كتبت جنى جبّور في “نداء الوطن”:
المكان: طوارئ أحد مستشفيات كسروان. الزمان: الاثنين الساعة الثالثة بعد الظهر. الحالة: شاب يعاني من السعال… معلومات عادية جدّاً في ملف المريض لو أننا لسنا في زمن الكورونا. الّا أنّ الاجابة على سؤال “أين كان المريض”، كان كافياً لهروب الممرضة الموكلة باستقباله، فـ”من بولونيا (قرية في المتن الشمالي)” وقع على مسمع الممرضة “نور” كالصاعقة، بعد أن رنّ في أذنها “كورونا (بدل بولونيا)”… فكانت في الهريبة كالغزال.
هذا المشهد يتكرر بشكل يومي في طوارئ المستشفيات، بما ان الطاقم التمريضي وثمّ الطبي، أول من يحتك بكل أنواع المرضى. وفي اليومين الأخيرين، ارتفع عدد المرضى الذين يقصدون الطوارئ بشكل هستيري لمعاناتهم من أبسط عوارض الانفلونزا (الرشح)، مطالبين من تلقاء أنفسهم بالخضوع لفحص الكورونا، ناهيك عن الاتصالات التي تكاد لا تتوقف بأرقام الأطباء للاستفسار عن احتمال اصابتهم، ويمكن ربط كل هذه الوساوس بانتقال لبنان من مرحلة احتواء الفيروس الى مرحلة انتشاره في مناطق غرب بيروت وشرق العاصمة أيضاً، بالاضافة الى تسجيل لبنان أول حالة وفاة يوم أمس.
مضاعفات الكورونا قتلت ج.خ
في كواليس الطوارئ يعيش بعض الممرضات والممرضين حالة خوف من انتقال العدوى اليهم وإلى أهلهم وأقاربهم، ولا سيما أنّ بعض المستشفيات عاجز عن تأمين الوسائل الوقائية اللازمة، وكأن انتشار الكورونا “زاد الطين بلة” بالنسبة للوضع اللوجستي والمالي في بعض المستشفيات، التي تعاني منذ أشهر عدّة نقصاً في معداتها، وعجزاً في دفع مستحقات موظفيها. في المقابل، يمكن ربط تعتيم ادارة بعض المستشفيات على الحالات التي تزورها والمشكوك بإصابتها، بإبعاد “الصيت” السيئ عنها، والذي يؤثر على عدد المرضى الذين قد يقصدونها. في المقابل، يعمل الطاقم التمريضي في المستشفيات بشكل احترافي وبجهوزية تامة لاستقبال المرضى ومساعدتهم، وهذا ما لمسناه خلال جولة “نداء الوطن” على طوارئ بعض مستشفيات بيروت وخارجها. لنبدأ من مستشفى سيدة المعونات الجامعي في جبيل، الذي عاش الاسبوع الماضي لحظات رعب ترجمت بإصابة 5 أشخاص داخل حرمه، توفي منهم ج.خ (56 عاماً) يوم أمس في مستشفى رفيق الحريري نتيجة مضاعفات الكورونا. وفي معلومات خاصة حصلت عليها “نداء الوطن” وصل ج.خ الى الطوارئ وأخبر الطاقم الطبي أنّه كان في مصر منذ شهر تقريباً (وهذه المعلومة قد تكون غير دقيقة)، وأنه يعاني من ارتفاع في حرارته منذ يوم واحد، الّا أنّ الحقيقة كانت معاناته من الحرارة منذ 4 أيام. وكان قد تواصل مع اختصاصية أمراض معدية والتي أوصت بخضوعه الى فحص خاص بالسالمونيلا. ولم تكن العوارض الظاهرة عليه تثير الشكوك… بعدها، خضع لعدد من الفحوصات منها صورة صدرية أظهرت نتيجتها التهاباً في الرئتين، فأدخل الى المستشفى لاعطائه المضاد الحيوي في المصل لمعالجته. وتم التعامل معه على أنه يعاني من التهاب رئوي، الا انّ حالته راحت تتدهور يوماً بعد يوم من دون معرفة السبب، ما جعل المستشفى يطالب وزارة الصحة بإخضاع المريض لفحص الكورونا أكثر من مرّة، فوافق بعد 3 أيام، وبعدها بـ 12 ساعة تبين أنّ المريض مصاب بالكورونا ونقل الى مستشفى الحريري… وكان “اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب”، فتم إخضاع أكثر من 50 شخصاً من الطاقم التمريضي لفحص الكورونا، ليتبين حتّى كتابة هذه السطور اصابة مريض آخر نقل له ج.خ العدوى، وممرضتين ومساعدة ممرضة، وبالتالي تكون حصيلة الاصابات 4 اشخاص، بالاضافة الى ج.خ الذي توفي أمس. وفي هذا السياق، تم تجهيز جناح متكامل في المستشفى، غير ملتصق بالمبنى الأساسي قسّم الى قسمين، الأول للحالات المستقرة المصابة بالفيروس والثاني للحالات غير المستقرة، وتم عزل الطاقم التمريضي المصاب داخل هذا الجناح.
