عاد ملف التعيينات القضائية ليتصدّر المشهد في لبنان وسط مخاوف من إقدام فريق رئيس الجمهورية ميشال عون على نسف التشكيلات التي عمل عليها مجلس القضاء الأعلى طيلة شهرين، وطرحها قبل أيام على وزيرة العدل ماري كلود نجم.
ويعدّ هذا الملف أحد أهم الاختبارات للعهد في ما بعد انتفاضة 17 أكتوبر، ولئن يبدي كل من حزب الله وحركة أمل عدم اعتراض على التشكيلات التي طرحها المجلس الأعلى للقضاء برئاسة القاضي سهيل عبود فإن رئاسة الجمهورية ومن خلفها التيار الوطني الحر أظهرا تحفظات حيالها، حيث اعتبرا أن التحويرات الجديدة تستهدف الفريق الرئاسي حصرا، وأنها تحاول تحجيم نفوذه داخل السلطة الثالثة.
ويرجّح سياسيون وقضاة أن يكون هذا الفريق مارس ضغوطا على وزيرة العدل التي فاجأت الأربعاء المجلس القضائي برد التشكيلات مبدية جملة من الملاحظات عليها وهي: الحضور الطائفي الطاغي على حساب باقي المعايير، وتوزيع القضاة التي لم يراع فيها مبدأ الشمولية على الأخص في النيابات العامة ودوائر التحقيق، وعدم خضوع التعيينات في صلب القضاء العسكري للصيغة القانونية المعمول بها.
ويقول محللون إن مسلك الفريق الرئاسي يهدد ليس فقط بزيادة حالة الغضب الشعبي بل وأيضا التوافق مع حلفائه من داخل 8 آذار وفي مقدمتهم رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي أبدى امتعاضا من رد التشكيلات القضائية إلى مجلس القضاء الأعلى.
وذكرت مصادر مطلعة أن برّي ينظر باحتراز شديد لرد وزيرة العدل. ونقل عنه زواره أن ما حصل يسيء إلى صورة الحكومة التي تواجه صعوبات كبرى في إقناع الداخل والخارج بها.
ولطالما اتسمت العلاقة بين التيار الوطني الحر ورئيس مجلس النواب الذي يتولى أيضا قيادة حركة أمل بالتوتر رغم أنهما ينضويان ضمن نفس الحلف، وحصلت على مدار السنوات الأخيرة العديد من المناوشات بينهما لم تفلح تدخلات حليفهما حزب الله في احتوائها أو ضبطها، بيد أن اندلاع الاحتجاجات في أكتوبر الماضي أجبر الجانبين على الدخول في توافق هش، يقول كثيرون أنه أشبه بهدنة ستنتهي متى استشعر الطرفان بمرور “العاصفة”.
ويشير المحللون إلى أن عون وتياره يخوضان معركة التشكيلات القضائية بمفردهما، حيث أنه ليس من المتوقع أن يدعمهما الحليف الأساسي حزب الله الذي يحاول عدم استفزاز الحراك، والتسويق لصورة الطرف الراغب في الإصلاح، وبالتالي فإن إمكانية نجاحهما في مسعى الإطاحة بتلك التشكيلات مشكوكا فيه على نحو بعيد.
وبحسب مصادر مقرّبة من رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود فإن الأخير لا ينوي إجراء أي تعديل على التشكيلات، وهو يلاقي دعما في ذلك من معظم أعضاء المجلس، وعلى ضوء ذلك فإنه لا خيار أمام الوزيرة كلود نجم سوى التوقيع عليها، وإلا فإنها ستجد نفسها في صلب معركة خاسرة.
وفي محاولة لتبرير موقفها شددت وزيرة العدل في حديث تلفزيوني، أن لا أحد يستطيع أن يمارس ضغوطا عليها بموضوع التشكيلات القضائية، وأن مجلس القضاء الأعلى يعلم هذا الأمر جيداً، مع الاحترام الكامل للقانون، والحرص على استقلالية القضاء، معتبرة أن “وزير العدل ليس صندوق بريد ومن واجبه أن يقوم بالاطلاع والتدقيق وإبداء الملاحظات، والبعض يظن أن ذلك تدخل سياسي، ولكنه بطبيعة الحال باب للتحسين”.
وقالت نجم “لم ولن نتدخل بتاتاً بموضوع الأسماء، وأنا لست بمواجهة مع مجلس القضاء الأعلى، ولكن يجب الذهاب إلى أبعد من هذا الأمر، ومجلس القضاء هو من يضع الأسماء والملاحظة التي طرحتها تتعلق بالمعايير الموضوعة”.