كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
لا شك أن اللبناني يعاني من “كورونا” على أنواعها، فبعد أن أنهكته التجاذبات بين السياسيين حتى على أصغر الأمور، جاءه الوباء ليزيد من تعقيد أموره ويجعله أكثر حيرة وألماً وعجزاً. هو المنقسم طائفياً ومذهبياً حتى على المرض والوباء.
وإذا كان قدره وقضاؤه هكذا فما الذي يحيل السياسيين الى شطار على حلبة التجاذب والإنقسام في مواسم الوباء وتقاذف المسؤوليات وكأن الدست ينقصه ما ينقصه. فرئيس الحكومة” حسان دياب لا يخلو حديث له من دون ذكر عبارة “الثلاثين سنة الفائتة”، وتيار “المستقبل” لا يفوّت فرصة من دون الغمز واللمز والمجاهرة بما فعله دياب وما لم يفعله. إنها علاقة محكومة بطبيعة التنافس بين طرفين، أحدهما خرج من السلطة على ظاهر الأمور بإرادته، والثاني جاء إليها بعد ولادة قيصرية حتمتها مرحلة صعبة لم يشهد مثلها لبنان. ومنذ تلك اللحظة وهما متباعدان.
جمعهما لقاء يتيم وفرقتهما اعتبارات سياسية مختلفة. كلما اجتمعت كتلة “المستقبل” كان دياب الحاضر الأكبر في بياناتها. بيانان في غضون أسبوعين يقومان في مضمونهما على انتقاد دياب مع تجنب تسميته بالاسم. ففي أواخر الشهر الماضي تحدثت الكتلة عن “انضمام” رئيس الحكومة إلى فريق المسوقين لتراكمات السنوات الثلاثين الماضية لتضع كلامه “في إطار الحملات التي تستهدف الرئيس الشهيد رفيق الحريري والسياسات الحريرية التي انتشلت لبنان من حال الدمار الذي تسببت به الحرب”. وفي البيان الثاني تحدث “المستقبل” عن “أصوات مستجدة من خارج المنظومة الكيدية التقليدية”. بنوابه ووزرائه السابقين لا يوفر “المستقبل” فرصة الا ويصوب من خلالها على رئيس الحكومة.
وكأن أداء دياب يستفزهم، او انهم يخافون نجاحه في عمله. وعلى الرغم من أن اللقاء الوحيد الذي جمع الحريري مع دياب “كان إيجابياً” الا أن الايجابية هذه جاءت ضمن اجراء بروتوكولي موقت غير ساري المفعول على الموقف من الحكومة. في عهدة رئيس الحكومة معلومات مؤكدة عن أطراف تعمل على التحريض على الحكومة لمح إليهم من دون الاشارة بالاسم، يقول البعض إن الحريري الخارج من السلطة هو واحد من بينهم لتبديد أي نوع من أنواع التعاطف الشعبي أو الخارجي مع دياب خصوصاً وأن الفرنسيين باشروا التواصل مع الحكومة مبدين كل استعداد لمساعدتها. لكن للمقربين من الحريري رأي اخر يقول إن الحريري لو أراد البقاء في السلطة لفعل وأنه هو من اختار الخروج بينما الجميع كانوا يترجون بقاءه.
يعتبر المقربون أن كلام كتلة “المستقبل” جاء كرد فعل على فعل رئيس الحكومة الذي كان أول من تحدث عن “أوركسترا” داخل مجلس الوزراء، ثم كرر حديثه عن إرث الاعوام الثلاثين الماضية أي زمن رفيق الحريري، علماً أنّ شركاءه في الحكم اليوم كانت لهم اليد الطولى في الحكم ولا تزال. أما في حسابات رئيس الحكومة الحالي فلا وقت لديه لفتح سجالات في زمن يعاني البلد ما يعانيه مما يستوجب العمل بوتيرة متسارعة. يجزم محيطون برئيس الحكومة ان دياب “لم يستهدف “المستقبل” ولا يتقصد ذلك منذ مجيئه الى رئاسة الحكومة، وكلامه المتكرر عن السياسات الحكومية انما يقصد به كل الحكومات، حيث ان صناعة السياسات هذه شارك فيها الجميع”.
يصر رئيس الحكومة على اعتبار ان معركته ليست “مع اي طرف سياسي إنما مع الأزمة” وهو جزم منذ دخوله نادي رؤساء الحكومات انه ليس مرشحاً للنيابة ولا صاحب مشروع سياسي ولا زعامة سياسية “فلماذا يستفزهم؟”. ورغم ذلك أصدر “المستقبل” بيانين يتعرضان فيه لحكومة دياب من دون ان يرد على أي منهما ما يدل حسب المحيطين “على نمط جديد في التعاطي وهو نمط عمل وعدم الدخول في مهاترات جانبية”.
صعبة ظروف دياب كما هي ظروف الحريري. الأول عليه أن يتولى حكومة في أصعب ظرف تمر به البلاد ويكاد يكون أصعب من يوم تولى نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة وحاول الوقوف على خاطر المملكة والحريري مرات عدة إلى أن تم تطويقه فأخرج، والثاني مقيم في باريس منذ أسبوعين ومعارضوه يعتبرون أنه وحيد بلا مظلة دولية وعربية وقد سدت الأبواب في وجهه والظروف الاقليمية والدولية لا تسعفه.