“المعونات” يتشدد في الوقاية
اليوم، أبواب طوارئ “المعونات” مقفلة بالكامل، وتم استحداث غرفة قرب باب الطوارئ لمعاينة المرضى قبل ادخالهم الى المستشفى، من قبل الطاقم التمريضي المجهز بالكامل بلباس وقائي، وهو يهتم بقياس حرارة المريض والاطلاع على عوارضه ولا سيما معاناته من السعال او ألم في الحلق، والتأكد اذا كان خارج البلاد. وعلى الأثر، يوجَّه المريض الى مستشفى رفيق الحريري أو الى منزله اذا كانت حالته مستقرة. الّا أنّ هذه الخطوات الوقائية لم تمنع انخفاض عدد المرضى بكل فئاتهم العمرية الذين يقصدون المستشفى، بالاضافة الى تسجيل تراجع في عدد الزوار وحتّى عدد الأطباء وأوقات تواجدهم فيه.
الطاقم التمريضي… خائف
يتكرر المشهد نفسه في أكثر من مستشفى، حيث يصل المرضى المصابون بالانفلونزا العادية الى الطوارئ ومن باب المزاح الممزوج بالهلع والقلق، يغمزون أنهم مصابون بالكورونا… هذه “المزحة” وقعها ثقيل على الطاقم التمريضي، المعرّض دائماً لانتقال العدوى اليه، وكيف الحال مع انعدام الوسائل الوقائية في بعض المستشفيات، تماماً كطوارئ المستشفى الذي تعمل فيه يارا.
“خايفين”… بهذه الكلمة تعبر الممرضة يارا عند سؤالها عن حالتها اثر انتشار الفيروس. تلتقط أنفاسها قليلاً وتتابع “إيه إيه مايتين رعبة”، منذ مرحلة الاحتواء، وتضاعفت مخاوفنا عند وصولنا الى مرحلة الانتشار، فنحن لم نزود حتّى اليوم، سوى بالكمامات وبعدد محدود. وهذا ما أجبرنا على عدم استقبال المرضى (شرط أن تكون حالتهم مستقرة) الذين نشك في اصابتهم، ونكتفي بارسالهم الى مستشفى رفيق الحريري الجامعي بعد ابلاغ ادارته باسم المريض وتفاصيل حالته، أمّا اذا كانت حالتهم سيئة فنجبر على استقبالهم الى حين استقرار وضعهم، وهذا ما يعرضنا كطاقم تمريضي وطبي لانتقال العدوى الينا”.
القلق موجود في أروقة الطوارئ حيث تعمل يارا، وقلة التجهيزات الوقائية قد تكون السبب في ذلك، وهذا ما جعلها تخرج مسرعةً من غرفة مريض يسعل لتحمي نفسها بالكمامة، الوسيلة الوحيدة المتوافرة لديها… وتقول: “نحن نعلم جيداً أنّ السعال فقط ليس مؤشر اصابة الشخص بالكورونا، الّا أنّ بعض الأشخاص يكذبون وينكرون وجودهم في الخارج، أو اختلاطهم بأشخاص كانوا في الخارج، وهذا ما يزيدنا قلقاً”. ولعل المشهد المضحك المبكي، حماسة بعض الممرضين وشجاعتهم، فبينما كانت ممرضة متزوجة تتحضر للدخول لمعاينة مريض يسعل، قطع زميل لها الطريق وقرر الدخول بدلاً منها لأنه عازب بينما هي أم لولدين. في المقابل، هناك من يرفض رفضاً قاطعاً معاينة أي مريض تظهر عليه أي عوارض قد ترتبط بالكورونا، فترسو المعاينة على “الأكثر شجاعة”، وبحسب يارا “لم نواجه بعد أي حالة عوارضها جدّية… ولكن “الاحتياط واجب”.
