كتب ايليا ج. مغناير في صحيفة الراي الكويتية:
للمرة الأولى منذ إعلان تأسيسه رسمياً في العام 1985، اصطدم «حزب الله» في ساحة المعركة مع الجيش التركي، أحد أقوى جيوش الناتو ووقع الصدام المباشر بينهما في منطقة إدلب الريفية حيث قتل العشرات من الجنود الأتراك، الذين تدخلوا للقتال إلى جانب الجهاديين السوريين والأجانب، مستخدمين أسلحة تكتيكية متقدمة مماثلة لما تمتلكه إسرائيل. وفوجئ الحزب باستخدام الجيش التركي، طائرات مسيّرة مسلحة وقصفه لنقاط دقيقة خلف خط المواجهة الرئيسي ما أسفر عن مقتل 9 أفراد وجرح 65 في إغارة واحدة حيث انهار سقف المبنى على مقاتلي «حزب الله».
وترافقت هذه العملية مع سحب روسيا الغطاء الجوي لمدة 48 ساعة بسبب إعلانها وقف إطلاق نار من طرف واحد. واستخدمت تركيا أسلحتها الحديثة في المعركة لتدخل عقيدة قتالية جديدة استخلص «حزب الله» العِبر منها، بسبب عدم وجود تجربة مماثلة، استخدمت تركيا خلالها صواريخ TGG-22 الموجهة بالأقمار الاصطناعية وكذلك نظام القصف بالراجمات دقيقة الإصابة، الأميركية الصنع المعروفة باسم HIMARS. وهي أساليب غالباً ما هددت بها إسرائيل عبر تلويحها بمفاجآت جديدة في حربها المقبلة ضد «حزب الله».
بالإضافة إلى ذلك، فان اهتمام إسرائيل بقدرة الحزب على القتال الليلي في هجومه النوعي لاسترداد أكثر من نصف مدينة سراقب (الجزء الغربي) مثير للتساؤل، فالدولة العبرية تعرب عن قلقها إزاء مستوى التهديد الذي تمثله قوة النخبة «الرضوان» الموجودة على طول الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، والتي تمثل رأس الحربة في الهجمات في سورية، وتالياً فإن هذا الاهتمام بمثابة سلاح ذي حدين. فكيف ذلك؟ وماذا تخطط إسرائيل؟
يقول مصدر في «محور المقاومة»، إن «إسرائيل سيطرت على الأجواء اللبنانية في حرب العام 2006 عبر طائراتها المسيرة التي كانت ترسل المعلومات للقيادة الجوية التي ترسل الأهداف إلى طائرات اف – 16 لضرب الأهداف. أما اليوم، اختلفت المعركة، وأصبحت الطائرات المسيرة هي التي تضرب الأهداف من دون إضاعة وقت ثمين أو تعريض حياة الطيار للخطر في حال وجود نظام صاروخي جو – أرض فعال مضاد للطائرات».
وبحسب المصدر، فإن «من إحدى الاحتمالات المطروحة أن تهاجم إسرائيل الحافة الأمامية لقوات الرضوان الموجودة على طول الحدود اللبنانية والتي تعد بآلاف الرجال المدربين أفضل تدريب والذين خاضوا حروباً في سورية، وكذلك ترغب إسرائيل بتدمير التحصينات والأنفاق على الحدود من دون الدخول في حرب كبيرة، وضرب البنى التحتية لكي لا يأتيها الرد المماثل، تالياً فان إسرائيل تحتاج لتعظيم قدرات الحزب لتكبير خطره لتبرر الضربة تهيئة للرأي العام وليس مدحاً لقدرات الحزب القتالية. ومن الطبيعي ألا تحتاج إسرائيل إلى أعذار للتبرير عن حروبها، لأنها – وحليفتها أميركا – لا تعترفان بالقوانين الدولية. إلا أن تسليط الضوء على إمكانات حزب الله الليلية، لا تعتبر بريئة».
