كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:
عندما قرَّر الرئيس حسّان دياب ورفاقه أن يدخلوا مغامرة السلطة، اعتقدوا أنّ عندهم مصيبة واحدة: المال والنقد والمصارف والاقتصاد. لكن «الكورونا» غدَرَت بهم. ولأنّ هذا الفيروس يستقوي على الأجسام الأقل مناعة، أو المصابة بأمراض خطرة، فهل يهدِّد بموت الحكومة؟
يجزم خبراء، أنّ الحل الوحيد الذي يجب أن تعتمده الحكومة الآن، وليس غداً، هو ذاك الذي اعتمدته الصين. فقد أثبت هذا البلد مناعةً فائقةً تستحق التقدير، ويجب أن تكون قدوةً يُحتذى بها لمواجهة الكوارث. ويعني ذلك ما يأتي:
تعلن الحكومة اليوم حال طوارئ صحيّة، تقضي أولاً بمنح مهلة يومين أو ثلاثة حدّاً أقصى، ليتمكن الناس من تدبير شؤونهم وتوفير المؤن الكافية لمدة 14 يوماً. ثم يدخلون إلى بيوتهم، وتتوقف تماماً كل الأنشطة الرسمية والخاصة، إلّا تلك التي تستدعيها المواكبة: الجسم الطبي والجسم الإعلامي والجيش وقوى الأمن، وضمن الحدود الدنيا والمراعاة القصوى لتدابير الوقاية.
حال الطوارئ يجب أن تُطبَّق على الأراضي اللبنانية كافة. ولكن، بالضرورة يجب أن تكون صارمة جداً في نطاق بيروت الكبرى، حيث ظهرت الإصابات حتى اليوم، وصولاً إلى جسر المدفون شمالاً ونهر الدامور جنوباً وعاليه شرقاً.
تنتشر القوى العسكرية والأمنية في الشوارع كافة وتسيِر دوريات لمنع أي تجوال. ويجب تأمين الاستجابة التامة إلى القرار بفرض غرامات مالية على المخالفين، تزداد صعوداً في حال حصول تجمعات.
يرافق ذلك تشدُّد إلى حدّ الحظر، في دخول الأشخاص والبضائع من خلال المعابر البريّة والبحرية والمطار، بحيث تقتصر على المواطنين العائدين للضرورة القصوى والبضائع التي لا يمكن الاستغناء عنها.
سيؤدي ذلك إلى التوقف التامّ للحياة الاقتصادية، المشلولة أصلاً. وسيكون مؤلماً للمياومين وأصحاب المهن الحرّة وبعض أصحاب المصالح ألّا يحصلوا على الدخل الذي يحتاجون إليه لتوفير المعيشة لعائلاتهم. وهذا أمر عصيب لطبقة الفقراء.
ولكن، في خلال هذين الأسبوعين، ستظهر تماماً كل الإصابات الكامنة، فيتمّ نقلها إلى المستشفيات، فيما سيبدأ الذين هم اليوم في غرف العزل في المستشفيات بالشفاء. ولكن، لن تكون هناك عدوى جماعية تقود البلد إلى كارثة طبية ربما لا يتخيَّلها بعض المعنيين.
وسيكون حيوياً استمرار ضبط الوضع على المنافذ كلها، ولاسيما المعابر البريّة الفالتة في كثير من الأحيان. وهذه هي الاستراتيجية التي أدّت إلى إنقاذ الصين، بلد المليار و300 مليون نسمة، أي استراتيجية العزل المبكر التي أثبتت أنّها الوحيدة الفاعلة ضد «الكورونا» والعديد من الأوبئة الأخرى.
