كتب د. ناصر زيدان في صحيفة “الأنباء” الكويتية:
بينما يتخبط لبنان في مشكلات غير مسبوقة في السياسة وفي الاقتصاد وفي المجال المالي، تدور في فلك الحالمين السياسيين أفكار غريبة لا تشبه الطموحات المشروعة عند أي من الذين يتعاطون في الشأن السياسي، فعادة من يعيش آخر أيامه السياسية لا يطمح لإحداث تغييرات جوهرية، ومن يعاني من تراجع في سمعته الوطنية، لا يمكن أن يؤسس لنظام جديد يشبه حالة الضياع التي يعيشها ولا يشبه ما تريده الناس. بعضهم يحاول وضع اليد على البلاد التي تحملت تجاوزاتهم وأعطتهم فترة سماح غير مسبوقة في تاريخ التسامح السياسي.
وبين أوهام هذا والطموحات الخاوية لذاك، تكاد البلاد تضيع تحت وطأة أزمات مهولة لم يسبق أن كانت بمثل هذا الحجم المخيف من قبل.
وتقول مصادر سياسية على اطلاع واسع بما يجري: “تحدث الرئيس عن قيام الجمهورية الثالثة في جلسة مجلس الوزراء السبت الماضي في بعبدا، ومن ثم سحب كلامه من الإعلام، ولكن فريقه السياسي ما زال يواصل الهجمات الإعلامية التي تستهدف أخصامه، وهذا الفريق يدافع عن سياسة عزل لبنان وخنقه، كذلك عن الصرفيات المالية الكبيرة على قطاع الكهرباء المتعثر، رغم التأكد بالملموس أن هذه الصرفيات كانت السبب الرئيسي للانهيار المالي الذي أصاب الدولة”.
وتتابع هذه الأوساط: “كم كان مستغربا حديث وزير سابق عن مخالفات إدارية بسيطة حصلت في وزارة تولت إنهاء ملف وطني شائك، وهو لم يراع حقيقة الأرقام المعلنة في موازنة الدولة، حيث قال: ان الهدر في الوزارة بلغ 3000 مليار ليرة بينما الأرقام الرسمية تشير الى أن كل ما صرف على الملف حتى الآن لا يتجاوز 2600 مليار ليرة، وهي دفعت على المصالحات وإعادة الإعمار والبنى التحتية، والغريب أن هذا الوزير تولى ملف المهجرين لأكثر من سنة، ولم يتحدث عن الموضوع سابقا”.
وتقول هذه المصادر: ا”ن انتخابات رئاسية حتمية ستجرى قريبا جدا، من دون أن تحدد المهلة الزمنية لحصول ذلك، وأن الكلام عن بناء جمهورية ثالثة أفضل من الجمهورية القائمة اليوم بالذات، يشبه «نعيق الغراب على الجثة الميتة» وكيف لبناء جديد أن يشاد بأيدي بنائين كان دورهم محوريا في هدم ما كان قائما”؟!
وتتابع هذه المصادر بالقول: “من الواضح أن لدى الحزب الذي يقود الموالاة الجديدة رؤى مستجدة، تهدف الى إجراء تغييرات جوهرية على بنية التركيبة اللبنانية، وعلى الصيغة المعتمدة برمتها، لأنها فشلت. والحزب يستفيد من بعض الكلام الدولي الذي تحدث عن فشل تجربة الحكم السابقة، وكذلك من بعض الشعارات التي أطلقتها الانتفاضة الشعبية من أجل تغيير النظام، ولكن شتان بين ما يريده هؤلاء بالمطالبة بنسف كل قواعد تقاسم النفوذ والمنافع وتطوير للنظام باتجاه المدنية واستقلال القضاء، وبين ما يريده الفريق الذي يقود الحكومة ويهدف الى تحويل لبنان محمية للممانعة، او الى «مشرقية مجهولة» وتجريده من وسطيته التي تربط الشرق بالغرب، ووضع اليد على قطاعه المصرفي، وتطبيق نموذج شمولي معزول وبعيد كل البعد عن مفاهيم العدالة الاجتماعية المرجوة”.
تختم المصادر المشار إليها بالقول: “أعطى اللبنانيون فترة سماح واسعة لحزب المقاومة، وتعايش معه أحيانا، وتعاطف معه أحيانا أخرى، ولكن الحزب كان قاسيا الى أبعد الحدود، ولم تبرز منه أي عاطفة تجاه اللبنانيين الذين يرزحون تحت وطأة الجوع، ولم يغير قيد أنملة من خياراته مراعاة لمصالحهم المالية والمعيشية. المعطيات على الأرض تؤكد أن الجمهورية الثالثة المنوه عنها ستعتمد حكما على «شيعية سياسية جديدة» فكيف سيتحملها لبنان؟ وهو لم يتحمل مارونية سياسية ولا سنية سياسية في السابق؟ والطائفة الشيعية الكريمة تعاني من الصعوبات المالية والمعيشية أكثر من غيرها، وأبناؤها يدفعون مثل غيرهم ثمن العزلة والاختناق”.