ويشرح المصدر أن «أميركا كانت اتخذت قراراً بضرب صدام حسين وغزو العراق، فأظهرت أنه يصنع أسلحة دمار شامل وقدمت الجيش العراقي على أنه خامس أقوى جيش في العالم ليحتل الجيش الأميركي – بعد اتخاذ القرار بالهجوم – على كل العراق خلال أيام قليلة»، لافتاً إلى أنه «في سورية، تصر إسرائيل على أن (حزب الله) يقاتل في الليل مثلما يقاتل في النهار وكأن كل فرد من أفراده يمتلك منظاراً ليلياً وأسلحة متطورة جداً… وتركز الحملة الإعلامية الإسرائيلية على خطر الصواريخ التي يمتلكها، وعلى قدرات زعيمه السيد حسن نصرالله في قيادة الحزب، وهذا يشبه الحملة التي أطلقتها أميركا قبل أشهر من اغتيال اللواء قاسم سليماني، والتمهيد الإعلامي يشيطن الحرس الثوري الإيراني وقيادته».
هذا لا يعني ان الحزب لا يمتلك الصواريخ أو أن قوات «الرضوان» غير جديرة… فالحرب السورية كانت بمثابة مدرسة دامت تسعة أعوام، راكمت خلالها «الرضوان» الخبرة، وشكلت مواجهتها الأخيرة لجيش الناتو التركي في سراقب تجربة غير مسبوقة ودروسا بالغة الأهمية إلى المستقبل.
الدرس الأول هو استخدام الهاتف النقال والتسابق لنشر الصور على مواقع التواصل الاجتماعي. فلدى «حزب الله» توجيهات مثل كل الجيوش والتنظيمات بعدم استخدام الهاتف الذي يعتبر«الجاسوس الملاصق». ولم تلتزم قوات «الرضوان» بالتعليمات دائماً لمجابهة حملة التضليل الإعلامية التي برعت المعارضة والجهاديون في إتقانها.
وعندما اتخذ الجيش التركي قراراً بضرب الحزب، كان الهاتف هو البوصلة التي أوصلت تركيا إلى مكان وجوده وتحديد موقعه لقصفه، وأراد الجيش التركي فتح الطريق للجهاديين أمام تقدمهم نحو تل العيس وحتى الحاضر من جهة شمال سراقب وتالياً ضرب مركز «حزب الله» الخلفي. وأسفر ذلك عن مقتل 9 وجرح 65 من أصل 120 مقاتلاً في تلك البقعة، وذلك بواسطة الطائرات المسيرة. إلا أن «الرضوان» استطاعت بمساعدة حلفائها (زينبيون وفاطميون) من صد الهجوم وقتل جهاديين والعديد من أفراد الجيش التركي، الذين شاركوا في الهجوم.
وقامت وحدة «الرضوان» بهجوم ليلي بعد 48 ساعة لاستعادة سراقب. وهذا القتال وقع ضد أهداف معادية ثابتة يدافع عنها بسهولة أكثر من المهاجم الذي لم يتسن له القيام باستطلاع مسبق. واستطاع المقاتلون التقدم رغم دقة إعطاء الأوامر للقوة المتقدمة ليلاً وخطر إصابة الأفراد بالنيران الصديقة بدل المعادية. واعتمدت القوة على التقدم بثبات وتطهير المدينة، مستفيدين من عدم وجود مدنيين في الشوارع ليلاً، رغم إطلاق الجهاديين النار في كل اتجاه لعدم معرفتهم بأسلوب الهجوم الذي نجح في تحرير المدينة خلال ساعات الفجر الأولى. وأبدى «حزب الله» حرصه على المهاجمين ونفذ هجومه بدقة مدهشة. وقدمت روسيا 27 غارة لمساعدة التقدم وتمهيد الطريق أمامهم.
لقد قدّمت تركيا فرصة لـ«حزب الله» ليتعلّم دروس الحرب الجديدة المتطورة وأخذ العِبر واتخاذ إجراءات مضادة مستقبلية. ولم تعد إسرائيل تستطيع مفاجأة الحزب، لأنه هو أيضاً يمتلك طائرات مسلحة من دون طيار استخدمها بمهارة في الحرب السورية ويدرب عليها أكثر أفراد «الرضوان» الذين يحاربون في الليل مثل النهار ومن دون معرفة بالأرض.