IMLebanon

مواقع التواصل الاجتماعي تُكرّس الانقسام في زمن “كورونا”

كتبت جويل رياشي في صحيفة “الأنباء الكويتية”:

أشار الأديب الفرنسي ألبير كامو في روايته الشهيرة «الطاعون»، إلى أن «الأوبئة تعيد البشرية الى فطرتها الأصلية وهي الأخوة والتآزر».

هذا الأمر قد لا ينطبق كليا على لبنان، اذ ان هناك جنوحا لدى الأكثرية الى تغليب الحقد السياسي والنكايات، وتسجيل النقاط حتى في عز المصائب.

مع الأسف، هذا ما يمكن ملاحظته اليوم في بلد عانى الحرب الأهلية (1975 – 1990)، واحتلالات على أنواعها، وشهد كوارث طبيعية، أبرزها الزلزال منتصف خمسينيات القرن الماضي، وقبلها المجاعة في الحرب العالمية الأولى.

ولعل أحداث كهذه كفيلة بجعل أهل البلد أكثر ألفة مع بعض وتآخيا في مواجهة الشدائد. لكنه الانقسام اللبناني، الذي تكرس أمرا واقعا رافق نشوء لبنان الكبير بجغرافيته الحالية منذ 1920، ما جعل المئوية مناسبة لطرح السؤال المكرر: أي لبنان نريد؟

تأخر اللبنانيون لأخذ مخاطر فيروس كورونا على محمل الجد وانتظروا إلى ما بعد تسجيل أول حالة وفاة وارتفاع العدد تدريجيا، ليستوعبوا خطورة الوضع.

تدريجيا، بدأت الحركة في الشوارع تخف لتقتصر على «نصف دوام» للمحلات والمتاجر، وإقبال الناس بكثافة على محلات بيع المأكولات على أنواعها، لتخزين الأكل والمياه، فضلا عن إقبال غير مسبوق على الصيدليات لشراء المطهرات والسبيرتو من عيار محدد.

موظفو الإدارة العامة في الدولة اللبنانية أعلنوا الإضراب ثلاثة أيام، في حين علقت غالبية البلديات أعمالها وأغلقت أبوابها حتى بداية الأسبوع المقبل، أي يوم الاثنين، من أجل القيام بأعمال التعقيم.

فيما أقفلت دور السينما والمسرح والمطاعم أبوابها أمام الرواد، وترك «تنفيس الاحتقان» للناس عبر خدمة التوصيل «الدليفري»، مع ملاحظة إلزام العمال في هذه الخدمة، وغالبيتهم من غير اللبنانيين، ارتداء كمامات وقفازات في أياديهم.

النوادي الرياضية والصحية أقفلت بدورها تحت ضغط المذكرات الإدارية الرسمية الصادرة عن وزيرة الشباب والرياضية فارتينيه أوهانيان، والتي طلبت من الذين يلاحظون تقاعسا إبلاغ القوى الأمنية للتحرك من أجل إلزامها بالإقفال.

قصور العدل والمحاكم في المناطق فرضت على المراجعين في دوائرها ارتداء كمامات تخطى سعر الواحدة منها 10 آلاف ليرة في بعض الصيدليات، ما جعل البعض يحجم عن الدخول الى حين حصوله على كمامة بسعر ألف ليرة لبنانية.

البلد في حالة شلل، ويمكن ملاحظة ذلك من حركة السيارات. إلا أن العاملين في القطاع الخاص، لم يتمكنوا من ملازمة منازلهم لضرورات معيشية، في بلد بعاني تعثرا ماليا ونقديا وكسادا في سوق العمل بلغت فيه البطالة أرقاما غير مسبوقة.

مع الإشارة إلى تدابير وقائية اتخذتها بعض الشركات، أبرزها السماح لموظفيها بالعمل من المنزل أو تقليص عدد الموجودين في المكاتب إلى الحد الأدنى.

الناس تنادوا الى العودة الى الحياة التي مارسها أجدادهم، وطالبوا بالتوجه نحو القرى كونها أكثر أمانا لجهة غياب الاكتظاظ والتلوث الذي تشهده المدن. لكن ذلك لم يترجم بتفاعل إيجابي لجبه كارثة الوباء الذي يهدد البشرية!

أما الكارثة الحقيقية فطالت وسائل التواصل الاجتماعي وتصاريح أهل السياسة والناشطين التي حفلت بتقاذف التهم وإلقاء تبعات المسؤولية على الحكومة، ولومها لعدم فرض إجراءات ومنع مواطنيها من العودة الى البلد من بلدان ضربها الوباء، في طليعتها إيران.

حملات لم يقصر فيها سياسيون اهتموا لتسجيل مواقف، بدلا من التركيز على التعاضد وبث روح الوحدة لمواجهة «عدو مشترك»، لا يميز بين اللبنانيين وشعوب الأرض من خلفيات سياسية أو دينية.

نقاشات عالية النبرة على وسائل التواصل الاجتماعي، لم تخف فيها الحدة عما شهدته احتجاجات 17 تشرين الأول 2019.

معارضو الحكومة لم يملوا من تحميلها وزر مصائب الفيروس، وكأنها أمه وأبوه! فيما النكد السياسي بات اللغة التي يتخاطب بها المنقسمون بين مؤيدي فريق سياسي وآخر.

لم تجمع المصيبة، ولعل البعض لا يعتبرها كافية للم الشمل!

ما يحصل ليس غريبا بالنسبة الى البعض من جيل الأمس، جيل الحرب الذي شهد انقسام اللبنانيين ودخولهم طوعا في نفق أسود استمر عقدا ونصف عقد، وتكرس معه الانقسام في النفوس، وباتت النصوص عاجزة عن إزالته.