بعدما حرصت الحكومة في جلسة السبت الماضي والتي سبقها إجماع مالي اقتصادي رئاسي ووزاري ومتخصص، على الخروج بموقف إجماعي أمام الشعب اللبناني حول القرار الذي اعلنه رئيس الحكومة حسان دياب بتعليق دفع السندات المستحقة من “اليوروبوندز”، فانها تسعى في جلسة اليوم إلى الإجماع نفسه حول القرارات غير الشعبية لمعالجة أزمة لبنان الكبرى التي تهدد كل بنيان الدولة بالافلاس والتحلل.
وأكد مصدر وزاري لـ”نداء الوطن” أن “الإجماع على تعليق السداد في جلسة السبت مرّ بصعوبة قصوى، نظراً الى انقسام مجلس الوزراء بين رأيين: الأول يقول بسداد سندات التاسع من الحالي وبدء التفاوض على السندات اللاحقة، وهذا الرأي دعمه ضمناً رئيس الجمهورية ميشال عون، كون ذلك سيسهل التفاوض على إعادة الجدولة، والثاني يقول بعدم الدفع المنظم استناداً إلى وجهة نظر “الثنائي الشيعي” وعدد من الوزراء لأن الدفع يعني فقدان السيولة وعدم امكانية ضبط سعر صرف الليرة”.
ويوضح أن “سبب هذا التباين ناجم عن الشرح المسهب الذي قدمه الاستشاري المالي والقانوني والتوصّل إلى ايجابيات وسلبيات الدفع وعدم الدفع المنظم وعدم الدفع غير المنظم، بحيث تساوت الى درجة كبيرة السلبيات والايجابيات لكل من الاحتمالات الثلاثة، الامر الذي ادخل أعضاء الاجتماع المالي أولاً في حيرة من أمرهم وانعكس ذلك حيرة في مجلس الوزراء وصعوبة في اتخاذ القرار، اما الفريق المالي الرسمي المتمثل بحاكم مصرف لبنان والخاص المتمثل بجمعية المصارف، فقد أخذ موقع “الغموض غير البناء” على قاعدة: نحن ننتظر القرار الذي ستتخذونه، بحيث جبُن القطاع المصرفي الذي كان يوصف بالقوي والمتين، ومعه حاكمية مصرف لبنان التي لم تستطع تسييل الجوائز العالمية والاقليمية والدولية كأفضل حاكمية افكاراً خلّاقة ومبدعة”.
ويكشف عن انه “في الاجتماع المالي الرئاسي برزت رغبة رئيس الجمهورية بدفع سندات التاسع من الحالي، وذلك من خلال المقاربة التي قدمها والتي أظهرت ميلاً كبيراً إلى السداد، ولكن عندما ظهرت الغالبية في الاجتماع لا سيما الرئيسان نبيه بري وحسان دياب بأنهما مع عدم السداد لم يتمسّك عون بموقفه وأمّن الاجماع الرئاسي حول القرار الحكومي، والأمر نفسه حصل في خلال مناقشات مجلس الوزراء، اذ دخل الوزراء بالتفصيل في نقاش كل جوانب الموضوع، وكان هناك اصرار على مستوى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بالخروج بقرار موحد ومتضامن حول القرار الذي أعلنه دياب، وعدم تكرار ما حصل أثناء نقاش الاستعانة بالاستشاري اذ اتخذ القرار بالتصويت وليس بالاجماع”. ويتوقع المصدر أن “تشهد جلسة مجلس الوزراء التي ستعقد اليوم بعد الظهر في القصر الجمهوري والتي أعلنت الامانة العامة لمجلس الوزراء أنها ستبحث في مستجدات الوضعين المالي والاقتصادي، نقاشاً مستفيضاً وشاقاً، خصوصاً أن ما سيطرح هو خطة الحكومة لمعالجة الازمة المالية والنقدية والاقتصادية، والتي تتضمن الاجراءات القاسية، إذ أن الانقسام يسبق الجلسة حول كيفية مقاربة هذا الملف الخطير، ربطاً بالانقسام حول الاستعانة بصندوق النقد الدولي وتطبيق شروطه، وبالتالي، إن أي قرارات ستتخذ ستكون مفصّلة ومحددة تحديداً دقيقاً، خصوصاً ما يتصل برفع الضريبة على القيمة المضافة بحيث هناك اصرار من فريق وازن على تحديد السلع والمواد التي ستطالها زيادة الضريبة، مع تأكيد صرف النظر عن زيادة الخمسة آلاف ليرة على صفيحة البنزين، والتركيز على الانتهاء من عملية لحس المبرد في ملف الكهرباء عبر الذهاب سريعاً إلى وضع الخطة موضع التنفيذ من دون تكبيد الخزينة خسائر اضافية”. ويرى ان “نار جهنم قد تفتح على الحكومة عندما تضع ملف الاملاك البحرية والنهرية على بساط البحث الجدي كمصدر اساسي لتمويل الخزينة ووقف وضع اليد عليها، لأن هناك شركة متينة وصلبة بين الموالاة والمعارضة في هذا الملف كون الجميع متورطاً في استباحة هذه الاملاك التي لو تم استثمارها بشفافية لحققت عائدات كبيرة للخزينة”.
ويعتبر المصدر ان “كل ملف ستتم مقاربته ستتبين سريعاً عشعشة الفساد فيه والشراكة على مستوى كل الطبقة السياسية، مع فارق من له الأسبقية في الفساد والاستباحة ومن دخل لاحقاً، وهنا تكمن مسؤولية الانتفاضة الشعبية في مواكبة ودعم كل قرار جريء ستتخذه الحكومة، وتشكيل قوة ضغط غير مسبوقة لمنع الطبقة السياسية المتحكمة بكل مقدرات الدولة من تعطيل عملية الولوج الى الاصلاح الحقيقي، حتى لا تبقى الحكومة خاضعة للابتزاز وكل قرار بغصة”.