جاءت زيارة رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية الى روسيا، من خارج السياق العام للأحداث اللبنانية، ولتكون بمنزلة اختراق سياسي خجول لوضع مثقل بأزمات اقتصادية ومالية واجتماعية وصحية أطبقت عليه، وحيث لا وجود لحركة وحياة سياسية.
كان يمكن لهذه الزيارة أن تمر من دون أن تلفت انتباه أحد ومن دون أن تثير اهتماما يذكر.
فمن جهة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة الداخلية، معركة مواجهة التحديات المالية، مضافا إليها تحدي وباء الـ «كورونا».. ومن جهة ثانية تندرج زيارة فرنجية في سياق خطة روسية لرفع درجة الاهتمام بالملف اللبناني على كل المستويات الاقتصادية والاستثمارية والسياسية.
وبالتالي، تندرج هذه الزيارة في سلسلة زيارات لقيادات سياسية تلبية لدعوات رسمية تكاد لا تستثني أحدا.
وها هو الرئيس سعد الحريري يعد العدة لزيارة موسكو طامحا الى لقاء مع الرئيس فلاديمير بوتين، كما يستعد رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط لزيارة موسكو طامحا الى لقاء مع وزير الخارجية سيرغي لافروف، مع العلم أن جنبلاط الذي اهتزت علاقته مع الروس بسبب موقفه من الحرب السورية، لم يعد يحتكر العلاقة الدرزية مع روسيا ويزاحمه طلال ارسلان القريب من الرئيس السوري بشار الأسد حليف بوتين في المنطقة.
وكان نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص للرئيس الروسي الى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف (الذي التقى مطولا فرنجية واستكمل المحادثات معه على غداء عمل) في صدد القيام بزيارة لم تحصل الى بيروت بعد انتفاضة 17 اكتوبر لمتابعة الوضع عن كثب وللتحذير من مخاطر ما يجري، انطلاقا من النظرة أو النظرية الروسية التي تقول انه لا يمكن فصل تطورات لبنان عن أحداث المنطقة، وأن هناك مؤامرة أميركية، وكل ما يحصل في المنطقة هو بسبب تدخلات أميركا التي تقف وراء تحريض الناس بأهداف نبيلة ولكن بنوايا خبيثة، وترمي الى إحداث فوضى في بلدان المنطقة ومن ضمنها لبنان الذي يواجه خطر السير على طريق الدول العربية والدخول في مواجهات داخلية واضطرابات إجتماعية وأمنية.
في الواقع، ترتبط زيارة فرنجية الى موسكو بخطتها الهادفة الى جذب لبنان الى دائرة النفوذ الروسي عبر إعادة ربط لبنان بسورية من خلال رعاية تحالف قوي موال لسورية في بيروت بعد قيام حكومة جديدة مساعدة، وعبر لعب دور الوسيط الرئيسي للعلاقات اللبنانية ـ السورية مع ضمان السيادة اللبنانية، والترويج لإعادة اللاجئين السوريين وتحسين العلاقات مع الجيش اللبناني، ما قد يعطيها فرصة مراقبة الحدود اللبنانية السورية.
ولكن الزيارة تكتسب أهمية خاصة وتتميز عن سائر الزيارات اللبنانية الى موسكو في الأبعاد والدلالات الرئاسية التي تنطوي عليها، وموسكو تستقبل فرنجية كمرشح رئاسي أكثر مما تستقبله كزعيم أو رئيس حزب سياسي.
وليس سرا أن علاقة وثيقة تربط بين فرنجية والروس هي امتداد للعلاقة بين فرنجية والرئيس السوري، وأن الروس كانوا يؤيدون خيار فرنجية لرئاسة الجهورية العام 2016 ويفضلونه على خيار وصول الرئيس ميشال عون الذي رجحه وحسمه قرار حزب الله.
فرنجية مازال مرشحا للرئاسة ويتحين فرصة الوصول، مستندا الى تأييد نبيه بري ووليد جنبلاط، ومراهنا على أن سعد الحريري سيعود الى موقفه الداعم له، وأن حزب الله ليس لديه هذه المرة خيار أفضل وأنسب ولا يواجه الإحراج الذي واجهه العام 2016.
ولكن فرنجية يتجاوز أو يتجاهل التطورات والتغييرات التي طرأت على الوضع في لبنان وميزان القوى السياسي والشعبي فيه منذ 17 اكتوبر الماضي، والتي جعلت الطبقة السياسية أصيبت في الصميم، وأن الزعامات والوجوه التقليدية لم يعد مرغوبا بها، وأن مفهوم «الرئيس القوي» (المنتسب الى فئة الأربعة الكبار التي تحددت في اجتماعات بكركي للأقطاب الموارنة)، لم يعد سائدا ومتناسبا مع مواصفات المرحلة التي تعيد أحياء مفهوم «الرئيس التوافقي»، وأن وصول رئيس من فريق 8 آذار لم يعد متناسبا مع ميزان القوى العام في لبنان والمنطقة.. وبالتالي، فإن ما ينطبق على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ينطبق أيضا على رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية.
جبران باسيل الذي انكفأ عن الأضواء مراجعا حساباته ومعيدا بناء وضعه وتياره.. وفرنجية الذي خرج الى الأضواء مفتتحا معركته الرئاسية من موسكو ومن خلفية أن الاستحقاق الرئاسي بدأ عده العكسي، وربما حصل قبل أوانه وموعده الرسمي