كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
في زمن “كورونا” الذي أشعل إعصاراً عالمياً، باتت كل الأخبار في مرتبة ثانية. تمرّ الأحداث السياسية على نحو سريع، طالما أنّ شريط الأنباء المتصل بالفيروس الخبيث هو الذي يحتلّ الأولوية.
هكذا، عبر خبر زيارة رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية إلى موسكو ولقائه عدداً من المسؤولين، بهدوء، ولو أنّه على “الباروميتر” السياسي، ذو مغزى متعدد الأبعاد.
تتعامل موسكو مع الساحة اللبنانية بعناية كبيرة. لا حاجة للشواهد والدلائل الحسيّة، تكفي مشاهد لقاءات مسؤولين من روسيا رفيعي المستوى مع رسميين لبنانيين ورؤساء أحزاب وقيادات، للتأكّد من أنّ “بلاد القيصر” صارت على مسافة أمتار من “بلاد الأرز”، لا بل في قلبها.
الأكيد أنّ الحرب السورية، بكلّ تطوراتها العسكرية والسياسية، حوّلت روسيا لاعباً دولياً شريكاً في رسم مصير الشرق الأوسط المُلتهِب بعدما كانت لاعباً إقليمياً يغرق في مستنقع دويلات الاتحاد السوفياتي سابقاً، وخلفها الاتحاد الأوروبي المتخبّط في أزماته الداخلية. كما أنّ موسكو لم تنغمس في الرمال السورية لكي تخرج من المنطقة في القريب العاجل.
ومن الطبيعي أن يقفز لبنان على الأجندة الروسية ليصير على جدول أعمال الكرملين، لارتباطه العضوي والجغرافي والتاريخي بسوريا. وما وجود أكثر من مليون نازح سوري على الأرض اللبنانية، إلّا أحد تجليّات هذا الارتباط. أمّا الوجه الثاني لهذا الترابط فيتمثّل في الدور الذي يمكن للبنان أن يؤدّيه في ورشة إعادة إعمار سوريا، كمنصّة عبور ومقر للشركات العالمية التي ستستثمر في “منجم” الإعمار.
بهذا المعنى صارت موسكو مَعنيّة أكثر من أي وقت مضى بحراك الساحة اللبنانية، و”محرّكات” صانعيها. تُخصص وزارة خارجيتها مساحة لا بأس بها مقارنة باهتماماتها الدولية الواسعة، من أجندة لقاءات مسؤوليها، للاطّلاع عن كثب على الأوضاع اللبنانية وتفاصيلها المعقّدة. وللصور التي جمعت فرنجية مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف بحضور النائب طوني فرنجية، عضو المكتب السياسي في المردة الوزير السابق روني عريجي والمستشار في الشؤون الخارجية انطوان مرعب، الكثير من الإشارات السياسية.
في الشكل أولاً، الزعيم الزغرتاوي ليس من فئة “السندباديين”، الذين يغطّون في مطار ويقلعون من آخر. لا تغريه سياسة تشبيك العلاقات الدولية والديبلوماسية العابرة للحدود ولا هو من هواة التودد لمتبوّئي كراسي القرار الدولي. ولذا فإنّ جلوسه إلى مائدة واحد من أهم الرجال النافذين على الخريطة الدولية، لا سيما الشرق أوسطية، فيه بعض الدلالات ولو أنّ الزمن ليس زمن استحقاقات. الملفت في الأمر أنّ المشهد ذاته سبق له أن ارتسم نهاية العام 2018 حين قصد فرنجية العاصمة الروسية والتقى كلاً من لافروف وبوغدانوف أيضاً ضمن شريط لقاءات وثّقته موسكو مع عدد من المسؤولين اللبنانيين. ولذا يبدو جلياً أنّ القيادة الروسية تحرص على تعزيز علاقتها بالقطب الزغرتاوي ليكون ضيفاً مميزاً كل فترة والوقوف عند رأيه من التطورات اللبنانية والاستماع إلى وجهة نظره. وبعدما أخذت الزيارة الاولى بُعداً تعارفياً عن قرب، اتسمت الزيارة الثانية التي جمعت بين اللقاءات الرسمية (وُثّقت ببيان روسي رسمي) وبين الحفاوة الاجتماعية، بحرص موسكو على تكريس خصوصية العلاقة الثنائية وموقعها.
وعادة ما يتناول الحديث مع لافروف شؤون المنطقة وما ينتظرها من سيناريوات في المرحلة المقبلة، ليصير الملف اللبناني أحد حجارة الشطرنج المطروحة على النقاش. أمّا التفاصيل، فتُترَك لبوغدانوف الديبلوماسي المحنّك الذي يجيد العربية بطلاقة مُلفتة، القادر على مناقشة مجالسيه في أدق الحيثيات الداخلية. أمّا الملفت فهو اهتمام القيادة الروسية بالوضع الاقتصادي اللبناني والسؤال عن مكامن العلل والهدر، من خلال تشجيع اللبنانيين على المعالجة بحيث يبدو القلق جدياً على استيضاحات المسؤولين الروس.