Site icon IMLebanon

عون لن يوقّع التشكيلات القضائية “ما لم تُصحَّح”

كتب نقولا ناصيف في “الاخبار”:

يوماً بعد آخر تكتشف حكومة الرئيس حسان دياب أن المرجعيات المقيمة وراء الستار أقوى ممن هم في الواجهة. تعويلها كما مجلس القضاء الأعلى على إعادة الاعتبار إلى القضاء واسترجاع الثقة العمياء به، يبدو أنه يحتاج إلى وقت أطول وإلى أكثر من امتحان

دون إبصار المناقلات والإلحاقات والانتدابات القضائية الجديدة التي أنجزها مجلس القضاء الأعلى في 5 آذار، عقبتان: أولى من وزيرة العدل ماري كلود نجم التي لم تقل، بعد ملاحظاتها الأخيرة عليها، بأنها ستُوقّعها إذا أصرّ المجلس عليها، ولم تقل أيضاً بأنها لن تُوقّعها على نحو صدورها. ثانية هي رئيس الجمهورية ميشال عون الذي جزم سلفاً بأنه لن يُوقّع التشكيلات ما لم يُعِد المجلس النظر في ما يعدّه الرئيس شوائب فيها.

العقبتان، القانونية والدستورية، تضعان مجلس القضاء في موقف حرج: إصراره على التشكيلات كما أقرها بالإجماع – وهو صلاحية قانونية له – دونما الإصغاء الى ملاحظات الوزيرة، سيُبقيها في أدراجه أو في أدراجها. الأمر نفسه بالنسبة الى رئيس الجمهورية، إذ تصدر التشكيلات في مرسوم عادي يُوقّعه هو ورئيس الحكومة والوزير المختص، من غير حاجته الى مجلس وزراء، ولا تسري عليه المهل المقيِّدة للتوقيع كي يمسي نافذاً. بذلك يكون مجلس القضاء في أول اختبار له برئاسة رئيسه سهيل عبود أمام امتحان صعب. ناهيك بأن ثمة ما سيُثقل عليه، هو إقراره بالإجماع من مجلس أعضاؤه معيّنون في وقت سابق تبعاً لقاعدة المحاصصة والتقاسم بين المرجعيات السياسية، وآخر عضوين كبيرين فيه عيّنتهما حكومة الرئيس سعد الحريري، هما رئيسه عبود والمدّعي العام التمييزي غسان عويدات. إبراز إقرار المشروع بـ«الإجماع» أوحى، لوهلة، أنه يحظى بموافقة المرجعيات السياسية التي تقف وراء تعيين أعضاء المجلس العشرة هؤلاء، وتالياً مراعاة متطلباتها واسترضائها في توزيع المناصب.

في الكتاب الذي وجهته الى مجلس القضاء الأعلى في 10 آذار، على إثر تلقيها مشروع التشكيلات، سجّلت نجم مآخذها من غير أن تشير الى ردها إياه. إلا أنها دعت الى اجتماع مع أعضاء المجلس عقد الأربعاء، آخذة بالصلاحيات القانونية الممنوحة لها بما في ذلك ما نصت عليه المادة الخامسة في المرسوم الاشتراعي رقم 150 الصادر في 16 أيلول 1983، القائلة بأن التشكيلات القضائية التي يعدّها المجلس لا تصبح نافذة إلا بعد موافقة وزير العدل. عند نشوء خلاف بينهما يعقدان جلسة مشتركة للنظر في نقاط الخلاف. إذا استمر الخلاف وأصرّ المجلس على التشكيلات بأكثرية سبعة من أعضائه، يكون قراره ملزماً ونهائياً. بيد أنها لا تصدر إلا بمرسوم يتخذ بناءً على اقتراح وزير العدل. بذلك يصبح مرسوم الوزير معبراً إلزامياً بدوره كي يُوقّعه – أو لا يُوقّعه – رئيس الجمهورية.

تذكير الوزيرة بصلاحياتها القانونية اقترن، في الكتاب، ببضع ملاحظات، أبرزها اثنتان:

أولاهما: «أنني وقفتُ مع مجلس القضاء الأعلى في وجه أي تدخّل سياسي أو غير سياسي في عملية المناقلات والتعيينات، ولم أطالب باسم ولا بمركز ولا بموقع، مع الإصرار على أن تحترم هذه المناقلات والتعيينات مبدأ الشمولية في تطبيق المعايير الموضوعية التي حدّدها المجلس. أما التأكد من تطبيق هذه المعايير فهو من صلب صلاحياتي كوزيرة للعدل، لا بل من واجبي الوطني».

ثانيتهما: «كنت أتطلع الى أن يكون مشروع التعيينات والمناقلات مناسبة لكسر الممارسة الخاطئة على مدى السنوات الماضية التي قضت بتكريس المواقع القضائية، على أنواعها ودرجاتها، للطوائف والمذاهب، ما أدى الى تحويلها الى مراكز نفوذ ومحاصصة في المناطق اللبنانية المختلفة، ومَنَع في كثير من الأحيان وصول القاضي المناسب الى الموقع المناسب، بغضّ النظر عن انتمائه الطائفي أو المذهبي».

