حتى في الكورونا برز الانقسام اللبناني بوضوح في كيفية التعاطي مع هذا الوباء العالمي، وبعد إنكفاء حزب الله عن التعليق على الاتهامات باستيراد الكورونا إلى لبنان من خلال الطائرات الايرانية “الموبوءة” أطلّ الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله على اللبنانيين من خلال شاشة “المنار” أولاً لينفي بهذه الاطلالة ضمناً كل ما تردّد عن إصابته بالكورونا من خلال مخالطته مسؤولين إيرانيين، وثانياً لتغيير وجهة البوصلة بعد الحملة التي طالت حزبه ووزير الصحة حمد حسن بأنهما السبب في وصول هذا الوباء إلى بيروت من خلال تقديم الاعتبارات السياسية وعدم المسارعة إلى وقف الرحلات الجوية من وإلى بيروت وطهران، ليوجّه الأنظار إلى ترامب وبريطانيا اللذين يتستّران على الحالات خلافاً لما تفعله إيران وحزب الله.
واختلفت القراءة لخطاب نصر الله ليل الجمعة، فبعضهم رأى أن هذا الخطاب كان أشبه “بمطالعةً سياسيّة-اجتماعية بشأن الخطر الذي يعانيه لبنان والعالم جرّاء فيروس كورونا المستجدّ” وبأن هذه المطالعة تميّزت بالدعوة إلى أوسع تكاتف وطني واجتماعي وسياسي للنجاة من تهديد الوباء، مشبّهاً الوضع الحالي بأنه حالة حرب. ونوّه ناشطون بتقديم نصر الله “كل الدعم للحكومة على المستوى السياسي والمعنوي وحتى المادي عبر وضع قدرات حزب الله بتصرفّها في مساعيها لمنع تفشّي المرض”.
في المقابل، كان الأمين العام لحزب الله عرضة لانتقادات سياسية وإعلامية رأت أنه تعاطى مع فيروس كورونا بطريقة غلب عليها “الطابع الحربي” عندما قال “يجب ان نعتبر أنفسنا في خضم معركة ” وذلك بهدف التعبير عن فائض القوة للبيئة الشيعية الحاضنة أولاً وللتهويل على الخصوم ثانياً ولمواصله النهج في اختزال قرار الدولة واتخاذ القرار منفرداً في المواجهة حتى تحقيق النصر أو الشهادة، والاستخفاف بما يواجهه الحزب حالياً من وباء الكورونا قياساً إلى الحروب التي خاضها من خلال ابتسامته كلما تحدّث عن الكورونا.
وحسب خصوم حزب الله فإن السيد نصر الله حاول تشتيت مسؤولية الحزب وإيران عن إدخال الكورونا إلى لبنان من خلال الهجوم على الرئيس الأمريكي ووصفه بـ “الكذّاب” وإعتباره هذا الوباء عالمياً، وتولّيه الدفاع عن وزير الصحة المسمّى من قبل الحزب إزاء ما تعرّض له من اتهامات تحمّله مسؤولية ما آل اليه الوضع نتيجة عبارته الشهيرة “لا داعي للهلع” التي كرّرها مرات ومرات ونتيجة اعتباره أن قرار وقف الرحلات الجوية من إيران له تداعيات سياسية، ثم مطالبة نصر الله كما في حرب تموز بأوسع تضامن لبناني لاشراك باقي اللبنانيين في تحمّل المسؤولية وتداعيات المواجهة التي ذيّلها يومها بعبارة “لو كنت أعلم” ووضعه العلم اللبناني خلفه إلى جانب علم الحزب وهي خطوة يلاحظ الخصوم أن نصر الله يقدم عليها كلما كان الحزب مأزوماً.
وكان التعاطي الإعلامي مع فيروس كورونا ومخاطره والدعوة إلى إعلان حالة طوارئ من قبل محطة MTV أزعج حزب الله فدعا الوزير عماد حب الله إلى مقاطعة المحطة في جلسة لمجلس الوزراء، واتهمها البعض بأنها “إسرائيلية”. وذهب القيادي في الحزب غالب ابو زينب إلى القول “إن ما تقوم به محطة MTV سابقة خطيرة وإنقلاب مستهجن وغريب؟” مستغرباً كيف “تنصّب نفسها مكان الدولة والسلطة وتعلن حالة الطوارئ وتبرّر ذلك بتقاعس الدولة عن القيام بواجبها؟” مضيفاً “هذا أسوأ من الأزمة المالية ومن فيروس كورونا وتداعياته. مزاجية خطيرة وخروج عن كل منطق وعقل لتصبح حارة كل من إيدو إلو”.
ولقي استغراب أبو زينب استهجان كثيرين في وقت يقوم الحزب بفرض وصايته على قرارات الدولة ويخرق مبدأ النأي بالنفس ويخوض الحروب في سوريا واليمن ويعكّر علاقات لبنان بأشقائه العرب. وشجّع البعض المحطات الاعلامية على الاستمرار بلعب دورها كسلطة رابعة وأخذ المبادرة كما فعل ثوار 17 تشرين الأول/اكتوبر لأن السلطة باتت رهينة حزب الله وسطوته التي لم تتح لحكومة الرئيس حسّان دياب وقف الرحلات الجوية من إيران فوراً لتجنيب البلد الكارثة الصحية التي تترافق مع أزمة مالية اقتصادية غير مسبوقة وفقدان السيولة بالعملة الصعبة.
وفي ضوء هذه المعطيات، وفي ضوء تراجع نصر الله على رفض الاستعانة بصندوق النقد الدولي غير المشروطة بعد موقف نائبه الشيخ نعيم قاسم الرافض بشدة ثمة من يدعو إلى ترقّب المواجهة التي عادت لتبرز ولو بشكل متفاوت بين قوى 14 آذار السابقة وعلى رأسهم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري وفريق 8 آذار مع استذكار لافت لانتفاضة الاستقلال التي قامت في وجه الوصاية السورية في 14 آذار بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وإعتبار جعجع في تغريدة لافتة في المناسبة أنه “من 14 آذار إلى 17 تشرين: الثورة مستمرة”.