كتب مازن مجوز في “نداء الوطن”:
“إذا بتريدي عبير ابعتيلي زينب لعندي بكرا الساعة 11″. طلبٌ كان كافياً، لتدرك عبير عطايا شمص تمسّك المدام ميراي، بزينب دون غيرها، من بين المساعدات اللبنانيات اللواتي يعملن في المكتب الذي افتتحته شمص حديثاً في منطقة ” الجاموس ” في الضاحية الجنوبية لبيروت، لتقديم المساعدة المنزلية المتعددة الأوجه لـ”ست البيت”، في محاولةٍ لفتح باب رزق لعدد من اللبنانيات، بعد أن كانت هذه المهام محصورة بالعاملات الأجنبيات حتى الأمس القريب.
“كثيرات من ربّات البيوت بتن يطلبن عدداً من العاملات لدينا بالاسم، ويرفضن أخرى أنصحهن بهن “رجاءً لا، أريد فلانة، تريّحني كثيراً، هي تفهم “عالطاير”، وأشعر معها بالإطمئنان وراحة البال”، حتى أن بينهن من ينصحن أقاربهن وصديقاتهن ممن يحتجن إلى مساعدات في الخدمة المنزلية، باسم أو باسمين من بين فريق العمل لدي البالغ 10 عاملات، وهذا ما يُمثل أحد أهم أسباب نجاح فكرتي التي أطلقتها منذ حوالى الشهر بمساعدة زوجي مهدي”، تقول عبير (35 عاماً)، مديرة المكتب، في حديثٍ لـ”نداء الوطن”، مستدركةً “سعادتنا لم تكتمل لأن “الكورونا” تسبب بتراجع كبير في الحجوزات (طلب العاملات) منذ 10 أيام، على الرغم من أخذنا معظم الإجراءات الضرورية في عملنا هذا”.
للظروف أحكام
الفكرة التي تُعتبر جديدة في عالم تقديم الخدمة المنزلية، لم تنشأ من لا شيء، بل تضافرت رزمة من الأسباب والدوافع بعد أسابيع قليلة من ثورة 17 تشرين، حتى أصبح وضع بعض العائلات اللبنانية بـ”الويل”، ويلٌ مريرٌ، يندرج تحت راية “للظروف أحكام”، وهذا ما نلمسه من واقع زينب: “ظروف منزلي المادية تتفاقم يوماً بعد يوم، زوجي تم إيقافه عن عمله في أحد الفنادق منذ شهر، ولدينا مسؤوليات كثيرة لكن الأهم تأمين لقمة العيش لي ولعائلتي، وجدت نفسي مضطرة للقبول بهذا العمل، والحمد لله لست نادمة، بل سعيدة لأنني أكسب لقمة عيشي بعرق جبيني”.
وكالعادة وعلى الطريقة اللبنانية “رب ضارةٍ نافعة”، فمن منا لم يشاهد العشرات من العاملات الأجنبيات من جنسياتٍ مختلفة، خصوصاً الأثيوبية والبنغلادشية والفيليبينية، وهن ينتظرن في مطار رفيق الحريري الدولي مطلع هذا العام طائرات بلدانهن للمغادرة النهائية، بفعل أزمة إرتفاع سعر الدولار مقابل الليرة، وعدم قدرة رب/ ربة المنزل على دفع رواتبهن بالدولار؟
وربطاً، فإن الوزارة المعنية (العمل) كانت قد رفضت مع بداية العام 2019، توقيع إتفاقيات مع أثيوبيا والفيليبين، ما خلق أزمة العاملات الأجنبيات في لبنان، والتي أخذت أبعاداً سلبية منذ بداية العام الحالي ولا تزال. هذا وتعتمد بعض الفنادق، كفندق “ماكسيموس” في بلاط ـ جبيل، ومنذ انطلاقه، على العاملات والعمال اللبنانيين في الأقسام التي كانت تعتمد في سائر الفنادق على اليد العاملة الأجنبية، من خدمة الغرف إلى أعمال التنظيف…ألخ
بدوره يؤكد مهدي أن استقدام خادمة أثيوبية حالياً يكلف بين 4 و 5 ملايين ليرة، واللبنانيات على “قدّ الحملة” وهنّ عموماً من الطبقة “المعدومة وغير المتعلمة، والعاجزة عن إيجاد عملٍ ولو كان متواضعاً”، لافتاً إلى أن المتابعة صعبة مع الناس، فريق العمل حالياً مؤلف من 10 نساء متزوجات، لأنهن “أريح بال” وتتراوح أعمارهن بين 30 و42 عاماً، ولدي ثقة بهن جميعاً في إنجاز الأعمال الموكلة اليهن، كل ذلك بعد خضوعهن لاختباراتٍ عدة تتعلق بدرجة الوعي وبحس المسؤولية.
