدولة ويرفض اليوم استبدالهم او تشكيلهم) لتعود بعدها مقتنعة بأنّ مجلس القضاء الأعلى لم يطبّق وحدة المعايير على جميع القضاة في تشكيلاته فعمدت حينها إلى تغيير لهجتها إزاء الموضوع، فأعربت عن نيتها تسجيل ملاحظاتها على المشروع وردّه إلى المجلس لإعادة النظر فيه”. وتشي المعطيات المتوافرة بأنّ مجلس القضاء الأعلى سيطّلع على الملاحظات لكنه سيعود ويؤكد التشكيلات التي وضعها باعتباره أنجزها وفق معايير دقيقة من دون أي تمييز أو تدخل سياسي فيعيد المشروع كما هو مجدداً إلى وزيرة العدل.

وبانتظار ما سيكون عليه الموقف عندها، برزت خلال الساعات الأخيرة دعوات متبادلة على خط الثورة للإعراب عن رفض العرقلة السياسية الحاصلة لإقرار التشكيلات القضائية، والتظاهر أمام وزارة العدل للحؤول دون رضوخ الوزيرة للتدخلات السياسية والمساهمة في عرقلة ولادة التشكيلات التي يعوّل عليها الشارع المنتفض لكي تتمكن من تشكيل أرضية قضائية صلبة في مكافحة الفساد.

وعلى الضفة المقابلة، تؤكد مصادر رفيعة في “التيار الوطني الحر” عدم تساهل التيار ورئاسة الجمهورية في عملية إصلاح هيكلية التشكيلات القضائية من منطلق “الحرص على أن يحترم مجلس القضاء الأعلى المعايير التي وضعها بنفسه”، مبديةً لـ”نداء الوطن” الخشية من “استهدافات سياسية في عملية التشكيلات لبعض القضاة، ولذا فإنّ التيار مستعد للإدلاء بدلوه متى حان الوقت في هذا الموضوع خصوصاً وأنه لم يجد في ما سرّب من التشكيلات ما يوحي بالثقة”، وتستطرد المصادر بالقول: “ليس المقصود هنا القاضية غادة عون بل أحد القضاة ممن تم تخفيض مقامه وتشكيله في منصب أدنى مما كان عليه فقط لأنه يتولى التحقيق بقضية قبرشمون، فضلاً عن قاضية سجلّها ناصع كالشمس ورغم ذلك تم تشكيلها فقط لكونها شوهدت برفقة أحد مسؤولي التيار الوطني الحر”، وتختم المصادر: “نخشى أن نكون قد خرجنا من عصر المحاصصة السياسية في التشكيلات القضائية إلى عصر المحاصصات القضائية بين أطراف داخل مجلس القضاء الاعلى”.