إلى “حال الطوارىء” دُرْ. فبعد 23 يوماً على دخولِ “كورونا” لبنان، بدا أن السلطاتِ الرسميةَ أدْرَكَتْ فداحة ما سيترتّب على استمرارِ إدارة الظهر لناقوس الخطر الذي يقرعه الخطً البياني التصاعُدي لعدد الإصابات مع تجاوزها عتبة المئة ولخريطة انتشار الفيروس الآخِذ في الانفلاش من خلف أسوار استنفارٍ أهليّ وإعلامي سعى للجْم … “القاتِل المتسلسل”.
وفيما كانت وزارة الصحة تعلن أن الحالات التي شُخِّصتْ إيجاباً بـ “كورونا” تجاوزت100، لاحتْ إشاراتُ اتجاهٍ لإعلان حال طوارىء في لبنان الأحد بعد جلسة طارئة لمجلس الوزراء تُعقد في القصر الجمهوري برئاسة الرئيس ميشال عون تحت عنوان “متابعة آخِر التطورات والإجراءات للحدّ من انتشار الفيروس” على أن يليها اجتماعٌ للمجلس الأعلى للدفاع.
ولم يكن ممكناً الجزم بحدود حال الطوارىء، وسط معلوماتٍ عن أنها ستكون “صحّيةً” وعلى الأرجح لاعتباراتٍ تتصل بما قد يحْمله عدم حصْر طابعها الصحي من أبعاد أمنية وسياسية، من دون أن يُعرف إذا كان سيصار لاعتماد حظْر تجوّل صريح أو مضمر من باب دعوة المؤسسات الرسمية والخاصة للإقفال واللبنانيين للبقاء في منازلهم من ضمن “حجر عام”، وذلك بالتوازي مع مسألتيْن: الأولى تفعيل المواكبة الأمنية التي تسمح بتطبيقٍ صارمٍ لقرار وقْف العمل في كامل المؤسسات السياحية والملاهي والمطاعم والأندية الرياضية وسواها، والثانية الاستعدادات لإغلاق الحدود البرية مع سورية وسريان الوقف الكامل للرحلات مع 7 دول عربية وأوروبية لمدة اسبوع التحاقاً بالقرار الذي شمل إيطاليا – كوريا الجنوبية – إيران – الصين.
وإذ لم يشأ مستشار رئيس الجمهورية، الوزير السابق سليم جريصاتي استباقَ جلسة مجلس الوزراء اليوم وما قد يصدر عنها، فإنه كشف لـ “الراي” أن المجلس “سيناقش ملف “كورونا” ويبحث مسألة إعلان حال الطوارىء الصحية والتداعيات المحتملة لهذا الأمر على الاقتصاد، وتكليف الأجهزة الأمنية ببعض المهمات”، مشيراً إلى “ان المجلس الأعلى للدفاع الذي ينعقد اليوم أيضاً بعيد جلسة مجلس الوزراء سيطلع على القرارات المرتقبة للتنفيذ”.
ولم تتفاجأ أوساطٌ مطلعة في بيروت بالمنحى الأقرب إلى دقّ “طبول الحرب” مع “كورونا” الذي بلَغَه المشهد اللبناني والتعاطي الرسمي مع “غزو” الفيروس للبلاد، متوقّفة في هذا الإطار عند 3 مواقف، اثنان منها اعتُبرا بمثابة توفير “هبوط آمِن” سياسي لـ “الطوارىء الصحية” والثالث محرّكاً في اتجاهها تفادياً لارتداداتٍ سياسية قد ترتّب أكلافاً “شعبية” على الائتلاف الحاكم. وهذه المواقف هي:
*إعلان رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل أمس “يبدو أن لا مفر من قرار الحجر العام، أي حال الطوارىء، ولو كان موجعاً لإنقاذ أكبر عدد من الأرواح التي هي أغلى ما لدينا”، محذراً من “اننا على شفير الوصول إلى تفشي الوباء، مع احتمال تخطي القدرات الطبية على العناية بالحالات الحرجة”.
*رفْع الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله المواجهة مع “كورونا” إلى مستوى “المعركة العالمية” التي تقتضي التصدي لها على “أساس إجراءات حرب” لمقاومة الفيروس، داعياً للالتزام الكامل بالتعليمات الحكومية، وملمحاً الى خطوات حكومية قد تصل الى منع التجول وأن “يتم التعاطي مع التدابير كما لو كنا في حال حرب”.