إلا أن المراجعة المتأنّية لمشروع التشكيلات أفصحت عن بضعة معطيات، كانت مصدر تحفّظ الوزيرة رغم إشادتها بورود أسباب موجبة للمشروع، ترد للمرة الأولى في تاريخ تشكيلات مماثلة، التزم مجلس القضاء تطبيقها:

1 – عشية إصدار مجلس القضاء الأعلى التشكيلات في 3 آذار، رغبت نجم الى رئيسه في عقد اجتماع لمناقشتها مع المجلس والتحقق من مطابقتها مبدأي الشمولية والمعايير الموضوعية لتفادي أي ملاحظة لاحقة. إلا أن عبود فضّل عقد الاجتماع لاحقاً بعد إصدارها. مع أن قانون المجلس يشير الى مثل هذا الاجتماع بعد صدور مشروع التشكيلات (المادة 5 من المرسوم الاشتراعي 150)، غير أن رغبة الوزيرة توخّت تجنب أي مأخذ، ما لبثت أن تحققت من وجود ثغر بعد تسلمها المشروع. في اجتماع الأربعاء 11 آذار أبدى أعضاء المجلس آراءهم لنجم، من غير بتّ التباين في الرأي. ثم عقد المجلس في اليوم التالي الخميس اجتماعاً آخر على أن يعود الى الاجتماع الاثنين المقبل لتحديد موقفه النهائي: الأخذ بملاحظات الوزيرة توطئة لتوقيعها المرسوم، أو إصرار المجلس على الصيغة التي أقرها ما يفضي الى تجميد صدورها؟

2 – استمرار بعض قضاة النيابات العامة وقضاة التحقيق في مناصبهم يتناوبون على المواقع في ما بينهم، ومنهم مَن لزم المنصب نحو عشرين عاماً من غير أن يُقدم معظمهم – جراء انتماءاتهم الى مرجعيات سياسية – على ما تناولته الأسباب الموجبة للمشروع، وهو تعزيز مكافحة الفساد وهم المولجون النظر فيها.

3 – عدم الأخذ بقاعدتي المعايير الموضوعية والشمولية على نحو ما يرميان اليه. أجرى المجلس مقابلات مع قضاة واستثنى آخرين، فأخلّ بالمساواة في ما بينهم. كذلك الأمر بالنسبة الى تشكيلات النيابات العامة إذ افتقرت الى الشمولية. استُبدل قضاة النيابة العامة في بيروت وجبل لبنان وصيدا والنبطية، وأُبقي قاضيا الشمال والبقاع، ما أعطى ذريعة للاحتجاج على إبدال أولئك والإبقاء على هذين، وأظهر الأمر كأنه استهدف قضاة قريبين الى فريق سياسي، شأن الغضب الذي عبّر عنه رئيس الجمهورية عندما تبلّغ إبعاد القاضية غادة عون فيما أُبقي سواها، ما جعله يقول بأنه لن يقبل بأن يكون «باش كاتب»، وهو آخر مَن يُوقّع مرسوم إصدار التشكيلات. تالياً لن يُوقّع الرئيس بالإكراه. تحفّظ الوزيرة ليس عن استبعاد القاضية عون بالذات، بل استثناء قضاة آخرين بإبقائهم في مناصبهم وعدم إخضاعهم للمناقلات، بعدما أصرّت على قاعدة الشمولية كي تطاول القضاة جميعاً بلا استثناء. وهو ما كانت توقّعته سلفاً.

4 – تدرك وزيرة العدل أن الحؤول دون إصدار التشكيلات القضائية يُرضي المرجعيات السياسية التي تفضّل إبقاء القديم على قدمه، كي تبقي إمساكها بمفاتيح السلطة القضائية ودوام المحاصصة فيها، رغم الخطوات الإيجابية المهمة التي تنطوي عليها التشكيلات. في المقابل تتمسك نجم بإبراز أول إنجاز معنية به، هو إقرار مناقلات وانتدابات خاضعة لمعايير التقت عليها ومجلس القضاء الأعلى. لم تتردّد في إطراء ما فعله، دونما إغفالها ملاحظاتها التي تحتّمها صلاحياتها القانونية المفضية الى تخويلها أول توقيع لمرسوم الإصدار. لذا لم تقل نجم بأنها ردّت المشروع، بل أبلغت الى المجلس ملاحظاتها تلك في الكتاب الذي وجهته اليه وطلبت بناءً عليه الاجتماع به.

5 – الأكثر مدعاة للاستغراب ما فوجئت به وزيرة العدل عندما طلبت من هيئة التفتيش القضائي الحصول على «داتا» ملفات القضاة. كان الجواب أن ليس عند الهيئة «داتا» شاملة بالقضاة، بنجاحاتهم وارتكاباتهم وانضباطهم، بل عوّل مجلس القضاء الأعلى عند تحضيره التعيينات على ذاكرة رئيسه بركان سعد بما يعرفه عن أولئك.