«وجع» الأسبوعين الذي ستفرضه الخطة على الناس ما البديل منه؟
البديل هو استمرار طريقة التعاطي الحالية، البطيئة والمتأخّرة دائماً، والخجولة. وهذا ما سيقود إلى الآتي:
تتزايد الإصابات بتسارع عنقودي منذ 20 شباط الفائت. في الأيام الأولى، كانت الحصيلة اليومية دون أصابع اليد الواحدة. اليوم باتت الزيادة اليومية بضع عشرة إصابة. وبعد أسبوع أو اثنين سيكون التزايد اليومي بالعشرات. ويقول الخبراء، إنّ رقم الـ500 إصابة يمكن أن يكون على مسافة شهر من الآن.
بعد ذلك، سيكون الفلتان. وفي هذه الحال، وكما يؤكّد المعنيون، سيقع المجتمع اللبناني تحت الوطأة، لأنّ القدرة على توفير الماكينات الخاصة بالتنفس والأدوية والعلاجات والأدوات اللازمة، وكذلك القدرة الاستيعابية للمستشفيات، ستكون على المحكّ.
في هذه الحال، ستتعطّل تماماً الحياة، وستُقفل المؤسسات أبوابها ويلتزم الناس منازلهم في مناخ من الرعب والشكوك في وجود الفيروس أينما كان، وحتى بين أفراد الأسرة أنفسهم. ولن يجرؤ أحد على الخروج حتى لشراء ربطة الخبز. وهنا، ستعمّ الفوضى في ظل عجز كامل.
إنّ وجع الأسبوعين اليوم، شرط الضبط الحازم للمنافذ الخارجية، إلى حدّ الإقفال، يبقى- على سيئاته- أفضل من التأخّر حتى وقوع الكارثة ودفع الأثمان الغالية. أليس هذا التأخير هو الذي قتل اللبنانيين في الإصلاح والتدابير المالية والاقتصادية والنقدية والمصرفية وسواها؟
في العالم اليوم 3 نماذج للتعاطي مع فيروس «الكورونا»:
1- نموذج الصين، الذي أدار الأزمة بالعقل والتماسك والجرأة حتى النجاة.
2- نموذج إيطاليا، التي استهانت بالأمر حتى تفاقم، فبدأت العلاج متأخّرة، وبأكلاف باهظة.
3- نموذج إيران، التي يبدو مسؤولوها راغبين في عدم إظهار حجم الكارثة أمام العالم، لئلا يقوم خصومهم الأميركيون باستغلال ضعفهم. ويُخشى أن يكون هذا النموذج معتمداً بنِسبٍ متفاوتة في الدول الشرق أوسطية التي تتمدَّد فيها إيران، ولاسيما العراق وسوريا ولبنان.
فنموذج التعاطي الذي تقدِّمه حكومة دياب، هو في نقطة وسطى بين النموذجين الإيطالي والإيراني. وهذا منطقي، لأنّها أساساً، في السياسة، تقف في المنطقة الرمادية بين إيران والغرب.
ولاحقاً، على الحكومة أن تقرِّر، إما الذهاب في الاتجاه الذي تكون له الغلبة في لبنان، وإما أن يحالفها الحظ بحصول صفقة جديدة بين إيران والغرب، وإما أن تسقط تحت وطأة الصراع لتأتي حكومة أخرى تدير المرحلة.
يحقّ لدياب أن ينتفض مستاءً من المزايدات عليه في التدابير الإصلاحية والمالية والمصرفية والنقدية والاقتصادية كما في مسألة «الكورونا». لكن الناس الذين يمنحونه فرصة الحلّ في هذه المسائل يحقّ لهم أن يسمعوا تبريرات منطقية ومبنيّة على العقل والعلم، لا تخويناً وتغطية للعجز والفشل، كما كان يجري في الحكومات السابقة، والتي أوصلت البلد إلى الخراب.
وفي ظلّ طبقة المسؤولين «غير المسؤولين» يمكن أن يتم إنقاذ الأثرياء والأقوياء بدل الفقراء والضعفاء، كما جرى حتى اليوم التغاضي عن أي إجراء يتعلق بالأموال المنهوبة أو المهرّبة أو سوى ذلك. ولم تعمد حكومة دياب إلى رفع الإصبع في وجه متهمٍ واحدٍ بالفساد!