نعيش قمة التناقض في زمن فيروس كورونا. تناقض دفعنا أحيانا إلى أقصى حدود اللاانسانية، فأمسينا مضطرين إلى أن نبتعد عن بعض كبشر. صرنا نفضّل ألا نزور كبارنا حبّاً بهم وحرصاً عليهم. أصبحنا نتمنى على أطفالنا ألا يقبّلونا أو يقتربوا منا لنداعبهم لأننا نحبهم وليس العكس.
نعم، إنه زمن كورونا الذي غيّر كل المفاهيم العالمية من التواصل البشري إلى الانعزال والعزل المنزلي للجميع في كل دول العالم عبر الكرة الأرضية.
إنه زمن كورونا الذي لم يميّز بين دول غنية ودول فقيرة. لم يميّز بين مواطنين فقراء وبين مسؤولين رفيعي المستوى من رؤساء ووزراء ونواب ومسؤولين.
الخوف من كورونا وصل حد الهوس إلى درجة أن اللبنانيين باتوا يتعاملون مع المصاب بالفيروس وكأنو ارتكب جرماً أو عيباً، أو كأنه يستحق المحاكمة الميدانية!
ثمة من يجب أن يعمل على تهدئة النفوس بالتزامن مع التوعية المطلوبة. ثمة من يجب أن يتنبّه إلى الصحة النفسية للبنانيين إلى جانب الوقاية من الفيروس. باتت ردود فعلنا مؤذية في أحيان كثيرة. الكوابيس تنتاب أولادنا وتقض مضاجع أحلامهم. نعم نحن نحتاج إلى علاج نفسي من العوارض النفسية التي فتكت بنا جراء كورونا.
لكن في ظل كل حال العتمة والبشاعة التي نمرّ بها ومشاعر الخوف والقلق على المستقبل التي نعيشها، يبرهن المجتمع اللبناني عن حيوية ودينامية قلّ نظيرهما في العالم أجمع. فاللبنانيون الذين اعتادوا التأقلم مع أشد الظروف قساوة والتغلّب عليها، لن يستسلموا أمام فيروس مهما بلغت ضراوته وسرعة انتشاره. هكذا، وفي حين يعاني سكان الولايات المتحدة وأوروبا وعدد كبير من الدول المتطورة نقصاً حاداً في مواد التعقيم والمياه والمحارم الورقية، يشعر اللبنانيون بالاطمئنان إلى توفّر كل حاجاتهم في السوبرماركت على عكس كل ما يجري في دول العالم، ويعود الفضل في ذلك إلى أن التجار في لبنان اعتادوا في زمن الحروب على التخزين لفترات طويلة، وبالتالي لا مجال لأي انقطاع في المواد الأساسية التي يحتاجها المواطنون. كما أن اللبناني الذي اعتاد غياب الدولة وتقديماتها، أدمن لعبة تأمين البلدائل مهما اشتدت قساوة الظروف.
ولم تقتصر الإنجازات على التجار والمواطنين، بل شهدنا مبادرات خاصة بالغة الأهمية، بدءًا من إعلان نواب تحويل رواتبهم لمصلحة مستشفيات حكومية لمساعدتها على مواجهة فيروس كورونا، وليس انتهاءً بإعلان شركات لبنانية أنها ستباشر تصنيع معدات التنفس في لبنان، هذه المعدات التي تعاني المستشفيات اللبنانية نقصاً حاداً فيها لأنها أكثر ما يحتاجها من تصيبه عوارض كورونا، ولطالما كانت المستشفيات اللبنانية تستوردها من الخارج وباتت اليوم مقطوعة عالمياً بسبب كثافة الطلب عليها!
صحيح أننا نعيش زمن كورونا، لكنه زمن إنجازات المجتمع اللبناني واللبنانيين المتضامنين. إنه زمن الطوارئ الصحية والاجتماعية، الذي وإن تأخرت الحكومة على إعلانه رسمياً، إلا أن البلديات في لبنان أعلنته عملياً وباشرت باتخاذ كل الإجراءات المطلوبة لحماية السكان ضمن نطاقها البلدي وفرض الإجراءات اللازمة على التجار وغيرهم.
صحيح أن على الجميع اتخاذ كل الإجراءات الوقائية الضرورية والتزام منازلهم باستثناء الحالات الطارئة، لكنني لست خائفة على لبنان واللبنانيين. ثقتي لا تنبع حصراً من إيماني بوطن القديسين، إنما تنبع أولاً وأخيراً من إيماني باللبنانيين الذين في كل مرة يواجهون المحن يثبتون بتضامنهم وإبداعهم أنهم شعب تليق به الحياة ولن تقوى عليه كل كورونا الأرض!