*تهديد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، الذي دعا لإعلان حال الطوارىء، بمقاضاة رئيس الوزراء حسان دياب ووزير الصحة حمد حسن جزائياً “إذا لم تقُم الحكومة باتخاذ التدابير المطلوبة، وإذا وصلنا لازدياد عدد الإصابات بشكل كبير يفوق قدرة المستشفيات والطواقم والبنى التحتيّة الطبيّة على استيعابه”.
وفيما ترافقت الاستعدادات لدخول البلاد مرحلةً جديدةً في سياق محاولة كسْر شوكة “كورونا”، مع اجتماعاتٍ عقدها وزير الإقتصاد راوول نعمة مع الموردين وأصحاب السوبرماركت ومحال بيع المواد الغذائية طالباً منهم زيادة ساعات العمل مؤقتاً “لتمكين المواطنين من شراء حاجاتهم والتخفيف من التجمعات الحاشدة للحد من انتشار الفيروس”، بدا واضحاً من الصحوة الرسمية المستجدّة أن لبنان بات في سباقٍ مع الارتفاع المضطرد في الإصابات وبمعدّل 30 بالمئة يومياً، وسط خشيةٍ من أن يؤدي عدم ضبط وتيرة تفشي الفيروس إلى تخطي القدرة الاستيعابية للمستشفيات، حكوميةً وخاصة.
وفي هذا الإطار، أبدى رئيس لجنة الصحة في البرلمان اللبناني النائب الدكتور عاصم عراجي ارتياحه للقرار المرتقب اليوم بإعلان “الطوارىء الصحية” في البلاد، وقال لـ “الراي” في تعليق على هذه الخطوة: “أن تصل متأخراً أفضل من ألا تأتي أبداً”، مستبعداً تَراجعاً فورياً في نسبة ازدياد الإصابات بـ “كورونا” في لبنان والتي تناهز 30 بالمئة يومياً “لأن تناقُص هذه النسبة لن يتحقق إلا بعد مدةٍ من منْع الاختلاط بين الناس”.
وإذ عبّر عراجي كسواه ممّن هم على درايةٍ بالوضع الصحي في البلاد عن مخاوف من وتيرة تفشي “كورونا” الذي انتقل إلى حال الانتشار وفي شكل مضطرد “الأمر الذي أمْلى على الحكومة الاستجابة لدعوات إعلان حال الطوارىء الصحية”، رسمَ خريطةً لإمكانات الدولة الصحية وثغرها، مشيراً إلى أن الطاقة الاستيعابية القصوى لمستشفى رفيق الحريري الجامعي تُقدَّر بـ 350 سريراً إذا اعتُمد كلّه لمواجة كورونا، في حين أن تجهيز المستشفيات الحكومية الأخرى في المناطق والذي يستغرق بين أسبوع وأسبوعين سيؤمن نحو 1500 سرير كحدّ أقصى، ولافتاً إلى أن المستشفيات الجامعية الخاصة (4) خصصتْ كل منها طابقاً منعزلاً يضمّ بين 20 و30 سريراً.
وأمّا المشاكل التي تواجه عملية التكيّف مع “الحرب الكورونية” تكمن في رأي عراجي في شحّ أجهزة التنفّس الاصطناعي الضرورية التي قد تحتاج إليها الحالات المعرّضة لمتلازمة الضائقة التنفسية الحادة التي يتسبب بها الفيروس، اذ يقتصر عددها على نحو 500 جهاز، 350 منها مخصص عادةً للحالات الطارئة في المستشفيات، كاشفاً أن الدولة تسعى إلى تأمين المزيد من الخارج ولا سيما من تركيا والصين وسط طلبٍ كثيف عليها من جميع الدول التي تعاني هذا الوباء.
وإذ شدّد على ضرورة قفْل الحدود البرية بين لبنان وسورية، أبدى قلقاً كبيراً من احتمال تَسَلُّل “كورونا” إلى مخيمات النازحين السوريين والذين يناهز عددهم المليون ويعيشون في ظروف قاسية … خيم متلاصقة، واكتظاظ، وسوء تغذية وعدم توافر مقومات النظافة، مشيراً إلى “وعودٍ نتلقّاها من منظمات الأمم المتحدة المعنية بالتدخل ولكن لم نرَ أفعالاً حتى الآن”.