ويبدو أن الفكرة بدأت تنال إعجاب الكثيرات من ربات البيوت “الفكرة حلوة، ليندا طيبة القلب ومخلصة وجدية في العمل وارتحت لعملها في منزلي أكثر من الخادمة الفيليبينية التي كانت تعمل لدي العام الماضي، أطلبها مرتين أسبوعياً للعمل 4 ساعات في كل مرة”، توضح لينا (45 عاماً) ربة منزل في منطقة الحمرا، تعليقاً على هذه المبادرة.
“الأمانة والصدق والإخلاص أهم سمات فريق العمل والذي يمتد نطاق عمله ضمن مناطق جبل لبنان وبيروت، كالضاحية الجنوبية وجوارها، مناطق الحمرا، عين المريسة، خلدة، الشويفات، المصيطبة، فرن الشباك، الحازمية وسن الفيل وصولاً إلى الدورة، وقد وصل عدد زبوناتنا إلى حوالى 40″، تكشف عبير.
مال الدهر عليها
وكأي مهنة، تواجه بعض العاملات في هذه المهنة “المستحدثة” بعض المشاكل، لكن لعبير طريقتها الخاصة في حلّها، متوجهةً ذات يوم إلى إحدى ربات المنزل بالقول: “رجاء لا توجهي لها أي ملاحظة، سأحل المشكلة معها”، وعندما وصلت إلى منزلها وعرفت بما حصل أسرّت لها “هذه العاملة جار الدهر عليها، وهي مضطرة للقيام بهذا العمل، وواجبي وواجبك أن نتحملها قليلاً، وإلا فمن سيتحملها، وهنا بدأت تتقبل الفكرة تدريجياً وسارت الأمور على خير ما يرام”، مشيرةً إلى أن الحل أحياناً يكون باستبدال عاملة بأخرى.
ويتقاسم الزوجان الأدوار بشكل يومي في سبيل إنجاح المبادرة وتطويرها، فبينما تقوم شمص بزيارات دورية إلى المنازل التي تعمل فيها العاملات اللبنانيات للتأكد من حسن سير العمل، يشرف زوجها على إيصالهن على الموعد إلى هذه المنازل، ومن ثم إعادتهن إلى المكتب أو إلى المنزل، بحسب جدول عمل كلٍ منهن. ويتضمن هذا الجدول ثلاثة دوامات تمتد من السادسة صباحاً وحتى السابعة مساءً، الحد الأدنى منها 3 ساعات والأقصى 7 ساعات، حيث أن الراتب الشهري متعلق بالعدد الإجمالي لساعات العمل شهرياً، وكل منهن تختار فئة الساعات، حسب ظروف منزلها وعائلتها.
الفكرة تنتشر مناطقياً
ويسعى شمص اليوم إلى تسجيل المكتب في وزارة العمل، وإلى إنجاز عقود التأمين الصحي للعاملات لديه، موضحاً أن “المشروع يموّل نفسه بنفسه، ونعمل على تطويره مستقبلاً، وزبائننا من الطوائف كافة، وطلباتهم تتراوح بين تأمين عاملة منزلية بين 3 و5 مرات أسبوعياً، وتشمل خدمتنا “الكنس، الشطف، التمسيح، تنظيف الزجاج، إلى الغسيل والكوي وما شابه، فيما بات لخدمة العناية بالمسنين فريق عمل آخر مؤلف من 15 امرأة أيضاً”.
وبنظرة سريعة على فايسبوك يبدو أن هذه الفكرة معتمدة في العديد من المناطق اللبنانية وليس في المناطق التي تشملها مبادرة شمص، لتطرح هذه الظاهرة مجموعة من الأسئلة: إذا كانت عشرات اللبنانيات بحاجة الى العمل بقواعد محترمة، وعشرات الاسر اللبنانية بحاجة الى من يعمل لديها في الخدمة المنزلية، فلماذا لا تبني السلطات والوزارات المعنية جسراً بين الإثنين ضمن إطار قانوني ينظم العلاقة بينهما ليأخذ كل واحد حقه؟ أوَليس لهذه السوق إحتياجات وفي الوقت نفسه يعاني من مشكلات؟ ربما نوفر هكذا ما تحتاجه السوق في هذا المجال، ونؤمن الحماية لهذه الشريحة المحتاجة للعمل ولتأمين لقمة العيش من اللبنانيات .