كتب الان سركيس في “نداء الوطن”:
لم تصدر حتى الساعة أي إشارات إيجابية من المجتمع الدولي تدل على استعداده لتقديم مساعدات إلى لبنان من دون المباشرة بتنفيذ ما هو مطلوب منه.
يؤكد المطلعون على الأجواء الديبلوماسية أن لبنان ليس تحت الحصار “المقونن”، لكنه ليس تحت الرعاية أو الإهتمام الدولي مثلما كانت الحال بعد 2005، لأن الأولويات في المنطقة تغيّرت والحرب السورية تشكّل محط اهتمام الجميع، وبالتالي فإن الإنقاذ بيد اللبنانيين أنفسهم.
ويشير هؤلاء إلى أنه ليس هناك قرارات صادرة مثلاً عن مجلس الأمن تضع قيوداً على لبنان، كذلك فإن الولايات المتحدة الأميركية تفرض عقوبات على أفراد من “حزب الله” ومن هم على علاقة مع “الحزب”، ومصارف يُشتبه بتسهيلها أمور “الحزب” المالية لكنها لم تفرض حتى الساعة عقوبات على الدولة اللبنانية، لأنها لا تزال تفصل بين السلطات الرسمية و”حزب الله” على رغم أن معظم المؤسسات وقعت تحت سيطرة “الحزب”.
وفي السياق، يُنقل عن أحد السفراء الأوروبيين في لبنان تحذيره من أن منسوب العقوبات سيرتفع على “حزب الله”، ولا قدرة لأحد على فرملة تلك العقوبات التي ستؤثّر بشكل غير مباشر على الشعب اللبناني، خصوصاً أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حازم في مسألة “قصقصة” أجنحة إيران في المنطقة، وبالتالي فإن الوضع اللبناني سيكون أكثر حراجةً في الأشهر المقبلة، وكل الحديث عن مساعدات أميركية أو غربية لا أساس له من الصحة لأن الدول لن تساعد سلطة تخضع مباشرةً لـ”حزب الله”، بينما واشنطن تعمل لتقليص نفوذه وضرب ما يسمى بمحور “الممانعة” الممتد من طهران وبغداد مروراً بدمشق وصولاً إلى بيروت.
كل تلك العوامل تجعل الوضع اللبناني أكثر تعقيداً، خصوصاً أن أحد السياسيين الذي التقى وكيل وزارة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية السفير ديفيد هيل خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان، سمع منه كلاماً واضحاً مفاده أن “واشنطن لن تبدّل استراتيجيتها في المنطقة كرمى لعيون لبنان، فالاستراتيجية واضحة وهي استخدام السلاح الإقتصادي في وجه إيران وحلفائها في المنطقة”.
وإنطلاقاً من كل تلك العوامل، فإن المعلومات تشير إلى أنّ مؤتمر “سيدر1” الذي كان يشترط تنفيذ إصلاحات جدية يتعثّر تنفيذه، فالإصلاحات لم تتمّ ولم تلمس الدول المانحة أي خطوات حكومية ملموسة، كما أن الأجواء السياسية تبدّلت أيضاً.
والدليل على ذلك، فإن المؤتمر عُقد قبل الإنتخابات النيابية وقبل فوز “حزب الله” بالأكثرية البرلمانية، ولم تكن العقوبات الأميركية مشدّدة لهذه الدرجة، لكن بعد ثورة 17 تشرين وانقلاب المشهد رأساً على عقب وعدم تأليف حكومة ترضي الشعب اللبناني والمجتمعين العربي والدولي في ظل غياب قرار سياسي واضح بالإصلاح، فإن الدول المانحة لن تمنح أموالاً لحكومة لبنان وسط معارضة الشعب وعدم ثقته بأن الأموال ستذهب إلى مكانها الصحيح، وعدم حماسة أميركية لمساعدة سلطة تابعة لـ”حزب الله”.
وفي هذا الإطار، تعمل فرنسا جاهدةً من أجل حث الحكومة على البدء بتنفيذ إصلاحات جذرية لأن الإنهيار سيكون أوسع وأشمل في الأشهر المقبلة، لكن باريس في المقابل لا تتأمل خيراً مما يحصل، خصوصاً أن لبنان بات دولة متعثرة في تسديد ديونها ويفقد بسرعة قياسية ثقة المجتمع الدولي.
وما يثير القلق أكثر هو عدم إستشعار المسؤولين بعد بحجم الخطر، واعتبارهم أن المجتمعين العربي والدولي سيمدّان يدّ العون لنا في حال تأزم الوضع أكثر، لكن الحقيقة ان كل تلك التمنيات مبنية على معطيات مغلوطة لأن الدول العربية لم تعد كما كانت في السابق، وأقصى ما تفعله حالياً أنها ترسل مساعدات إنسانية إلى الشعب اللبناني وليس إلى الدولة وتشرف هي على توزيعها نظراً إلى فقدان الثقة بالدولة اللبنانية، في حين أن الدول الغربية لن تخالف سياسات واشنطن بالنسبة إلى الملف اللبناني.