الطاقم الطبي كما التمريضي قلقان، حتى لو أنّ غالبية الأطباء يؤكدون في العلن أنّه لا داعي للهلع، متمسكين بالطرق الوقائية لحماية أنفسهم ومساعدة المصابين. وفي معلومات خاصة لـ”نداء الوطن” يؤكد مصدر في وزارة الصحة أنّ “الوضع سيئ جدّاً، والوزارة غير قادرة على احصاء عدد المصابين فالأمر خرج عن السيطرة، والتعتيم على هذا موضوع يثير فعلاً قلق الأطباء، مع الاشارة الى وجود أكثر من حالة حرجة من المصابين داخل مستشفى رفيق الحريري”.
من جهة أخرى، يجمع عدد من الأطباء على أنّ الفيروس انتشر في كل لبنان، وبالتالي موضوع مراقبة من كانوا خارج البلد فقط، لم يعد مجدياً. كذلك، وفي حديث مع عدد من اختصاصيي الأمراض الجرثومية والمعدية، تبين أنّ مستشفى رفيق الحريري لن يستطيع لوحده استقبال المصابين في الأيام القليلة المقبلة، ما يتطلب من جميع المستشفيات خلق “خلية أزمة”، ووضع بروتوكول خاص بالطوارئ للسيطرة على هذا الموضوع لان بعض المستشفيات حتّى الجامعية منها امتنعت عن استقبال المرضى الذين يعانون من الزكام أو الانفلونزا العادية وذلك من خلال الـ” triage” أو ترتيب حالات المرضى الذي يحصل على باب الطوارئ قبل الدخول اليها. وفي خطوة استباقية، جهزت بعض المستشفيات نفسها للمحافظة على سلامة طاقمها ومرضاها، كما حصل في احد أهم مستشفيات بيروت، وأشارت طبيبة الطوارئ فيه الى “التزامهم بالمبادئ التوجيهية التي تصدر يومياً عن منظمة الصحة العالمية، وارتداء الملابس الوقائية الكاملة لحماية المرضى وأنفسنا وعائلاتنا”. وتابعت “عدد المرضى الذين يشكّون بإصابتهم يرتفع بشكل هائل يومياً، ونحرص على معاينتهم بمعزل عن الآخرين ونزودهم بالارشادات الطبية اللازمة، مع تطبيق توجيهات وزارة الصحة بإحالة المرضى عند اللزوم، الى مستشفى الحريري للخضوع للفحص. كذلك، نخضع كطاقم طبي وتمريضي يومياً الى دورات تدريبية وتوجيهية ومؤتمرات طبية للاطلاع على أحدث المعلومات الخاصة بالفيروس”، موجهةً دعوة الى الجميع “بعدم نكران وجودهم في الخارج وتزويد الطاقم الطبي بالمعلومات الدقيقة لحماية أنفسهم وتوجيههم الى الفحوصات اللازمة والعلاج المناسب بما فيه من منفعة لهم ولنا. وأتمنى أن يلتزم المرضى بالحجر المنزلي عند الطلب منهم، وعدم الاستلشاق بهذه الخطوة، والتمتع بالوعي والمسؤولية لمنع انتقال العدوى الى الآخرين”.
المستشفيات الحكومية… حذرة ايضاً
اتخذت المستشفيات الحكومية كما المستشفيات الخاصة الخطوات الوقائية اللازمة، بحسب رئيس مجلس ادارة مستشفى تنورين الحكومي الدكتور وليد حرب الذي أشار الى الخطوات الوقائية التي يتبعها مستشفى تنورين حالياً، قائلاً: “خلقنا باباً مقفلاً على الباب الأساسي للطوارئ واتبعنا مبدأ “ترتيب الحالات وعزلها”، فيعاين المريض عند وصوله في هذه المنطقة المستحدثة من قبل طبيب وممرضة يرتديان الملابس الوقائية، واذا كان مصاباً بالحرارة أو بأي نوع من الالتهابات وخصوصاً بالجهاز التنفسي، يخضع تلقائياً للفحوصات لتحديد نوع اصابته، بعدها يدخل الى المستشفى اذا كان مصاباً برشح عادي، أمّا اذا كان مصاباً بنوع غير محدد من الالتهابات، فنتصل بوزارة الصحة التي تقرر طريقة الحجر ان كانت منزلية أو داخل مستشفى رفيق الحريري. كذلك، شملت الخطوات الوقائية الزوار، فنعمد الى قياس حرارتهم عند باب الدخول ولو أنّ هذا الاجراء لا يحمي بنسبة مئة في المئة، ولكنه يساعد في توجيه الزائر المرتفعة حرارته الى قسم الطوارئ لفحصه بحسب الاصول”.